ماذا نفعل في اليوم التالي؟..."مجموعة عمل اقتصاد سوريا" تجيب في قطاع النفط والثروة الباطنية

تُصدّر سوريا 80% من الفوسفات بشكل خام، وتستهلك 20% فقط في الصناعة المحلية.

الأضرار البيئية تُرتب على البلاد مستقبلاً تكاليف باهظة لإزالتها.

التخطيط وإعداد ما يلزم لإقامة مصفاة نفط جديدة.

رفع أجور العاملين الفنيين والمؤهلين السوريين إلى مستويات الأجور لنظرائهم في المنطقة.

نحتاج إلى خبرات الدول الصديقة والمؤسسات الدولية  للمساعدة في وضع خارطة عمل واضحة .


تحتل سوريا مرتبة متقدمة عالمياً في إنتاج الفوسفات، لكنها تبيعه خاماً، وتشتريه مُصنّعاً، فتخسر بدلاً من أن تكسب. أما بالنسبة لخسائر قطاع النفط والغاز جرّاء الحرب في سوريا، فيبدو أن أرقام وزارة النفط متفائلة للغاية، فـ 5 مليار دولار التي قدرتها كخسائر أولية بعيدة جداً عن هول الكارثة التي نالت من هذا القطاع. 
الفساد في قطاع النفط والغاز السوري، يتربع على رأس هرم الفساد المُتفشي في مختلف قطاعات الاقتصاد السوري، من حيث النوعية والحجم، مما يتطلب إعادة تعديل الوضع المؤسساتي الخاص بهذا القطاع، كاملاً.
وأخيراً، وليس آخراً، فإن التخطيط والدعم المأمول من الدول الصديقة والمؤسسات الدولية ذات الخبرة في هذا المجال، قد يساعد في إعادة تأهيل قطاع النفط والغاز بالصورة المُنتظرة لتجاوز تبعات الأزمة التي حلت بالبلاد، والتقدم بهذا القطاع إلى آفاق أوسع مما كان قائماً سابقاً.
تلك كانت أبرز خلاصات الجزء الثاني من تقرير "النفط والغاز" الصادر عن "مجموعة عمل اقتصاد سوريا" * التي يترأسها د.أسامة قاضي، والذي يشغل حالياً، بالتزامن، موقع مساعد رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية في الحكومة السورية المؤقتة برئاسة أحمد طعمة، وموقع المدير التنفيذي لوحدة تنسيق الدعم.

تفاصيل الجزء الثاني من تقرير "النفط والغاز في سوريا"

الفوسفات...الثروة المهدورة "خاماً"

تحتل سوريا المركز الثالث أو الرابع بين الدول المصدّرة للفوسفات في العالم، بعد المغرب والأردن، ويتجاوز احتياطي الفوسفات المستكشف في سوريا (2) مليار طن خام، وتزيد صادراتنا على 3.2 مليون طن، لكن سوريا تصدّر الفوسفات الخام لمصانع أوروبا، وتعيد استيراده مصنّعاً، فتهدر بذلك ثروة مالية كبيرة هي فارق السعر بين الخام والمصنّع.
وتُوحي الدراسة الصادرة عن "مجموعة عمل اقتصاد سوريا" أن السلطات المختصة في وزارة الصناعة لم تقم بالإجراءات الكفيلة لتجاوز هذا القصور واستثمار هذه الثروة الحيوية بالشكل المأمول. وقد تكون أحد أسباب هذا التقصير ما يتعلّق بعدم توفير السيولة المالية المطلوبة للمعامل الخاصة بغسل الفوسفات، إذ تُقدّر تكلفة المعملين المقترح إنشاؤهما بهذا الصدد حوالي 100 مليون دولار، إلى جانب الحاجة إلى كميات وفيرة من المياه، والتي تتطلب جرّ مياه الفرات إلى منطقة الصوانية، حيث يُقترح إنشاء المعملين المُشار إليهما.

وتُنتج سوريا حوالي 3.8 مليون طن، تُصدّر منه 80% بشكل خام، وتستهلك 20% فقط في الصناعة المحلية.

خسائر الأزمة: 5 مليارات منذ عام...رقم متفائل للغاية

بالنسبة للخسائر التي حلّت بقطاع النفط والغاز بسبب الأزمة الراهنة، تختلف التقديرات والتقييمات. وكان المركز السوري لبحوث السياسات قد قدّر إجمالي الخسائر التي تعرضت لها سوريا خلال عامي 2011 و2012 بنحو 48.4 مليار دولار أمريكي أي ما يعادل 81.7% من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2010.

وحسب مجلة النفط والغاز الصادرة عن وزارة النفط السورية فقد بلغت الخسائر غير المباشرة الناجمة عن توقف الإنتاج في بعض الحقول، لغاية 13/1/2013، بأكثر من 5 مليار دولار أمريكي، عدا الخسائر التي لحقت بالقطاعات الأخرى، جرّاء نقص وعدم توفر المشتقات النفطية، وتعطل بعض محطات توليد الطاقة الكهربائية.

