أرقام وحقائق "صادمة" في تقرير "النفط والغاز" عن "مجموعة عمل اقتصاد سوريا"

الشركة السورية للنفط تستقطب حوالي 16 ألف عامل.

تتفاوت بشكل كبير تقديرات الاحتياطي المؤكد من النفط والغاز في سوريا.

تتركز حقول النفط المكتشفة والمنتجة في المربع الشمالي الشرقي من سوريا.

تحولت سوريا في السنوات الأخيرة إلى مستورد صافي للمشتقات النفطية

تسعير حوامل الطاقة 'طرح مشاكل جدية زادت من عزلة النظام واتساع القاعدة الشعبية المناوئة له.

أكثر من تريليون دولار خسائر أوليّة مُني بها قطاع النفط والغاز في سوريا منذ عامين. و20 عاماً مهلةٌ أوليّةٌ حتى ينضب نفط البلاد، في أحسن الأحوال، إن لم تحصل اكتشافات جديدة. وقطاع النفط والغاز حظي بأكبر حجم من الفساد المؤسساتي الذي عرفته سوريا في العقود الأربعة الماضية.

تلك بعض الأرقام والحقائق الصادمة التي زخر بها تقرير "قطاع النفط والغاز" الصادر منذ فترة عن "مجموعة عمل اقتصاد سوريا"*، ليكون تقريرها التاسع في سلسلة "الخارطة الاقتصادية لسوريا الجديدة".

مقدمة عن تفاصيل الجزء الأول من الدراسة

استعرضت الدراسة تاريخ التنقب عن النفط والغاز في سوريا، والذي بدأ فعلياً منذ العام 1933، وبدأ إنتاج النفط في سوريا لأول مرة في العام 1968، فيما بدأ استثمار الغاز لتوليد الطاقة الكهربائية لأول مرة في سوريا في العام 1975.

كما استعرضت الدراسة نشوء وتطور الشركة السورية للنفط، والتي تعدّ أهم المراكز الاقتصادية في سوريا من الناحيتين المادية والاجتماعية، إذ تستقطب حوالي 16 ألف عامل، وتقدم لهم ولأسرهم الخدمات السكنية والرعاية الصحية الكاملة.

وأوجزت الدراسة نشاطات الشركة السورية للنفط في مجال الاستكشاف، بالتعاون مع السوفيت بدايةً، وفي مجال الحفر، حيث قررت الشركة في المراحل الأخيرة، قبل الثورة، أن التراكيب المحفورة حالياً، لا تتجاوز 39% من مجمل التراكيب المُكتشفة في القطر، ما دعا الشركة إلى فتح بعض المناطق أمام الشركات النفطية العالمية للعمل الاستكشافي، بهدف تسريع عمليات الاستكشاف ومعرفة إمكانيات القطر الفعلية بأقصر مدة ممكنة.
وأوضحت الدراسة أن الخبراء المختصين يعتقدون أن سوريا تحتاج إلى حوالي مائة عام لإتمام عمليات التنقيب والاستشكاف بالشكل الذي يُمكّن من معرفة الإمكانيات الحقيقية لوجود احتياطيات إضافية، لذلك فإن عمر النضوب النفطي مرهون بهذه الخطوات.

احتياطي النفط والغاز في سوريا

تتفاوت بشكل كبير تقديرات الاحتياطي المؤكد من النفط والغاز في سوريا حسب الجهات التي تصدر عنها هذه التقديرات، لكن يمكن الإقرار بأن إمكانات سوريا النفطية متواضعة جداً مقارنة بالدول النفطية العربية أو بقية دول العالم الأعضاء في منظمة "أوبك"، حيث لا يتجاوز الاحتياطي السوري من النفط 0.5% من مجمل الاحتياطي العربي، و0.3% من مجمل الاحتياطي العالمي من النفط.

وتقرّ الدراسة بحقيقة نضوب النفط كحقيقة علمية محسومة ليس في سوريا وحدها، بل في جميع البلدان المنتجة للنفط، إذ تشير منظمة "أوبك" إلى أن النفط العالمي سينضب جميعه عام 2050.
وبالنسبة للدول العربية، فإن العمر المؤكد للنفط، حسب معدلات الإنتاج الحالي، سوف تكون 88 سنة للسعودية، و132 سنة للكويت، و120 سنة للإمارات، في حين نجد أن هذا العمر ينخفض بشكل كبير بالنسبة للنفط السوري، حيث لا يزيد العمر المؤكد للنفط في سوريا على 20 سنة في أحسن الأحوال، إذا بقيت معدلات الاستخراج على حالها، ولم تتم أية إضافات جديدة إلى الاحتياطي المؤكد.

