"اقتصاد" تفتح ملف "الفيدرالية" في سوريا.. الاقتصاد عامل أساسي في إسقاط خيار "التقسيم" (1)

الاقتصاد أكبر مشكلةٍ قد تجعل من سيناريو "الفيدرالية" تهديداً لوحدة البلاد النهائية

خيار "الفيدرالية" مُتاح ولو نظرياً في حال حصل التوافق بين الفرقاء السوريين

25 دولة فيدرالية يعيش فيها 40% من سكان الأرض

4 دول فيدرالية بين أفضل 6 دول من حيث نوعية الحياة.

يُعتبر ملف "الفيدرالية" أو "الدولة الاتحادية" في سوريا ملفاً شائكاً للغاية، لأسباب عديدة، قد يكون أبرزها اختلافات النخب السياسية والاقتصادية حيالها. ففي حين لا يلقى سيناريو التقسيم في سوريا أيّ تأييدٍ علنيّ من أي قوةٍ سياسيةٍ، أو نخبة فاعلةٍ في الشأن السوري، نلاحظ أن لسيناريو "الفيدرالية" مؤيديين ملحوظين علناً، في أوساط القوى السياسية، الكردية منها تحديداً، وفي أوساط بعض المحللين والباحثين السياسيين، وإنّ بأصواتٍ خافتةٍ.

وفي حين ينظر البعض إلى سيناريو "الفيدرالية" في سوريا على أنه مقدّمةٌ لترسيخ هوامش جغرافية مناطقية -عرقية وطائفية، تُمهّد مستقبلاً للتقسيم النهائي غير المُتاح حالياً، يرى آخرون في هذا السيناريو خشبة الخلاص –فيما لو أُحسن ترتيبه- التي ستقِي السوريين من سيناريو التقسيم النهائي.

لكن في المقابل، يُغفل الكثيرون أن سيناريو "الفيدرالية" يحمل في طياته إشكاليةً خطيرةً لأية "دولة اتحادية"، تتمثّل في الخلافات حول كيفية توزيع الموارد والثروات الطبيعية بين السلطات المحلية والسلطة المركزية، وهي إشكاليةٌ قاتلةٌ قادرةٌ على قيادة "الدولة الاتحادية" باتجاه التفتت والتقسيم، فيما لو لم يتم إدارتها بحسن نيّةٍ وبإخلاصٍ لخيار الوحدة مع باقي مكونات "الدولة الاتحادية" من جانب السلطات المحلية، وبدرايةٍ وحسن تخطيطٍ من جانب راسمي الخطوط العريضة لـ "الدولة الاتحادية" في لحظات ولادتها الأولى.

ما سبق يعني أن أكبر مشكلةٍ قد تجعل من سيناريو "الفيدرالية" تهديداً لوحدة البلاد النهائية، هو الاقتصاد، وقد تكون أزمة عقود تصدير نفط "كردستان العراق" عبر تركيا، الجارية حالياً، مثالٌ حيٌّ مباشرٌ يُثبت ما سبق وذهبنا إليه.

لذلك قررت "اقتصاد" أن تفتح ملف "الفيدرالية" الشائك، وأن تغوص في غياباته السياسية والاقتصادية في آن، لصعوبة الفصل بين الاثنين، مع التركيز على البعد الاقتصادي تحديداً، وذلك في سلسلة متتالية من الحلقات سنحاول فيها تحليل أبرز سيناريوهات "الفيدرالية" في سوريا، والرؤى المُتاحة حولها، وأبرز المشكلات الاقتصادية التي تكتنفها، دون إغفال الأبعاد السياسية المحلية والإقليمية والدولية التي تتفاعل مع الاقتصاد، ويتفاعل معها، في رسم الصورة النهائية لأيّ سيناريو مُرتقب لمستقبل سوريا.

لماذا نفتح الآن ملف "الفيدرالية"؟

يعود ذلك لسببين، كما سبق وأوضحنا:
الأول: يرتبط بمجاهرة قوى سياسية كردية، بتفضيلها لهذا السيناريو، إما وفق تكتيك فرض "الأمر الواقع"، كما في حالة "الاتحاد الديمقراطي الكردي" بزعامة صالح مسلم، أو وفق تكتيك التوافق مع باقي الشركاء في الوطن السوري، كما في حالة المجلس الوطني السوري.

