16 ساعة عمل يومياً...كيف يُنحر الشباب على مذبح الفِرار من الخدمة العسكرية

تعرفت "اقتصاد" على قصّة شابين سوريين يعملان في إسطنبول 14 ساعة يومياً، إضافة إلى ساعتين مواصلات، ليقضوا أكثر من 16 ساعة في جهد متواصل، فيصلون منهكين تماماً إلى سكنهم، وبعد الطعام يلجؤون إلى النوم مباشرة استعداداً ليوم عصيب آخر، مقابل 1200 ليرة تركي (حوالي 600 دولار) شهرياً.

الشابان فرّا من سوريا بعد أن بات لزاماً عليهما الالتحاق بالخدمة العسكرية، كابوس الشباب السوري الذي تحوّل مؤخراً إلى كارثة، فلم تعد الخدمة الإلزامية في الجيش السوري تعني إذلالا، وطعاما سيئا، وظروفا حياتية صعبة فقط، بل أُضيف إلى ما سبق، أن الملتحق بالخدمة اليوم، عليه أن يَقتل أو يُقتل.

لطالما اغترب الكثير من الشباب السوري هرباً من الخدمة العسكرية. اليوم أصبح الأمر ملحاً أكثر، ولم يعد الهرب من الخدمة العسكرية نتاج عدم رغبة الشاب بأن يتعرض للإهانات أو لمرارات الحياة العسكرية، بل باتت القضية فراراً بحياته وبعصمة يده من دم أخيه السوريّ.

لذلك بات على الكثير من الشباب السوري أن يختار بين سيء وأسوأ. وفي حين يجد بعضهم إعانةً من أهل أو أقارب يساعدونهم على الخروج من سوريا وتأمين ظروف معيشية أو مهنية مقبولة، يبقى كثيرون نهباً لضيق الحال، وانعدام المُعين، يُضاف إليها في معظم الحالات، الالتزام بمسؤوليات تجاه الأهل في سوريا، بسبب الظروف المعيشية السيئة التي بات معظم السوريين يعيشون في ظلالها.

قصة الشابين الذين يقضيان 16 ساعة يومياً من حياتهم، فينحرون شبابهم على مذبح الفرار من الخدمة العسكرية، والحاجة للمال لمساعدة الأهل بسوريا، ليست نادرة اليوم. هي قصة باتت تنسحب على الكثيرين.

فؤاد، أحد أصدقاء الشابين المُشار لقصتهما، ما يزال في دمشق، وبعد بضعة أشهر سينتهي آخر تأجيل مُتاح له من الخدمة العسكرية، وهو يعتزم بدوره مغادرة سوريا. وبعد دراسة كل الخيارات، وجد أفضلها الالتحاق بصديقيه للعمل 16 ساعة يومياً، لتأمين مصروفه الشخصي في الغُربة، ولتمويل جزء من مستلزمات حياة أهله بدمشق.

سألناه: "ألم تجد خيارات أفضل؟". أجابنا: "يبدو أن تركيا أفضل الخيارات، رغم الإشاعات التي تتحدث عن أن الأتراك بدؤوا مؤخراً بالتشدد في منح الإقامات، وتراجع ملحوظ في قيمة الليرة التركية، ناهيك عن التضخم في الأسعار، إلا أن تركيا تبقى أفضل الخيارات، فلبنان مزدحم بالسوريين وظروف العمل فيه دون رأسمال محدودة للغاية في ظل منافسة شديدة، والأردن لا يستقبل إلا المستثمرين، أو تذهب إلى الزعتري، ومصر بات السوري بحاجة لفيزا إليها، ويبدو أن السوريين لا يلقون ترحيباً من سلطاتها، ناهيك عن محدودية فرص العمل وصعوبة المعيشة هناك، فمعظم أصدقائي الذين ذهبوا إلى مصر عادوا منها، أو توجهوا إلى تركيا، لأنهم لم يستطيعوا التأقلم مع الحياة فيها".

تضيق الخيارات أمام الشباب السوري، لكن الأبواب لا تُغلق تماماً، ورغم الصعوبات ما تزال الأيدي الشابة السورية تنشط في أسواق دول الجوار لسوريا، بكل السبل المُتاحة، متأقلمين مع الظرف القائم.

سألنا فؤاد: "هل تعتزم تعلم اللغة التركية لكسر الحاجز الأبرز في سوق العمل؟". أجابنا: "المشكلة أنني سأضطر حال وصولي للارتباط بعملٍ بدوامٍ طويلٍ للغاية، كما هو حال صديقيَ، لأن احتياجي للمال ملح، ولأنني لا أعرف التركية حالياً، فسأقبل بأدنى المداخيل الشهرية المتاحة في السوق التركية، وإذا كنت سأقضي 16 ساعة يومياً بين العمل والمواصلات، فهذا يعني أنه لن يبقى لدي أي وقت متاح لتعلم اللغة التركية".

لا نعمّم تجربة فؤاد وصديقيه، فهناك من يعمل في ظروف أفضل، لكن مع غياب رأس المال والمؤهلات المميزة واللغة، في السوق التركية، يبدو أن على السوريّ أن يقبل بظروف عمل عصيبة نسبياً، مقارنة بأقرانه ممن يتمتعون بأحد المقومات السابقة.

هكذا يهدر الشاب السوري أفضل سنوات عمره هرباً من كابوس تحول إلى كارثة مؤخراً، "الخدمة العسكرية"، التي تعني اليوم موتاً للجسد والنفس معاً، أو موتاً للضمير، في أحسن الأحوال.

وتضيع ثروة الشباب في مجتمع لا يملك ربما ثروةً سواها، تلك التي تجتهد مجتمعات أخرى، تُوصف بالمتقدمة، في الحصول عليها، يبدو أن مجتمعنا، والقيّمين على إدارته، لا يقدّرون قيمتها وآثار استثمار حيويتها في بلدٍ بات اليوم يفتقد لمعظم مقومات الحياة الاقتصادية القويمة.

ترك تعليق

التعليق