الوسيط شركة لبنانية وكلمة السر "صاحب الجزيرة!.. "سيسي" مصر و"مالكي" العراق يتواطآن على دعم بشار نفطياً

استورد نظام بشار ما يصل إلى 17 مليون برميل من النفط، نصفها تقريبا قدم من إيران مباشرة، والنصف الآخر عبر من ميناء "سيدي كرير" المصري.

الشركة اللبنانية الوسيطة طالبت الشركة السورية للنفط بـ250 مليون دولار؛ لقاء تسليم شحنتين من الخام العراقي.

تولت "OPT" تزويد نظام بشار بحوالي 5 ملايين برميل، وقبضت على كل شحنة علاوة تعادل 15 مليون دولار، فوق سعرها الرائج.

تلقى نظام بشار الأسد واردات كبيرة من النفط العراقي الخام عبر أحد الموانئ المصرية خلال الأشهر التسعة الماضية، حسب ما تظهر وثائق شحن ومدفوعات، كشفت عنها "رويترز"، في تقرير حديث تولت "اقتصاد" ترجمته.

ومع تعرض نظام دمشق لعقوبات فرضتها الدول الغربية عليه، منذ قرابة سنتين ونصف زاد اعتماد هذا النظام على حليفه الإيراني ماليا ونفطيا، لكن إيران ليست الداعم الوحيد لنظام بشار، وإنما هناك أنظمة ودول أخرى تساهم في رفده بالوقود أو تسهيل نقله، وعلى رأسها نظام مصر الذي يحكم السيسي قبضته عليه قبل وبعد مرسي، ونظام العراق الذي يحكمه "نوري المالكي" التابع سياسيا وطائفيا لملالي طهران.

آخر تحديث
وقد فحصت "رويترز" وثائق تجارية لم يكشف عنها سابقا، تظهر أن ملايين براميل النفط الخام شحنت إلى نظام بشار على السفن الإيرانية، ولكن مصدرها الرئيس العراق، وقد تم ذلك بوساطة شركات لبنانية ومصرية.

الوثائق التجارية، أظهرت كما هي مربحة عملية التحايل على العقوبات، في ظل نيل الشركات المساهمة في العملية علاوات أعلى بكثير من الأسعار الرائجة، في مقابل تحمل مخاطر شحن النفط إلى نظام. كما سلطت الضوء على دور لم يسبق كشفه عن تورط مصر والعراق ولبنان في سلسلة تزويد نظام بشار بالنفط، الذي يحرك به آلته العسكرية، فزرع القتل والدمار في أنحاء سوريا.

واللافت أن كلا من الشركة السورية للنفط (المستلم) وخطوط الملاحة الإيرانية (المورد والشاحن) موضوعان على لائحة العقوبات التي تفرضها واشنطن ودول الاتحاد الأوروبي، ما يمنع هاتين الشركتين من ممارسة الأعمال التجارية مع الشركات الأمريكية أو الأوروبية. 

وحتى الشركات المصنفة خارج الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، التي تتعامل مع الشركات التابعة لنظامي دمشق وطهران تعرض نفسها لخطر الإضافة إلى القائمة السوداء، حيث تقوم واشنطن وحلفاؤها الأوروبيون بإضافة الشركات والأفراد من بلدان أخرى، إذا ثبت تعاملهم مع الشركات مدرجة على لائحة العقوبات.

وقالت وزارة الخزانة إنها عاقبت ما لا يقل عن 4 شركات من بلدان مختلفة، وضمت هذه الشركات إلى قائمة العقوبات، وذلك مع آخر تحديث للائحة قامت به قبل أيام قليلة.

الكل ينفي!
وفي وثائق تجارية تعود إلى الفترة بين مارس (آذار) ومايو (أيار) من هذا العام حصلت عليها "رويترز" من مصدر رفض الكشف عن هويته. يظهر تسلم نظام دمشق 4 شحنات على الأقل على 4 ناقلات، أسماؤها كالتالي: "كاميليا، ديزي، لانتانا، كلوف"، وكلها تشغلها الخطوط الملاحية الإيرانية، وأن هذه الناقلات حملت نفطا عراقي المنشأ عبر الميناء المصري "سيدي كرير" ونقلته إلى نظام دمشق.

وفقا للوثائق، فإن شركة تجارية مقرها بيروت تولت ترتيب اثنتين على الأقل من الشحنات، وكان ضالعة في الشحنة الثالثة، فيما تولت شركة مقرها القاهرة مسؤولية تحميل النفط العراقي وشحنه إلى نظام بشار مرة واحدة على الأقل.

وقد حاولت الشركتان المصرية واللبنانية نفي تورطهما في عمليات التحايل هذه، ورفضتا تقديم تفسير معقول، يبرر وردود اسميهما في الوثائق الرسمية.

