إصراره على إبقاء الحصار ومنع المساعدات يؤكد أن النظام جعل سوريا "دولة مارقة"

12 عاملا تابعا للأمم المتحدة و32 من  الهلال الأحمر  السوري لقوا حتفهم

36 من بين 91 مستشفى حكومياً في سوريا لا تعمل

21 من موظفي الأمم المتحدة  قيد الاحتجاز  في سورياولم تعرف الجهة التي  تحتجزهم 

الأمم المتحدة :ربع مليون سوري يعيشون تحت حصار النظام في ظل برد الشتاء القارس

 عيب أساسي في النظام الدولي أن يجيز لدولة مارقة احتجاز شعبها رهينة

المنظمات الدولية ملزمة قانونا بالعمل مع النظام الذي  يفشل  المحاولات الرامية لكسر الحصار

لا يستغرق الأمر سوى 15 دقيقة بالسيارة للذهاب من الفندق الفاخر الذي يقيم فيه عاملو الإغاثة التابعون للأمم المتحدة في دمشق إلى الضواحي الخاضعة لسيطرة الثوار حيث يتجمد الأطفال فيها من شدة البرد ويموتون جوعاً، نتيجة حصار النظام.

وعلى مدى أشهر ترسل الأمم المتحدة وبعض المنظمات الأخرى قوافل لتوفير الغذاء والرعاية الطبية لسكان هذه المناطق يحول دون وصولها نظام بشار الأسد الذي يستخدم الجوع سلاحاً في حربه على الشعب.

وبينما تعتزم الأمم المتحدة  توجيه ندائها السنوي لجمع أموال من أجل إغاثة أكثر من 9 ملايين سوري يحتاجون إلى المساعدة، تطغى الانقسامات بين القوى العالمية لتحول دون قدرة موظفي الأمم المتحدة على تحدي نظام بشار الأسد ودخول الأحياء الخاضعة للحصار حاليا.

بن باركر تولى إدارة مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في سوريا لمدة سنة حتى فبراير/ شباط، يقول "في المناطق التي تخضع لسيطرة النظام في سوريا يجب التفاوض بخصوص نوع المساعدات ووجهتها ومتلقيها بل واختيار العاملين، وفي بعض الأحيان يتم إملاء كل ذلك".

وكتب باركر الشهر الماضي في مجلة "هيومانتاريان اكستشينج": طبقا للموقف الرسمي لنظام دمشق يسمح بدخول المنظمات والإمدادات الإنسانية إلى أي مكان، حتى وإن كان على أحد الجبهات الأمامية".
واستدرك: "لكن كل إجراء يتطلب إذناً يستغرق وقتاً طويلاً، ويحمل في الواقع عدة فرص للرفض".

وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن نحو ربع مليون سوري يعيشون تحت حصار النظام في ظل برد الشتاء القارس.

ولعل صدور قرار ملزم من مجلس الأمن الدولي قد يجبر النظام رسميا على السماح لمنظمات الإغاثة بدخول مناطق مثل ضواحي دمشق ومدينة حمص القديمة التي يقول فيها أطباء محليون إن هناك أطفالاً يموتون بسبب سوء التغذية. غير أن الانقسامات بين القوى الكبرى يصيب المنظمة الدولية بالجمود تجاه الأزمة السورية.

ونتيجة لذلك باتت المنظمات الدولية ملزمة قانوناً بالعمل مع النظام الذي يلجأ -بشهادة موظفي الإغاثة- للتهديد من أجل إسكات الانتقادات الموجهة إليه وإفشال المحاولات الرامية لكسر الحصار، كأن يهدد على سبيل المثال بعدم إصدار تأشيرات للموظفين الأجانب أو عرقلة الجهود الرامية لمساعدة ملايين الأشخاص خارج المناطق المحاصرة.

وقال دبلوماسي غربي معني بقضايا الإغاثة "هذا عيب أساسي في النظام الدولي أن يجيز لدولة مارقة احتجاز شعبها رهينة".
وأضاف: "بوسع نظام دمشق عرقلة وصول عمال الإغاثة إلى السكان بأن يقول: الملايين سيتضورون جوعاً إذا لم يتم اتباع تعليماتي، والحقيقة هي أن هناك خطرا بمواجهة الرفض... وفي نهاية المطاف ينبغي عليك أن تراعي الالتزام الأخلاقي بخدمة أكبر عدد ممكن من المحتاجين".

