على خلفية إعلان حكومة الأمر الواقع شمال شرق سوريا...ماذا على المعارضة والأتراك أن يفعلوا؟

يمكن أن نلتقط جملة معانٍ من الأحداث الأخيرة على الصعيد السياسي الكردي في سوريا، وآخرها، إعلان حكومة الأمر الواقع في شمال شرق سوريا، يوم أمس. أبرز تلك المعاني أن أكراد سوريا تفوقوا، كما يبدو مؤخراً، على خلافاتهم الفئوية والحزبية، واختلافات داعميهم الإقليميين، ليتوحدوا باتجاه تحقيق الهدف المشترك بين معظم قواهم السياسية، وهو الحكم الذاتي، في إطار سوريا اتحادية –لامركزية.

فرغم مظاهر الصراع السياسي والميداني، الكردي –الكردي، التي ميّزت أحداث العام الماضي في شمال شرق سوريا، تمكنت القوى الكردية على الاتفاق في اجتماعها الأخير، في أربيل، خلال الشهر الفائت، على الخطوط العريضة لاستراتيجيتها نحو تحقيق الحكم الذاتي للأكراد في سوريا، على غرار سيناريو "كردستان العراق".

وفي الوقت الذي تذهب فيه شخصيات كردية من المجلس الوطني الكردي، إلى جنيف2، تحت مظلة الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، تُشارك شخصيات كردية أخرى من صفوف المجلس ذاته، في حكومة الأمر الواقع التي أعلنها الاتحاد الديمقراطي الكردي في مناطق الحسكة والقامشلي، يوم أمس.

وكان المجلس الوطني الكردي قد عارض، لأشهرٍ، الخطوات المتتالية التي قام بها الاتحاد الديمقراطي الكردي لفرض سيطرته الميدانية على مناطق توزع الأكراد في سوريا، وتدعيمها بإدارة ذاتية، أعلنها منذ بضعة أشهر. لكن الوضع تغير على ما يبدو، منذ اجتماع أربيل في العشرين من الشهر الفائت. فمشاركة شخصيات من المجلس الوطني الكردي في الحكومة التي أعلن عنها زعيم الاتحاد الديمقراطي الكردي، صالح مسلم، تُنبئ بأن توافقاً كردياً –كردياً، قد أُتمّ، في عاصمة "كردستان العراق".

ورغم أن المعلومات ما تزال غير مؤكدة بخصوص أسماء أعضاء حكومة الأكراد المُعلنة في محافظة الحسكة، إلا أن التسريبات الأولية تتواتر بما يُفيد بوجود عدد ملحوظ من أعضاء المجلس الوطني الكردي في صفوف الحكومة المعلنة، في مقدمتهم رئيس الحكومة ذاته.

وكانت شبكة نوروز الكردية –السورية، قد نشرت أمس أسماء أعضاء حكومة الأكراد في شمال شرق سوريا، والتي تتألف من رئيس كردي، ونائبين، أحدهما عربي، والآخر سرياني، و22 وزيراً، 14 منهم أكراد، و4 عرب، و3 سريان، وواحد لم يحدد انتمائه العرقي، مع بقاء ثلاثة مقاعد شاغرة لم يتم الاتفاق عليها بعد، منها اثنتان للمكون العربي.

صالح مسلم، زعيم الاتحاد الديمقراطي الكردي، الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، أعلنها صراحةً أمس، بأن الاتحاد "سمّى" أعضاء الحكومة الوليدة، مما يُوحي بإقرار باقي القوى السياسية الكردية بهيمنة الاتحاد على حيثيات الأمر الواقع في مناطق توزع الأكراد، مع وعد من مسلم بأن يتم تشكيل حكومتين قريباً لمنطقتي "كوباني –عين العرب"، و"عفرين".

وحسب الشبكة الإعلامية الكردية، فإن رئيس المجلس التنفيذي (الحكومة)، هو أحد أعضاء الأمانة العامة للمجلس الوطني الكردي، إلى جانبين وزيرين من المجلس أيضاً.

وتضم الحكومة المُشكلة وزيراً للدفاع وآخر للخارجية، والأخير أيضاً من أعضاء المجلس الوطني الكردي.

وهكذا يبدو أن القوى السياسية الكردية، بمكونيها الرئيسيين، المجلس الوطني الكردي، والاتحاد الديمقراطي الكردي وحلفاءه، يسيرون بتوافقٍ مبدئيٍّ باتجاه فرض أمرٍ واقعٍ قبيل بدء جلسات المفاوضات في مؤتمر "جنيف2"، بغية فرض أجندتهم المُعنونة بـ "الحكم الذاتي"، والتي ما تزال تلقى رفضاً من المعارضة ممثلةً بالائتلاف، مقابل صمتٍ مُريبٍ من جانب نظام الأسد، وسط إشاعات عن حضور محافظ الحسكة التابع لنظام الأسد، إلى جانب مسؤول رفيع من دمشق، لجلسة إعلان حكومة الأكراد في شمال شرق سوريا.