وقد أكد مصدر رسمي في أوروبا أن الشركة المصرية تخضع بالفعل للمراقبة من قبل الولايات المتحدة للاشتباه بمشاركتها في خرق العقوبات على إيران، دون إعطاء المزيد من التفاصيل. ولكن المتحدث باسم وزارة الخزانة الأمريكية رفض التعليق، كما رفضته الخطوط الملاحية الإيرانية!

ممثل عن شركة خط أنابيب البترول العربية، المعروفة باسم "سوميد"، وتمتلك وتدير ميناء "سيدي كرير" الذي جرى تحميل ناقلات النفط منه إلى نظام بشار، امتنع عن التعليق على الموضوع.

وتمتلك الهيئة المصرية للبترول شركة "سوميد" مناصفة مع 4 دول عربية أخرى.
وقال طارق الملا، رئيس الهيئة المصرية للبترول إن مصر منعت الشركات الحكومية من التعامل مع شركات النفط و الشحن الإيرانية، وأنه لم يكن على علم بأي شحنات نفط إلى سوريا.

وأوضح الملا أن أي ناقلة ترفع العلم الإيراني لن تكون قادرة على الرسو في "سيدي كرير"، علما أن الناقلات الأربع المتورطة في شحن النفط العراقي إلى نظام بشار عبر مصر، تمت إعادة تسميتها جميعا، وكانت ترفع أعلام تنزانيا في الوقت الذي رست في "سيدي كرير" لتحميل النفط!

وسبق لطهران أن استخدمت أسلوب تغيير أسماء سفنها ورفع أعلام مختلفة عليها، لاسيما أعلام دول أفريقية، في محاولة للتحايل على مراقبتها وتتبعها.

علاوات بالملايين
استورد نظام بشار ما يصل إلى 17 مليون برميل من النفط الخام ما بين فبراير/شباط وأكتوبر/تشرين الأول الفائت، نصفها تقريبا قدم من إيران مباشرة، والنصف الآخر عبر من ميناء "سيدي كرير" في مصر، وفقا لمصدر ملاحي في الشرق الأوسط.

وتظره وثائق الشحن أن ما لا يقل عن نصف النفط الذي نقل من ميناء "سيدي كرير" إلى نظام بشار كان من الخام العراقي.

وبدورها تولت شركة لبنانية ترتيب أمور الشحن مع شركة النفط السورية المملوكة لنظام دمشق والخاضعة للعقوبات، وأظهرت الوثائق أن الشركة اللبنانية طالبت الشركة السورية للنفط بـ250 مليون دولار تقريبا، لقاء تسليم شحنتين من الخام العراقي، نقلتا في آذار ونيسان إلى مصفاة بانياس على الساحل السوري.

في رسالة إلى مدير التسويق في الشركة السورية للنفط بتاريخ 4 نيسان من هذا العام، طلبت الشركة اللبنانية الحصول على سلفة بقرابة 50 مليون دولار.

الخطاب كان مذيلا باسم "عبدالحميد خميس عبدالله"، وهو اسم يتردد كثيرا في المراسلات، ولكن لم يتسن التأكد من دوره الوظيفي في الشركة اللبنانية.

ومما ورد في الخطاب: "شركتنا (OPT) كانت ومازالت تؤمين احتياجات الدولة في مجال النفط والمشتقات النفطية في الفترة الأخيرة، وكانت قادرة على توفير هذا الإمداد رغم الصعوبات والتحديات الكبرى". 

ويوضح الخطاب أن الشركة اللبنانية زودت الشركة السورية للنفط بما يقارب 5 ملايين برميل من النفط الخام والديزل. وعلى ثمن كل برميل (من خام البصرة العراقي) علاوة بين بين 15 و17 دولارا، أي ما يعادل 15 مليون دولار إضافية على ثمن كل ناقلة.

ولكن الشركة اللبنانية سارعت لتفي تورطها في ترتيب إجراءات شحن النفط غلى نظام دمشق، دون أن تقدم تفسيرا مقنعا يدحض ورود اسمها في الوثائق. 

أما الشركة المصرية فقد تولت ترتيب شحن النفط إلى نظام بشار مرة واحدة على الأقل، حيث جرى تحميل نفط عراقي على ناقلة إيرانية سلمت إلى النظام نهاية أيار، بوساطة الشركة اللبنانية.

وقد نفى المدير التجاري في الشركة المصرية "علي طلبة" أن تكون شركته زودت نظام بشار بالنفط، أو قامت بتحميل نفط عراقي على ناقلة إيرانية. كما إن الرئيس التنفيذي للشركة "محمد الأنصاري"، لم يرد على أي تساؤل بخصوص ما تظهره الوثائق.

