السوريون في "تيه" الكهرباء.. سوق ظاهرها "حل المشكلة" وباطنها أرباح فاحشة

لاصوت يعلو فوق صوت "الكهرباء" في الأحاديث اليومية بل واللحظية بين الناس

مراقب لـ"اقتصاد":  الأسر السورية تنفق 30% من دخلها المتواضع على التجهيزات المتعلقة بتوفير الكهرباء.

وجدت الأضواء التي "تتغذى" على حرارة الهاتف سوقا رائجة جدا، لاسيما مع تعطل معظم الخيارات الأخرى

النظام يعبر عن خشيته من تدهور أرباح اتصالاته نتيجة استخدام أجهزة الإنارة على الهاتف

لما تزل أزمة الكهرباء في سوريا تتفاقم يوما بعد يوم، ولما يزل السوريون كما عُهد عنهم يجدون لكل "عقدة" حلا، على مبدأ "مشي حالك" و"دبر راسك"، الذي أشاعه نظام الأسد منذ استولى حافظ على الحكم مرورا بتوريثه لبشار، تاركا سوريا نهبا لأزمة إثر أزمة (تموينية، كهربائية، تعليمية، مائية، زراعية.... بل وحتى أخلاقية)، فيما كان هو متفرغا -ولا يزال- لأمور أشد خطرا من وجهة نظره، أولها نهب خيرات البلاد، وثانيها بناء منظومة قمع وإرهاب متجذرة، ومحصنة بشخصيات ذات مستوى لا يقارن من الفساد والتوحش.

مدهونة بزبدة
وفي ظل شح الكهرباء الخانق وانقطاعها المتكرر و"ضعفها" الكبير، تزدهر في سوريا منذ حوالي سنتين تقريبا، سوق مربحة للنظام الذي يتحكم بالاستيراد وتجاره المرتبطين به، وهي سوق ظاهرها توفير "الحلول" لمشاكل "المعترين" الذين أصبحوا يمثلون 80% من نسبة السوريين، وباطنها الأرباح الفاحشة عن ترويج بضائع قد لايكون لها استخدام سوى في "سوريا الأسد" ومن لف لفها من بلدان الاستبداد المتغول، الذي لايكتفي بمصادرة حرية الإنسان، بل ويستولي على كل ما يمكن أن يوفر له الحد الأدنى من متطلبات الحياة.

وفي "سوريا الأسد" اليوم، وكما عاينت "اقتصاد" وعاين معها ما لايحصى من السوريين، لاصوت يعلو فوق صوت "الكهرباء" في الأحاديث اليومية بل واللحظية بين الناس.. "إجت الكهربا"، "صار لنا شهرين ما شفناها"، "الكهربا عندنا ميتة ودوبها توصل 100 من أصل 220 فولط"، "يا أخي لا عم يشتغل البراد عندي من أسبوعين ولا حتى النيونات من ضعف الكهربا"، "اشتريت منظم بخمسين ألف ليرة، بس ما استفدت"، "اشترينا مولدة قاموا رفعوا سعر البنزين وما عدنا نقدر نشتريه لأنه قليل أصلا".... كل هذه العبارات وغيرها الكثير، هي التي تغزو أحاديث أي جارين أو صديقين أو قريبين كلما التقوا ببعضهم أو تحادثوا هاتفيا.

وليس هذا فحسب بل يكفيك أن تدخل محلا لبيع الأدوات المتخصصة بالكهرباء (منظمات، شواحن، بطاريات، مولدات، وغيرها) لتسمع خلال وقوفك القصير في المحل قصصا وشكاوى لاتنتهي، يرويها زبون "داخل" وآخر "خارج"، فالكل يبحث عن "كنز" الكهرباء المفقود، وكل حسب طاقته، فهناك من يداري العتمة بشمعة (سعر الواحدة قرابة 15 ليرة)، وهناك من يتحايل على فقدان النور بشاحن صغير (ربما يصل لـ300 ليرة، وهو حتما صيني الصنع من النوعية الرديئة التي لاتصمد طويلا)، وآخر يعمد إلى شراء بطارية سيارة وتوابعها (تتراوح تكاليفها بين 25 وحتى 50 ألف ليرة)، وهناك -وهم قلائل- من يلوذون بخيار المولدات (وأسعارها بحر بلا شاطئ كما يقولون!)، التي غزت الأسواق بأسماء غريبة ومواصفات "مدهونة بزبدة" أي إنها "تسيح" وتتبخر مع تشغيل المولدة (الصينية غالبا)؛ ليكتشف البعض أنه اشترى "خردة"، وأن عليه زيارة "مصلح المولدات" كل فترة، ليبدل أو يصلح قطعة هنا أو هناك.