وقد قدّر تقرير أممي الاحتياطي الجيولوجي للنفط الخام في سوريا بنحو 24.101 مليار برميل، والاحتياطي القابل للإنتاج بحوالي 6.790 مليارات برميل، والاحتياطي المتبقي القابل للإنتاج بحوالي 2.7 مليار برميل.

أما بالنسبة للغاز فقد قدّر تقرير لـ "الإسكوا" الاحتياطي الجيولوجي للغاز الطبيعي بكل أنواعه في سوريا بنحو 705 مليار متر مكعب، في حين أن الاحتياطي القابل للإنتاج يبلغ حوالي 405 مليار متر مكعب.

إنتاج النفط والغاز في سوريا

وبلغ إنتاج النفط في سوريا ذروته في العام 2004، حيث وصل إلى 600 ألف برميل يومياً، ثم بدأ بالانخفاض التدريجي حتى وصل إلى 432 ألف برميل يومياً في عام 2005، أما إنتاج الغاز الطبيعي فقد تزايد خلال هذه الفترة إلى أن وصل إلى 24 مليون متر مكعب يومياً.

تتركز حقول النفط المكتشفة والمنتجة في المربع الشمالي الشرقي من سوريا، وتتوزع أكبر خمسة أحواض نفطية في سوريا بين حوضين في محافظة الحسكة، وآخر في دير الزور، وحوضين ما بين الرقة والمنطقة الوسطى قرب تدمر.

وتوجز الدراسة تاريخ وملامح صناعة تكرير النفط في سوريا، حيث تتواجد مصفاتان نفطيتان، الأولى في حمص، والثانية في بانياس.

وقد بدأت سوريا بإنتاج النفط منذ العام 1968، وفتحت الحكومة القطاع للاستثمار الأجنبي من خلال عقود الخدمة منذ العام 1974. وتزايد الإنتاج منذ أواسط الثمانينات، وكانت المكتشفات الجديدة الأكثر أهمية في أوائل التسعينات، وبلغ الإنتاج حده الأعظمي عام 1996، ليبدأ الإنتاج بالتراجع منذ عام 1997 وحتى عام 2011 بمعدل وسطي سنوي يزيد عن -1.5% رغم المكتشفات الجديدة وعمليات التطوير لبعض الحقول، وتسارع التراجع في الإنتاج منذ العام 2004. وقد حاولت الشركة السورية للنفط الحد من الاتجاه العام لتراجع الإنتاج من خلال طرح عدد من البلوكات الاستشكافية، وعدد من عقود الخدمة مع شركات أجنبية، صينية وكندية وجنسيات أخرى.

إنتاج النفط في سوريا منذ ربيع العام 2011

مع بدء الثورة عام 2011 وصدور قرارات الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية بالحظر على الاستثمار وعلى الصادرات من الخام السوري، بالإضافة إلى الواردات من المشتقات النفطية، انسحبت الشركات العربية من سوريا وأغلقت آبارها، كما انسحبت شركات شل الهولندية وتوتال الفرنسية وبتروكندا الكندية وأينا الكرواتية، وبدأ الإنتاج بالتراجع وهبط أواخر العام 2011 إلى 320 ألف برميل يومياً، ومن ثم إلى 202 ألف برميل يومياً، ومن ثم إلى 70 ألف برميل يومياً، في نيسان عام 2013. وبقيت بعض حقول الشركة السورية للنفط في شمال شرق سوريا تحت سيطرة النظام بالتنسيق والتعاون مع بعض القوى المتواجدة في المنطقة، وهي تنتج وتضخ النفط عبر أنابيب تمر على امتداد مئات الكيلومترات وتجتاز مساحات شاسعة تسيطر عليها قوى المعارضة.