ويقول باركر موظف الأمم المتحدة السابق في سوريا إن نظام بشار يعتبر عمليات الإغاثة مثل "حصان طروادة الهدف منها نزع شرعية الدولة وإقامة اتصالات مع المعارضة وكسب التأييد الدولي للتدخل العسكري".

وذكرت وثيقة داخلية للأمم المتحدة اطلعت عليها رويترز الشهر الماضي أن احتمالات رفض أو تجميد طلبات استصدار التأشيرات للموظفين الدوليين في عام 2013 كانت أكثر من احتمالات الموافقة عليها.
ووصفت الوثيقة بيروقراطية نظام دمشق بأنها تعيق العمليات مثلما تعرقلها الصعوبات الناجمة عن القتال.

ويقول السوريون المقيمون في مناطق تعاني من قلة المساعدات أو انعدامها إنهم يشعرون بالتجاهل ويحملون القوى العالمية المسؤولية ليس فقط عن إطالة أمد الحرب التي أودت بحياة أكثر من 150 ألف شخص، بل كذلك عن عدم تخفيف آثارها على المدنيين.

يقول أحد نشطاء المعارضة في دمشق عرف نفسه باسم طارق الدمشقي ويعمل في مستشفى ميداني بالضواحي الشرقية المحاصرة للعاصمة إنه لم ير أي إمدادات طبية أو غذائية من الأمم المتحدة منذ أكثر من عام.
وأضاف "يجب على الأمم المتحدة أن تفعل شيئا لإنقاذ المدنيين... ينبغي عليهم إجبار النظام على إنهاء الحصار".
وأشار إلى أن بعض الأدوية يتم تهريبها إلى المنطقة ولكن المستشفى يعاني من نقص شديد في الإمدادات.

ونشر نشطاء في الثورة تسجيلاً مصوراً لجثث أطفال يقول أطباء محليون إنهم ماتوا جراء سوء التغذية، وفي سبتمبر/ أيلول بث تسجيل مصور لجثة الطفلة رنا عبيد البالغة من العمر عاماً واحداً وهي جاحظة العينين ومنتفخة البطن، وصاحب التسجيل بيانات من أطباء يقولون إنها سادس طفلة تموت بسبب سوء التغذية في المعضمية التي لا تبعد سوى ربع ساعة بالسيارة عن فندق "فور سيزونز" الفاخر وسط دمشق.

وعلى نطاق أوسع باتت هناك صعوبة في تقديم المساعدات عبر مجموعة من الخطوط الأمامية في سوريا. وتقول الأمم المتحدة إن 2.3 مليون لاجئ من بين السكان البالغ عددهم 23 مليون نسمة فروا من البلاد لتمتد مأساة الحرب إلى دول مجاورة، بينما يحتاج 9.3 مليون شخص للمساعدة داخل سوريا.
ومن بين هؤلاء مليونا شخص يقيمون في مناطق يصعب الوصول إليها.

ولم يحقق نداء الأمم المتحدة هذا العام لجمع 1.41 مليار دولار لتمويل أعمال الإغاثة في سوريا إلا 62 بالمئة من المبلغ المستهدف. وتعتزم منسقة الشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة فاليري آموس توجيه نداء بجمع أموال لعام 2014  ويحتمل أن تسعى لجمع المزيد.

وتقول وثيقة الأمم المتحدة الصادرة الشهر الماضي إن 12 عاملا تابعا للأمم المتحدة و32 من موظفي أو متطوعي الهلال الأحمر العربي السوري لقوا حتفهم فيما لا يزال 21 من موظفي المنظمة الدولية قيد الاحتجاز. ولم تحدد الوثيقة الجماعات التي تحتجزهم. 

وقالت ماريا كاليفيس مديرة منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) للشرق الأوسط وشمال إفريقيا "سيأتي الوقت الذي سيفوت فيه أوان أي مساعدات مهما كانت، وتصير فيه جراح الأطفال عميقة للغاية إلى حد يتعذر معه مداواتها".
ولم تستطع الأمم المتحدة توصيل الإمدادات الغذائية إلى 600 ألف شخص من بين المستهدفين شهريا، وعددهم 4 ملايين شخص.

وتقول منظمة الصحة العالمية إن هناك 36 من بين 91 مستشفى حكومياً في سوريا لا تعمل، كما تضررت 22 مستشفى، بينما تعرض نحو نصف سيارات الإسعاف البالغ عددها 658 سيارة للسرقة أو الحرق أو تعرضت لأضرار بالغة.