لكن التقديرات السابقة لوزارة النفط تبدو متفائلة، ذلك أن الخسائر التي تعرض لها القطاع تشمل الأضرار التي طالت أنابيب نقل النفط والغاز، وتلك التي طالت بعض خزانات النفط، وبعض محطات الضخ، ناهيك عن توقف الضخ من بعض الآبار، وتسرب النفط من الحقول أحياناً، إلى جانب الخسارة الكبيرة التي لحقت بقطاع النفط نتيجة مغادرة عدد كبير من الفنيين والعاملين في هذا القطاع، بحثاً عن فرص عمل في الدول الأخرى، وقد لا يعود معظم هذا الكادر بعد استقرار الوضع في البلاد نتيجة ارتباطهم بفرص عمل مناسبة، مما يعني خسارة كل تكاليف إعداد هؤلاء الفنيين لعقود كاملة.
يُضاف إلى ما سبق التلوث البيئي الناجم عن تسرب النفط في حالات القصف والتخريب إلى التربة وإلى طبقات المياه الجوفية في بعض المناطق، واستيلاء بعض الكتائب على مناطق نفطية وقيامها بعمليات تصفية بدائية أو استخدام النفط الخام مباشرة في عمليات التدفئة أو الزراعة مما يُفاقم الأضرار البيئية، ويُرتب على البلاد مستقبلاً تكاليف باهظة لإزالة ذلك التلوث، وهو أمر ضروري لا يمكن تجاهله.

*المرتبة الأولى بالفساد في سوريا...وأولويات الإصلاح الإداري في قطاع النفط والغاز

لم يشهد قطاعٌ في سوريا فساداً إدارياً ومادياً كالذي شهده قطاع النفط والغاز ثم الثروة المعدنية، وما يرتبط به من فساد مالي. وظواهر الفساد تلك في حالة تصاعد مستمر في الوقت الراهن.

باعتراف معظم الخبرات في هذا المجال لم يتم التحقق بالاستكشاف من وجود النفط والغاز والثروة المعدنية في سوريا لأكثر من 50% من أراضيها وطبقاتها الباطنية، مما يترك ميداناً واسعاً للعمل الجدي في استكمال استكشاف باقي أراضي القطر وطبقاته العميقة.
ومن الجوانب الهامة التي يجب إصلاحها في الجانب الإداري لهذا القطاع هو إعادة النظر في طريقة التعامل مع الشركات المستثمرة، وفتح المجال للتنافس الإيجابي بشفافية، فقد فرضت بالسابق قيود وشروط وهمية على شركات ذات سمعة وخبرة عالية حتى يُحال دون حيازتها على استثمار في إحدى الرقع المطروحة للاستثمار.
إلى جانب إيلاء الاهتمام لثروة الفوسفات، والتخطيط والعمل الجدي للتحول نحو عملية التصنيع لتلك الثروة الوطنية الهامة، مما سيُدر مئات الملايين من الدولارات على الخزينة مستقبلاً.

*خطط العمل المطلوبة
وضع معدّو تقرير "النفط والغاز في سوريا" ثلاثة أنواع من خطط العمل المستقبلية لإعادة تأهيل هذا القطاع الحيوي في الاقتصاد السوري بالصورة المأمولة. وصنفوا تلك الخطط في ثلاثة زُمر، على النحو الآتي:

خطة العمل لفترة قصيرة الأجل (المرحلة الإسعافية لمدة ستة أشهر): وأبرز نقاطها:
1- مسح شامل للأضرار التي طالت قطاع النفط والغاز، من حيث الحجم والنوعية.
2- العمل على رفع العقوبات الدولية عن قطاع النفط والغاز.
3- دعوة الشركات العاملة في سوريا وصاحبة الامتياز لاستئناف عملها الاستكشافي أو الإنتاجي، بعد تسوية الأوضاع معها ضمن مبدأ تقاسم الأعباء والخسائر بطريقة ودية.
4- القيام بحملة واسعة لاستعادة الخبرات والفنيين السوريين الذين غادروا البلاد.
5- ترميم وإصلاح الأضرار التي طالت مصفاتي حمص وبانياس.
6- البدء بإزالة الآثار البيئية الناتجة عن تسرب النفط والاستثمار العشوائي والبدائي للحقول.
7- مع نهاية الشهر الأول تأمين تصدير ما لا يقل عن 50 ألف برميل يومياً.
8- خلال أقل من ثلاثة أشهر يجب تصدير ما لا يقل عن 200 ألف برميل يومياً، والاستفادة من إيرادات هذا القطاع لرفد موازنة الحكومة المؤقتة.