وكان زعيم الاتحاد الديمقراطي الكردي أعلن منذ يومين صراحةً أنهم يسعون إلى إقامة إقليمٍ كرديٍ مكوّنٍ من ثلاث محافظات بحكم ذاتي، في إطار نظامٍ فيدراليٍ سوريّ. وهي رؤية باشر الاتحاد الديمقراطي الكردي في تنفيذها منذ إعلانه "إدارة مدنية انتقالية في غرب كردستان" في ثلاث مناطق منفصلة، الحسكة، عين العرب "كوباني بالكردية"، وعفرين، خلال الشهر الفائت.

وتحدث زعيم الاتحاد الديمقراطي الكردي عن لجنة مهمتها إعداد دستور وقانون انتخابي، وتحديد كيفية إدارة الإقليم الكردي، وأن اللجنة أنهت عملها بالفعل، وأنه سيتم قريباً تحديد موعد الانتخابات في مناطق الإقليم الكردي. في مشهد من مشاهد "فرض الأمر الواقع" على باقي السوريين، والتي يعتمدها الاتحاد كنهج له.

الثاني: يرتبط بحديث عددٍ من المختصين والباحثين السوريين عن خيار "الفيدرالية" على أنه أفضل الشرور التي تنتظر الكيان السوري الكلّي، في حال لم يجتمع الفرقاء فيه على طريقةٍ متفقٍ عليها لإدارة الحكم داخله.

لماذا يُعتبر ملف "الفيدرالية" ملفاً شائكاً؟

يعود ذلك لسببين أيضاً، وضحنا جوانب منهما في المقدمة:
الأول: أن خيار "الفيدرالية" يحظى بتأييدٍ علنيّ من جانب بعض الفاعلين السياسيين والميدانيين والبحثيين السوريين، وهو خيار لا ينال ذلك الكمّ من الإدانة والرفض الذي يناله خيار "التقسيم"، الذي لم يجرؤ أحد من الفاعلين السوريين حتى الآن على المجاهرة به.

الثاني: أن خيار "الفيدرالية" مُتاح ولو نظرياً، في حال حصل التوافق بين الفرقاء السوريين، من الجوانب السياسية والجغرافية والاقتصادية، على خلاف خيار "التقسيم" الذي تعتريه الكثير من نقاط الضعف السياسية والميدانية والجغرافية والاقتصادية، خاصة أن الأخيرة منها، نقاط الضعف الاقتصادية، تحمل في طياتها بذور ولادة "كيانات" سياسية ميتة، الأمر الذي يجعل الاقتصاد عاملاً أساسياً في إسقاط خيار "التقسيم"، وهي مفارقة، ذلك أن الاقتصاد يشكّل أيضاً عاملاً أسياسياً من عوامل تهديد خيار "الفيدرالية" بالفشل لصالح خيار "التقسيم" في المدى البعيد مستقبلياً.

هل يمكن لـ "الفيدرالية" أن تُنتج سوريا موحدة وقوية؟

قد تكون الإجابة بالنفي على السؤال السابق، أحد الأسباب الرئيسية التي تُخيف بعض المراقبين من خيار "الفيدرالية" في سوريا، ويقدّم هؤلاء النموذج العراقي تأكيداً على صحة هواجسهم.

لكن مختصين وخبراء يتحدثون عن أن الإجابة بالإيجاب على السؤال السابق ممكنة في حال أتفن راسمو الخطوط العريضة لـ "الدولة الاتحادية" تجاوز كل العثرات التي من الممكن لها أن تُنغص مسيرة هذه الدولة مستقبلاً، خاصة منها العثرات الاقتصادية والمالية.

ويتحدث هؤلاء عن أن هنالك 25 دولة فيدرالية يعيش فيها 40% من سكان الأرض، وأن أقدم الدول الفيدرالية هي: الولايات المتحدة (1789) سويسرا (1848) كندا (1867) أستراليا (1901).

وبحسب تقرير للأمم المتحدة حول التطور البشري الذي يرتب 180 دولة، نجد أن هنالك أربع دول فيدرالية بين أفضل ست دول من حيث نوعية الحياة وهي: أستراليا، كندا، بلجيكا، والولايات المتحدة؛ وبعدها بقليل تأتي سويسرا وألمانيا.

إذاً، فخيار "الفيدرالية" سبق أن أنتج دولاً قويةً وموحدةً. لكن هل هذا الخيار هو الأنسب حقاً لسوريا؟...

نترك النقاش حول السؤال الأخير للحلقة التالية.

يتبع في الحلقة الثانية...

ترك تعليق

التعليق