وأضافت المنظمة أن صناعة الأدوية المحلية التي كانت تتركز إلى حد كبير في بعض المناطق الأكثر تضررا من القتال انهارت في أغسطس/ آب 2012، مما تسبب في تدهور الإنتاج .وتقول جماعات حقوقية إن القوات الجوية السورية تعمدت قصف المستشفيات.

وقالت منظمة الصحة العالمية الشهر الماضي إن شلل الأطفال انتشر من مدينة دير الزور في شرق البلاد إلى مدينة حلب وفي محيط دمشق. وهذا هو أول تفش للمرض في سوريا منذ عام 1999.
ولم تصل حملة التطعيم إلى جميع المناطق رغم أن المنظمة تقول إن حملتها شملت 600 ألف شخص في مناطق الصراع.
وقالت إليزابيث هوف ممثلة منظمة الصحة العالمية في سوريا "يجب مواصلة الضغط".

وانتقد الباحثان المتخصصان في شؤون الصحة العامة فؤاد فؤاد وآدم كوتس المقيمان في لبنان طريقة الاستجابة المحلية والدولية.
وقال كوتس "ظهور شلل الأطفال وتفشيه الآن في سوريا هو أكثر من كونه مجرد تعطل لنظام الصحة العامة في وقت الصراع، إنه دلالة على استجابة إنسانية أهملت فيها الصحة العامة وما زالت تعاني من نقص التمويل وسوء التنسيق".

وقال فؤاد إن ما يزيد على 70 بالمئة من الكوادر الطبية غادرت سوريا بسبب الأزمة وليست هناك بيانات تجمع عن الصحة النفسية داخل سوريا.
وذكرت هوف من منظمة الصحة العالمية أن رعاية الصحة النفسية مجال مهمل ويمثل تحديا رهيبا.

وفي حلب التي كانت يوماً كبرى المدن السورية من حيث عدد السكان قال، فؤاد إنه لم يجر أحد جراحة في القلب منذ أكثر من عام. وأضاف "هذه ليست أزمة جديدة. وذلك ليس الصراع الأول... يجب على الأمم المتحدة أن تعمل بشكل أفضل".

وقالت بيجي هيكس مديرة قسم الدعم العالمي لحقوق الإنسان في منظمة هيومن رايتس ووتش إن جهود الأمم المتحدة أحرزت مؤخرا بعض التقدم في تذليل عقبات بيروقراطية تحول دون توصيل المساعدات.

واستدركت "لكن مع حلول الشتاء سريعا فإن هذه الخطوات التي يتخذها النظام على مضض ليست كافية على الإطلاق. يجب على الأمم المتحدة أن تواصل التأكيد على أن الاختبار الحقيقي يكمن في إحداث تغير في الوضع على الأرض خصوصا لدى السوريين المقيمين في البلدات المحاصرة والبالغ عددهم 280 ألفا".

وفي الثاني من أكتوبر/ تشرين الأول حث مجلس الأمن الدولي نظام دمشق في بيان غير ملزم على السماح بتوصيل المساعدات عبر الحدود بشكل فوري.
وقالت آموس منسقة الشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة هذا الشهر إن هناك "تقدما طفيفا" مع دمشق بما في ذلك إصدار 50 تأشيرة لموظفين دوليين والسماح بتأسيس مراكز إغاثة لتخزين الإمدادات وتوزيعها. غير أن قوافل الأمم المتحدة القادمة من تركيا مازالت محظورة وما زالت المناطق المحاصرة مغلقة.

وأعلنت الأمم المتحدة الأسبوع الماضي أن نظام دمشق وافق على نقل أول شحنة جوية من العراق إلى سوريا لإمداد المنطقة ذات الأغلبية الكردية في شمال شرق البلاد .
وجاءت هذه الانفراجة بعد محادثات سرية رأستها آموس مع دول من بينها إيران وروسيا حليفتا سوريا.

وقالت هيكس من هيومن رايتس ووتش إنه يجب بذل المزيد من الجهد لدفع القوى العالمية إلى المطالبة بدخول المساعدات الإنسانية إلى سوريا.
وأضافت:"دائما ما يكون هناك مجال لتدخل أكثر وضوحا... أعتقد أن هناك مساحة أكبر للتحرك والضغط على مجلس الأمن حتى يترجموا أقوالهم إلى أفعال".

ترك تعليق

التعليق