شركتان أوروبيتان أيضا
وقد استخدمت الشركة السورية للنفط رجل أعمال مدرجا على القائمة السوداء ومقرب من بشار الأسد، كوسيط لنقل الأموال إلى الشركة اللبنانية، وفقا للوثائق.

حيث تظهر رسالة من الشركة اللبنانية إلى الشركة السورية للنفط مؤرخة في 14 آذار 2013، أن الشركة اللبنانية طلبت أن يتم التسديد من خلال "أيمن جابر".

"جابر"، الذي يعد من أكبر ممولي النظام ومرتزقته المعروفين باسم "الشبيحة"، يدير شركات عدة من بينها واحدة تدعى "الجزيرة"، وهو على قوائم العقوبات الأميركية والاتحاد الأوروبي؛ ما يعني الشركات أو الأفراد الذين يتعاملون معه تجاريا يعرضون أنفسهم للحاق به في قائمة العقوبات.

وعند إدراجه منذ عام على القائمة، اتهمت وزارة الخزانة الأمريكية "جابر" بتنسيق الدعم لمليشيات الشبيحة في اللاذقية.

وفي إحدى خطابات الشركة اللبنانية، قال المرسل مخاطبا الشركة السورية للنفط: "من فضلكم ادفعوا ما يقارب 130 مليون دولارا، إضافة إلى رسوم نقل بنسبة 1.8 في المئة في حساب السيد أيمن جابر، رئيس شركة الجزيرة، في البنك المركزي؛ حتى يتمكن من نقلها إلى حسابات في الخارج".

وفي خطاب لاحق أكدت الشركة اللبنانية استلام حوالي 375 مليون يورو من "الجزيرة"، تم تحويلها من حساب أيمن جابر.

وفي المقابل.. اثنتان على الأقل من الشركات الأخرى المذكورة في الوثائق، يبدو أن مركزهما في أوروبا، ويفترض أنهما خاضعتان مباشرة إلى العقوبات الأوروبية من حظر التعامل مع الشركة السورية للنفط أن الخطوط الملاحية الإيرانية، ومع ذلك نفى رئيس تم نفي أي علاقة لهما في صفقات التحايل.

بعض الوثائق التي تؤكد وصول النفط إلى نظام دمشق، ختمت أو وقعت من قبل وكالة شحن تسمى "ميد كونترول سيريا". وقال جوني مطانيوس، وهو مدير الشركة في دمشق، إن الخام المورد هو نفط إيراني، تم شحنه بموجب اتفاق حكومي بين دمشق وطهران.

"ميد كونترول سيريا" مكتبها الرئيس في اليونان، ولديها فرع في سوريا يتطابق عنوانه وشعاره، ورقم هاتفه وبريده الإلكتروني مع ما ورد في بعض الوثائق.

ومع ذلك نفى مدير في وكالة "ميد كونترول سيريا" أي علاقة مع مكتب سوريا، زاعما: "كان لدينا اتفاق وكالة في سوريا لكنه لم يكن مفعلا، ونحن لم يكن لدينا أي نشاط في هذا البلد".

وأظهرت وثائق أخرى أن بعض الشحنات جرى تصديقها من قبل شركة مراقبة جودة تدعى "إنسبكتوريت"، مملوكة من شركة "فيريتاس" ومقرها باريس.

وقال متحدث باسم "فيريتاس" في باريس، إن "إنسبكتوريت" كانت تعمل في السابق في سوريا من خلال عقود بالباطن، ولكنها توقفت منذ أكتوبر/تشرين الأول 2011، وأن أي شهادات قد تكون صدرت هذا العام، ستكون صدرت دون علم الشركة!

بعد مغادرته العراق، تم تسليم النفط الخام إلى ميناء "سيدي كرير" عبر خط أنابيب "سوميد"، الذي يمتد من البحر الأحمر إلى الغرب من ميناء الإسكندرية، حيث تم تحميله على السفن الإيرانية.

وفقا لبيانات تتبع السفن، التي تراقب مواقع ناقلات النفط عبر الأقمار الصناعية، فإن ناقلات النفط الإيرانية الأربع أبحر شمالا نحو سوريا. وعند نقطة ما أقفلت كل سفينة جهاز إشارات الأقمار الصناعية، للتعمية على مكان وجودها ومنع تتبعها، ثم عادت الناقلات للظهور على أنظمة التتبع بعد فترة وجيزة.

في بعض حالات التتبع عبر الأقمار الصناعية، توضح البيانات الملتقطة معلومات حول وزن السفينة؛ ما يؤكد أن الشحنة تم تفريغها، بالتزامن مع إقفال أجهزة التتبع في السفن.

ترك تعليق

التعليق