ملامح استثمار الغاز في سوريا

بدأ استثمار الغاز في سوريا مطلع السبعينات من القرن الماضي، وبلغ إنتاج الغاز عام 2010 نحو 8.9 مليار متر مكعب، قبل أن يتراجع في العام 2011 إلى 7.1 مليار، علماً أن ما يتراوح بين 25-35% من إجمالي الغاز المنتج يتم إعادة حقنه في آبار النفط لتحفيز الإنتاج فيها، والباقي يتم توريده لتغذية محطات إنتاج الطاقة الكهربائية ولإنتاج الغاز المسال المنزلي. وعلى الرغم من التوسع في اكتشافات الغاز الحر ودخولها في الإنتاج، فإن ما يقرب من 50% من إجمالي إنتاج الغاز في سوريا هو من الغاز المرافق.

وتستعرض الدراسة بعض مشاريع الغاز الرئيسية في سوريا مع وضعها الإنجازي. وتتركز حقول الغاز أيضاً في نفس تموضعات حقول النفط في سوريا، في محافظة الحسكة، ومحافظة دير الزور، والمنطقة الوسطى شرق محافظتي حمص وحماه وجنوب محافظة الرقة.

وتشرح الدراسة بصورة تفصيلية واقع شبكات أنابيب نقل النفط والغاز والمستودعات، من حيث التموضع والأطوال.

النفط والغاز ومعضلة تأمين الطاقة في سوريا

تحولت سوريا في السنوات الأخيرة إلى مستورد صافي للمشتقات النفطية، حيث بلغ الاستهلاك من المشتقات النفطية عام 2011 نحو 305.2 ألف برميل يومياً، فيما لم يتجاوز إنتاج المصفاتين 250 ألف برميل يومياً، وكان الاستهلاك من المشتقات النفطية في سوريا يتزايد في العقد الأخيرة بمعدل 3.6% سنوياً، وقد كان جلياً أن الطلب على المشتقات سوف يزداد وبوتائر عالية نسبياً، مع التوسع في الناتج المحلي وزيادة السكان والتحسن النسبي في مستويات المعيشة، مع ذلك لم يتم إقامة مصفاة جديدة لأسباب عدة، مما جعل سوريا تعاني في السنوات الأخيرة من عجز في توفير وقود التدفئة والنقل (المازوت) ومادة الفيول لمحطات توليد الطاقة الكهربائية وللاستخدامات الصناعية، وقد حمّلت عملية استيراد هذه المواد، الموازنة العامة للدولة أعباء إضافية نتيجة الارتفاعات الكبيرة في الأسعار العالمية.

وتعتمد سوريا بشكل عام على النفط والغاز في إنتاج الطاقة، رغم ضآلة ما تملكه من احتياطي هذه الموارد، وهي لم تعمل جدياً لتطوير مصادر أرخض وأكثر استدامة.

وطرحت مسألة تسعير حوامل الطاقة، مشاكل جدية للحكومة وقادت حكومة العطري إلى اتخاذ قرارات من وحي صندوق النقد الدولي، أدت إلى أزمات اقتصادية واجتماعية زادت من عزلة النظام واتساع القاعدة الشعبية المناوئة له، وشكّلت الإرهاصات الأولى للاستياء الشعبي الكبير حيال نظام الأسد، قبل أن تندلع الثورة في ربيع العام 2011.

يتبع في الحلقة القادمة...

* تعريف بـ "مجموعة عمل اقتصاد سوريا"

المجموعة المذكورة، لا تتبع لأي كيان سياسي، فهي فريق اقتصادي مستقل اعتمدتها مجموعة "أصدقاء الشعب السوري" المعنية بإعادة إعمار سوريا بقيادة الإمارات وألمانيا، كشريك اقتصادي أساسي ممثّلٍ للجانب السوري في التخطيط لمستقبل الاقتصاد السوري بعد الثورة.

وتسعى "مجموعة عمل اقتصاد سوريا" إلى كتابة الخارطة الاقتصادية لسوريا الجديدة في أكثر من خمسة عشر قطاعاً حيوياً، لتكون بمثابة المشروع الوطني الذي يقدم هدية لرؤساء الحكومات بعد الثورة، لتبيان إمكانيات الاقتصاد السوري.

وقد صدر عن المجموعة حتى الآن، تسعة تقارير، بما فيها التقرير الذي نستعرضه الآن. أما التقارير الثمانية الأقدم فتناولت قطاعات، الكهرباء، المواصلات والطرق، المياه، السياسات المالية والنقدية، القطاع الزراعي، التشريعات الاقتصادية والإدارية، التعليم واليد العاملة، وقطاع الإسكان وإعادة الإعمار.

ترك تعليق

التعليق