العيش الكفاف... المواطن السوري ولعبة الحد الأدنى

"سوريا على الهيكل"، تعبير يلخص الحال الاقتصادي للبلاد، يضاف إليه المزيد من الانفلات الأخلاقي وضياع القيم، حيث انتشار الجريمة التي تشهد لها أسواق عجت بمسروقات بيوتٍ كانت آمنة في يومٍ من الأيام، ومواطنٍ يترنح وسط ضرباتٍ الغلاء والفوضى، بسبب المتاجرة بقوت يومه، وتشردٍ ونزوح وبطالة وفقر، كل ذلك يجتمع ليشكل الأطراف الأهم لمعادلة "العيش الكفاف" إن أمكن ذلك، بانتظار تعافي البلاد بعد ثلاثين عاماً.

أعضاء الفريق الاقتصادي في حكومة النظام لا يكفون عن فعل "الكذب المكشوف" عبر تصريحاتٍ تعتقد عند سماعها أنها قادمة من فضاءٍ آخر، وكأن اقتصاد البلاد ما زال قائماً وثابتاً، فمرةً يتحدثون عن حصول شركاتٍ لتراخيص استثمارية، ومرةً أخرى يتفقد وزير حال المنشآت، وتارةً يتحفنا قائد الجوقة رئيس الوزراء بأرقامٍ اقتصادية ما أنزل الله بها من سلطان، وتخرج بين الحين والآخر بعض الأخبار التي تتحدث عن ضبط حالة غشٍ هنا وتلاعبٍ بالأسعار هناك، وبعض حالات التهريب المتواضعة التي يحاول تنفيذها بعض صغار التجار.

وفي الأرقام نجد أن سوريا من أكثر عشر دولٍ فساداً في العالم، ولديها أكثر عشرة ملايين مشرد ونازح داخلياً وخارجياً، يحتاجون إلى مساعداتٍ إنسانية عاجلة، ولم تقدم حكومة النظام المساعدة إلا لـ 182 ألف شخص فقط، رغم أنها تكدس السلل الغذائية في مستودعاتها أو تقدمها لمواليها ومريديها، وأكثر من مليوني منزل مدمر، وتقول الأرقام أيضاً إننا نحتاج إلى 200 مليار دولار لإعادة الإعمار، وبإحصائياتٍ متفائلة لدينا ما يزيد عن ستة ملايين عاطل عن العمل، وارتفاعٍ في المعدل العام للأسعار وتضخمٍ تجاوز الـ 460 %، وتراجعٍ في القوة الشرائية والليرة خسرت أكثر من 67 % من قيمتها، ومتوسط دخل لمن مازال على رأس عمله لا يتجاوز 15 ألف ليرة سورية، في القطاعين العام والخاص.

أما القطاعات الاقتصادية، فلدينا صناعة مترهلة قبل الثورة، القطاع العام بين الخاسر والمخسر، أما القطاع الخاص، فكان ينتظر دعم الخطط الخمسية ليكون منافساً حقيقياً في اقتصادٍ أراد أن يصبغ ذاته بالصبغة الليبرالية، حيث الانفتاح على المنافسة أخرج الصناعة من الحلبة بضرباتٍ قاضية للأسعار والجودة، وذلك أيضاً قبل الثورة، ليكون الحال اليوم، هو توقف القطاع الخاص عن العمل، وانشغال القطاع العام بخسائره التي يدخل الفساد في جزءٍ يسيرٍ منها.

أما الزراعة ثاني القطاعات الحقيقية في الاقتصاد السوري، فهي الأخرى شهدت تفسخاً من زمن البدء بالسياسات الليبرالية، واليوم تتقلص المساحات المزروعة، وما يمكن الوصول إليه من المحاصيل يصعب نقله وتسويقه، ليعيش هذا القطاع بإنتاجية الحد الأدنى.

وبعد أن أعطت الخطة الخمسية الدور الأكبر لقطاعات الإنتاج غير الحقيقي "الخدمية" نجد أنها اليوم لا عمل لها، فالمصارف تحولت إلى مجرد خزائن لحفظ الودائع، لا تقدم القروض ولا تقدم على المشاريع، والقطاع العقاري أيضاً متجمد، ولا يختلف اثنان على توقف السياحة في بلدٍ لا يتوقف فيه حمام الدماء.

وتحل الأسكوا شيفرة كل تلك الأرقام لتؤكد أن في سوريا ما يزيد عن 18 مليون سوري تحت خط الفقر الأعلى، وتقتات هذه الملايين على 2 دولار في اليوم"، أي فقط 280 ليرة سورية "8400 ليرة شهرياً"، وعلى أجندة هؤلاء الكثير من الأولويات، لكنهم يختارون العيش بالحد الأدنى.

ترك تعليق

التعليق