حُقن "شرعية" مُجتمعية لـ "أبو البراميل"...بعض رجال الأعمال "يُكوّعون" إلى "حضن الأسد"

يبدو أن بعض رجال الأعمال السوريين الذين فرّوا بما استطاعوا من سيولاتهم المالية في بدايات تفاقم الصراع المسلح بسوريا، قرروا أن "يُكوّعوا" مرة أخرى إلى حضن نظام الأسد، بعد أن تلمّسوا مؤشرات أوليّة أوحت لهم باستمرارية النظام مستقبلاً، أو جزء منه على الأقل، وبالتالي، قدرته بالحدود الدنيا على أن يحفظ مصالح المتحالفين معه، كما كان في السابق.

فحتى في حال نجح مسار التسوية في "جنيف2"، وهو سيناريو مستبعد لدى معظم المراقبين، فإن ذلك يعني أن هيئة الحكم التي ستدير البلاد مستقبلاً ستتضمن بعضاً من رموز النظام الحالي ومسؤوليه، وبالتالي، فإنه يمكن المراهنة على موضع قدمٍ، لعلاقات شخصية آمنة، لرجل أعمالٍ، يفكر بمستقبل استثماراته في البلاد.

هكذا يفكر على ما يبدو "تجمع رجال الأعمال السوريين بمصر"، حيث زار رئيسه وعدد من شخصياته، العاصمة دمشق، والتقوا بوزير الاقتصاد في حكومة النظام، بغية إعادة ترتيب علاقاتهم ومصالحهم مع الفاعلين هناك.

وللأمانة الإعلامية، فإن التجمع المذكور، وهو يضم عددا من رجال الأعمال السوريين الناشطين بمصر، لم يتخذ موقفاً معارضاً للنظام خلال الفترة الماضية، بل انتهج ضبابية كبيرة في المواقف، وتنحى جانباً بعيداً عن السياسة، وإن كان قد حرص بشدة على عدم التواصل مع أية جهات تُحسب على المعارضة، خاصة منها وسائل الإعلام.

وكان لـ"اقتصاد"، منذ أشهر، محاولة للتواصل مع إدارة التجمع المذكور، للاطلاع على نشاطاته وتطوراتها في مصر، وقد تجاوبوا بدايةً، لكن حالما انتبهوا إلى أننا موقع إعلامي له مواقف معارضة للنظام، اعتذروا متذرعين بأسباب واهية.

خلدون الموقع، رئيس التجمع، وأثناء لقائه بوزير الاقتصاد في حكومة النظام، أكد بأن التجمع استمرار لـ"مجلس رجال الأعمال السوري –المصري"، محاولةً منه لنسب تجمعه إلى أحد المؤسسات المحسوبة على نظام الأسد.

و"مجلس رجال الأعمال السوري –المصري"، بالمناسبة، حلّته حكومة نظام الأسد في سياق قرارها بحلّ عشرات مجالس رجال الأعمال السوريين، التي كانت قائمة سابقاً، بعد أن انشق عدد من نخبة عالم الأعمال السوري عن تحالفاتهم مع النظام، وانطووا في صفوف المعارضة، أو الصفوف الخلفية الداعمة لها، وبشكل علني، بينما عمل عدد آخر منهم على تقديم الدعم للمعارضة السياسية والمسلحة، بصورة غير علنية.


وكعادة النظام، كي يضمن سيطرته المطلقة على كل مجالات الحياة في سوريا، ومنها الاقتصاد، قرر حل كل تلك المجالس، لينفي شرعية أي شخصية تخرج عن دائرة الثقة الخاصة به.

خلدون الموقع، رئيس تجمع "رجال الأعمال السوريين بمصر"، أكد رغبة أعضاء تجمعه بالعودة إلى "حضن الوطن"، مؤكداً أنهم لم يهربوا من سوريا، داعياً مسؤولي الحكومة بنظام الأسد إلى الحفاظ على العقول القادرة على إعادة إحياء الاستثمار بسوريا في الوقت المناسب.

هكذا يسعى هذا التجمع من رجال الأعمال السوريين بمصر إلى إعادة وضع قدمه في السوق السورية، بعد أن انسحب، بمعظم نشاطاته، منها باتجاه مصر، خلال الفترة الماضية.

لكن تدهور أوضاع الاستثمار السوري بمصر بعيد الانقلاب على محمد مرسي، إلى جانب الأفق المستقبلي الذي ظهر لنظام الأسد بعيد اتفاق الكيماوي السوري بجنيف، جعل هذه الفئة من رجال الأعمال السوريين تبحث عن سبل لإعادة إحياء شبكة علاقاتها، التي على الأغلب لم تنقطع تماماً، بمتنفذيي النظام ومسؤوليه.

تأتي خطوة التجمع المذكور في سياق ظاهرة عودة بعض رجال الأعمال السوريين الذين غادروا سوريا، للتواصل مع النظام، علناً، أو بصورة غير مباشرة. ويبدو أن عيون الجميع ترنو إلى لحظة توقف الحرب، وبدء عملية إعادة الإعمار، فالكعكة لحظتها مغرية للغاية، ويحاول كل الناشطين في مجال الأعمال من السوريين في الداخل والخارج البحث عن سبل تأمين مكانٍ لهم في أجواء تلك اللحظة.

وفي نهاية المطاف، يثبت هذا الحدث مرة أخرى، أن همّ الثروة والحفاظ عليها وتثميرها، يبقى الشغل الشاغل لأثرياء سوريا، إلا من رحم ربي. ويبدو أن الشأن السياسي، ومستقبل البلاد، آخر همّ قد يخطر على بال أصحاب الثروات. لا يعنييهم كثيراً أن يصافحوا "أبو البراميل". أو أن يمدّوا "القاتل" بالمزيد من حقن "الشرعية" المجتمعية. همهم الرئيس أن يبحثوا عن مواضع قدمٍ لاستثماراتهم. علّ المستقبل الواعد للحظة إعادة إعمار سوريا يملأ جيوبهم، بعد أن تراجعت سيولات بعضهم بفعل الخسائر في البلاد.

ترك تعليق

التعليق