ومن أغرب ما دخل إلى الأسواق السورية، في عهد بشار، حبيبات ضوئية (ليدات) لا تحتاج الكهرباء لتضيئ، فهي مصممة لتوصل بمأخذ الهاتف الثابت؛ لتنير بمجرد أن "تتغذى" على "الحرارة" القادمة من المقسم، وقد وجدت هذه الحبيبات سوقا رائجة جدا، لاسيما في المناطق التي باتت تشهد انقطاعات طويلة تمتد بالأيام وحتى الأسابيع، حيث تصبح كل الخيارات "معلقة" حتى إشعار آخر، فالبطارية متوقفة نتيجة فراغها وعدم وجود كهرباء تشحنها وتعيد ضخ الطاقة في أوردتها، وكذلك الشواحن الكهربائية، أما المولدة فهي ليست بأحسن حال، فمصروف تشغيلها لمدة 4 أو 5 ساعات يوميا لايقوى عليه إلا "المقتدرون"، فما بالك بتشغيلها معظم النهار ولأسابيع متواصلة لتعويض غياب الكهرباء المزمن.

ولكن المثير في أمر الحبيبات العاملة على "حرارة" الهاتف، هي الشكوى التي أطلقها أحد مدراء الشركة السورية للاتصالات (تابعة للنظام)، يحذر فيها من تدهور أرباح الشركة، إذا استمر اعتماد السوريين على هذه الحبيبات، التي دخلت البلاد بموافقة حكومة النظام نفسها!

وكشف المدير أن استخدام الطاقة الكهربائية في خطوط الهاتف الثابت لتغذية أجهزة الإنارة المنزلية عند انقطاع التيار الكهربائي، يقصّر مدة عمل المدخرات المغذية للمقسم، وهذا له تأثير باتجاهين، فهو يحرم المشتركين من الخدمة الهاتفية في فترة انقطاع التيار الكهربائي، ويؤدي إلى تراجع عدد المكالمات الهاتفية وهذا يؤثر على أرباح شركة الاتصالات!!، حسب قول المدير.

وولمصلحين كلمتهم
وليست سوق بيع الأدوات المتخصصة بالكهرباء هي المزدهرة فقط، بل إن لسوق "المصلحين" شأنا لايقل عن "أختها"، حيث بدأ السوريون ينفضون الغبار عن كثير من القطع التي كانوا قد رموها سابقا إما لعطل فيها أو لعدم حاجتهم إليها، فهذا يأتي حاملا منظما يبحث عن لف محوله، والآخر يستنجد بالمصلح ليعاين له شاحن البطارية، والثالث يطلب أن يفتيه المصلح بشأن مولدة اشتراها منذ فترة بسيطة، ولكنها لم تعد تعمل!
وفي سوق "المصلحين" كما في سوق "البائعين" ليس هناك أي ضابط للأجر أو التكلفة، فقد يطلب مصلح ألفي ليرة أجرة تصليح قطعة ما، فيما يكتفي زميل له بألف ليرة، فضلا عن التضارب الواضح في تشخيص "مرض" القطعة الكهربائية بين مصلح وآخر.

وهنا وكأي سوق "لا أحد يقول عن زيته عكر"، فبائع البطاريات يصورها لك وكأنها الحل الأمثل، ومثله بائع المولدات، وكذا بائع الشواحن الذي قد يكون من أصحاب "البسطات".
ووسط هذا "التيه" –بكل ما تعني الكلمة- يسدد السوريون ما تبقى معهم من ليرات ثمن تجهيزات لم يكونوا بحاجة لها مطلقا، لو كان هناك "دولة" و"مؤسسات"، حتى إن أحد المراقبين لوضع سوق الكهرباء قال لـ"اقتصاد" إن بعض الأسر السورية تنفق قرابة 30% من دخلها المتواضع على التجهيزات المتعلقة بتوفير الكهرباء.

أما الأعطال التي تصيب الأجهزة من برادات وغسالات وتلفزيونات وخلافها نتيجة ضعف التيار الكهربائي.. فحدث ولاحرج، ما جعل السوريين ينوؤن بعبء مضاعف.. عبء البحث عن تجهيزات توفر لهم البديل عن "كهرباء الدولة" الغائبة، وعبء تلافي "الكوارث" التي تحدثها هذه الكهرباء عندما تحل ضيفة على بيوتهم ومتاجرهم!

ترك تعليق

التعليق