تفنيد نظرية "سوريا من نصيب روسيا وحلفائها بالتفاهم مع الغرب"

تصاعدت في الأشهر الأخيرة أسهم نظرية تقاسم مناطق النفوذ بين القوى الكبرى، وأن سوريا محتسبة من نصيب روسيا والصين، وحليفهما الإيراني.

وبعيد "التكويع" الأمريكي عن ضرب نظام الأسد مطلع الخريف الماضي، زادت نسب القائلين بأن واشنطن تقرّ بنفوذ روسيا، ومن ورائها إيران، وبنسبٍ أقل، الصين، في الإقليم السوري، وثرواته، والتحكم بمستقبله، مقابل شرطٍ وحيدٍ، لا يبدو أن موسكو على نيّةٍ لأن تُخلف به، وهو حفظ أمن إسرائيل.

فهل سوريا حقاً هي منطقة نفوذٍ روسي –صيني –إيراني، بإقرارٍ أمريكي –غربي؟

بطبيعة الحال، لا يمكن لأحد أن يجزم بما يدور وراء الكواليس، قبل أن تمضي سنوات طويلة، وربما عقود، فتُكشف وثائق، قد تُثبت ظنوناً قائمةً اليوم، أو نفاجئ بأخرى لم تكن على البال، لكن مؤشرات الوقائع لا تكذب هي الأخرى.
فالتطورات الأخيرة في أوكرانيا وملامح الانقسام الداخلي فيها، والتنافس الخارجي عليها، بين روسيا من جهة، وكل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية من جهة ثانية، في محاولة لكل منهما في ترسيخ نفوذه وبسط هيمنته على البلاد، تُؤشر إلى أنّ: لا اتفاقيات لتقاسم النفوذ، راسخة، بين الغرب وروسيا.

فلو كانت هكذا اتفاقيات لتقاسم النفوذ، قائمة بالفعل، لكان الأولى بأن تكون أوكرانيا بعيدة تماماً عن أية تأثيرات أوروبية –أمريكية. فذلك البلد بما يحتويه من أقلية روسية كبيرة، وحدود حيوية خطيرة مع روسيا، ناهيك عن أصول سلافية كبيرة في المجتمع الأوكراني تجمعهم مع الروس، إلى جانب الترابط الاقتصادي بين البلدين، خاصة أن أوكرانيا، سليلة الاتحاد السوفيتي السابق، في العُرف الروسي، من مناطق المحيط الحيوي لموسكو.

فهل يقرّ الغرب لروسيا بالنفوذ في سوريا؟، ومن ثم ينازعها النفوذ في أوكرانيا؟

وهل تقيّم روسيا سوريا بأنها أهمّ من جارتها، وقريبتها العِرقية، وشريكتها السابقة في الاتحاد؟
دون شك لا.

إذاً، فنظرية تسليم سوريا للنفوذ الروسي لا تتمتع بالمصداقية الكافية.
يدلل على ما سبق ما يحدث اليوم من إدارة مزدوجة، روسية –أمريكية، للمفاوضات في جنيف2، بين وفد النظام ووفد المعارضة، مما يُثبت أن لسوريا موقعاً مهماً في الاستراتيجية الأمريكية، لكن واشنطن تسعى للتنسيق مع الروس بغية الحفاظ على استقرار مؤسسات الجيش والأمن، خشية أن انهيارها قد يهدد أمن إسرائيل.

التفسير الأخير أقوى بمراحل، من ذلك القائل بأن تراجع الأمريكيين عن ضرب نظام الأسد مؤخراً، هو تعبيرٌ عن إقرارٍ بأن سوريا من مناطق النفوذ الروسية، خاصة أن موسكو نأت بنفسها، في بداية أزمة "الكيماوي" الشهيرة، حينما تقدم الأمريكيون إلى الخيار العسكري، وتحدث المسؤولون الروس بصراحة أنهم لن يتدخلوا في أية مواجهة عسكرية في سوريا.

هكذا يبدو أن أحداث أوكرانيا الأخيرة تُسقط الكثير مما روّج له مراقبون ومنظّرون، بعضهم من أنصار النظام، أن سوريا هي منطقة نفوذ روسية، بتفاهم غربي، وأن غاز ونفط هذا البلد، سيكون من نصيب الروس، وحلفائهما الدوليين، الصين، والإقليميين، إيران.

ترك تعليق

التعليق