خطة العمل في المرحلة متوسطة الأجل (لمدة سنتين): وأبرز نقاطها:
1- ضبط العمل بحقول النفط وفق حالتها وحجم الضرر الذي طالها.
2- إعطاء أهمية خاصة للفوسفات كرافد رئيسي للموازنة.
3- إحكام السيطرة الكاملة على خطوط نقل النفط ومشتقاته والغاز.
4- الوصول في نهاية هذه المرحلة إلى إنتاج ما لا يقل عن 400 ألف برميل يومياً.
5- التخطيط وإعداد ما يلزم لإقامة مصفاة نفط جديدة.
6- قامت الشركة النرويجية Inseis عام 2005 بمسح متعدد المقاطع في المياه الاقتصادية السورية في البحر المتوسط، وتبين وجود احتياطيات نفطية هامة تتجاوز 20 مليار برميل نفط، لكن الشركات الدولية أبدت تردداً في عمليات الاستكشاف والاستثمار لتلك الاحتياطيات، مما يتطلب فهم أسباب ذلك، وإزالة عوائق استثمار ذلك المكمن الواعد من الثروة النفطية.
7- إعادة إحياء المساعي لاستثمار موقع سوريا الجغرافي كمعبر للنفط والغاز بين الخليج وتركيا من جهة، وبين العراق والمتوسط من جهة أخرى.
8- إقامة محطة توليد طاقة جديدة بطاقة تقارب 700 ميغا واط، لتلبية الزيادة السنوية في معدل الطلب على الكهرباء في سوريا، والتي تُقدّر بحوالي 5%.
9- رفع أجور العاملين الفنيين والمؤهلين السوريين في هذا القطاع إلى مستويات الأجور لنظرائهم في المنطقة.

خطة العمل للمرحلة طويلة المدى (خمسة سنوات): وأبرز نقاطها:
1- الاستمرار في تطوير وتوسيع الإنتاج من حيث الاكتشافات الجديدة، ومن حيث زيادة المردود الإنتاجي للطبقات والمكامن المنتجة عبر استخدام طرق الإنتاج المدعم للنفط.
2- تعديل الوضع المؤسساتي بكل مكوناته.
3- وضع تشريع يحقق العدالة الاجتماعية في الاستفادة من الثروة النفطية والمعدنية، مناطقياً.
4- إقامة صناعات بتروكيميائية حديثة لزيادة القيمة المضافة المتحققة في القطاع.

*المطلوب من الدول الصديقة والمؤسسات الدولية ورجال الأعمال السوريين والأجانب

نظراً لوجود ساحة عمل واستثمار غير محدودة تستوعب كل من يريد أن يساهم في إعادة تأهيل هذا القطاع، وتتيح استثمارات بمليارات الدولارات لكل مفصل من مفاصل النفط والغاز، لذا يجب العمل، بالتعاون مع الدول الصديقة والمؤسسات الدولية، ورجال الأعمال السوريين والأجانب، على تجاوز الروتين والإجراءات القانونية المُعيقة في عقود الخدمة وامتيازات التنقيب.

كما نحتاج إلى خبرات الدول الصديقة والمؤسسات الدولية المختصة للمساعدة في وضع خارطة عمل واضحة من خلال خبرات سابقة في مناطق النزاع المنتشرة في العالم، بغية إعادة تأهيل القطاع بشكل علمي، وتدعيم هذه العملية بالخبرات القانونية في مجال النزاعات النفطية من جهة الاستثمار والعمل المشترك.

تلك كانت أبرز مضامين الجزء الثاني من تقرير "النفط والغاز" الصادر عن "مجموعة عمل اقتصاد سوريا".

* تعريف بـ "مجموعة عمل اقتصاد سوريا"

المجموعة المذكورة، لا تتبع لأي كيان سياسي، فهي فريق اقتصادي مستقل اعتمدتها مجموعة "أصدقاء الشعب السوري" المعنية بإعادة إعمار سوريا بقيادة الإمارات وألمانيا، كشريك اقتصادي أساسي ممثّلٍ للجانب السوري في التخطيط لمستقبل الاقتصاد السوري بعد الثورة.

وتسعى "مجموعة عمل اقتصاد سوريا" إلى كتابة الخارطة الاقتصادية لسوريا الجديدة في أكثر من خمسة عشر قطاعاً حيوياً، لتكون بمثابة المشروع الوطني الذي يقدم هدية لرؤساء الحكومات بعد الثورة، لتبيان إمكانيات الاقتصاد السوري.

وقد صدر عن المجموعة حتى الآن، تسعة تقارير، بما فيها التقرير الذي نستعرضه الآن. أما التقارير الثمانية الأقدم فتناولت قطاعات، الكهرباء، المواصلات والطرق، المياه، السياسات المالية والنقدية، القطاع الزراعي، التشريعات الاقتصادية والإدارية، التعليم واليد العاملة، وقطاع الإسكان وإعادة الإعمار.

أرقام وحقائق "صادمة" في تقرير "النفط والغاز" عن "مجموعة عمل اقتصاد سوريا" 

الشركة السورية للنفط تستقطب حوالي 16 ألف عامل. تتفاوت بشكل كبير تقديرات الاحتياطي المؤكد من النفط . المزيد

ترك تعليق

التعليق