لكن المُثير للريبة أكثر بأن حكومة إقليم "كردستان العراق" التي جاهرت بمعارضتها لخطوات الاتحاد الديمقراطي الكردي في شمال سوريا منذ أشهر قليلة، هي ذاتها من رعت حوار أربيل الأخير، وتفاهماته غير المُعلنة بعد، وهي على ما يبدو من دفع حلفاءها في المجلس الوطني الكردي للدخول في حكومة الديمقراطي الكردي، مما يشي بوجود تفاهم بين القوى الكردية الإقليمية البارزة، ممثلةً بحكومة "كردستان العراق" من جهة، و"حزب العمال الكردستاني" في تركيا –الداعم لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي بسوريا- من جهة ثانية، على الدفع باتجاه توحيد صفوف أكراد سوريا لانتزاع اعتراف إقليمي ودولي بمطلبهم في الحكم الذاتي، بعد بدء مسيرة المفاوضات في سويسرا.

في ظل هذه الظروف، يبدو أن نظام الأسد ينسق بصورة شبه علنية مع الاتحاد الديمقراطي الكردي، في الوقت ذاته، يبدو أن المعارضة السورية ممثلةً بالائتلاف، لم تستفد شيئاً من مساعيها لكسب ود الأكراد، رغم محاولة رئيس الائتلاف، أحمد الجربا، الذي زار كردستان العراق أثناء مؤتمر الحوار بين القوى الكردية بأربيل. ويبدو أن السبب الجوهري في ذلك يتمثّل في تشتت قوى داعمي المعارضة السورية الإقليميين، والدوليين، واختلافاتهم.

ورغم أوراق القوة التي يملكها حلفاء المعارضة، في مواجهة الأكراد في شمال سوريا، ناهيك عن مصالحهم المناوئة لمساعي الأكراد "الاستقلالية"، وفي مقدمتهم تركيا، يظهر أن ردود فعل هؤلاء الحلفاء عشوائية وغير منظمة، وفي بعض الأحيان غير مبالية.

وبطبيعة الحال، فإن أكثر طرف إقليمي معني بما يحدث الآن في شمال شرق سوريا، وانعكاساته في مفاوضات جنيف2، هو الطرف التركي، الذي أظهر في الفترة الأخيرة ميلاً للتفاهم مع طهران، وبغداد، وأربيل، وسط ارتباك سياسي داخلي يلمّ بحكومة أردوغان.

تملك تركيا، ومعها قوى المعارضة الميدانية والسياسية السورية، سواء الائتلاف أو الفصائل الفاعلة على الأرض، الكثير من أوراق القوة الميدانية والاقتصادية واللوجستية، التي تستطيع من خلالها الضغط باتجاه إفشال مساعي فرض الأمر الواقع في شمال سوريا من جانب القوى الكردية.

فبعيداً عن الجدل الآيدلوجي والإحصائي حول حقيقة الأغلبية العرقية في شمال الجزيرة السورية، فإن استثمار ثروات تلك المنطقة غير ممكن عملياً دون تفاهم مع تركيا في الشمال، ومع العرب في الجنوب.

وكما أن إقليم "كردستان العراق" لم ينشأ إلا بموجب تفاهمات عربية – كردية– تركية، ببصمة أمريكية، فإن أي كيان سياسي لأكراد سوريا، لا يمكن أن يصبح قابل للحياة وفق المعايير الاقتصادية واللوجستية، إلا بموجب تفاهمات عربية –كردية –تركية.

أمام حقيقة امتلاك أوراق القوة النابعة عن طبيعة موقع شمال شرق سوريا الذي لا يتمتع بإطلالة بحرية، ولا بحدود واسعة مع حلفائه في الشرق –العراق وكردستان-، يبقى أن على المعارضة السورية، بشقيها السياسي والميداني، إلى جانب الحليف التركي، أن يتحركوا هم أيضاً، ليفرضوا وقائع ميدانية، تسمح لهم بترجمتها كأوراق قوة تفاوضية، بعد أن بدأ موسم المساومات والتسويات، قبل فوات الأوان، وقبل ضياع حقوق الغالبية العربية– السنيّة، وسط ما تحظى به "أقليات" سوريا من رعاية إقليمية ودولية حثيثة.

لا يعني ما سبق أي افتئاتٍ على حقوق أكراد سوريا، لكنه يعني رفض استراتيجية فرض الأمر الواقع، ومطالبة الشريك العربي في الوطن، بتقبلها، أياً كان حجم الحيف الذي يطاله بموجبها، تحت ظلال "بروباغندا" الحيف التاريخي الذي حاق بالأكراد في المنطقة.

دولة الأكراد المتخيّلة في سوريا...هل قابلة للحياة اقتصادياً؟ 

  شكل الدولة المفترضة شریطي و تمتد على طول الحدود مع تركیا ستكون الدولة المفترضة مغلقة في كل الاتجاهات باستثناء كردستان العراق   إكمالاً .. المزيد

ترك تعليق

التعليق