سوريّ يروي لـ "اقتصاد" قصّة الأبواب المغلقة أمام عائلته إلى تركيا...فقط لأن زوجته فلسطينية

لأن زوجته فلسطينية فقط، عجز عن إخراجها من سوريا، واضطر لترك زوجته وأولاده داخل البلد بظروفها الصعبة أمنياً واقتصادياً، وبات همّه الرئيس كيف يخرج بهم من هناك.

باسم، سوريّ يعمل في دبي، قرّر أن يروي لنا قصة معاناته مع الأبواب المغلقة أمام اللاجئين من فلسطيني سوريا، في معظم بلدان الجوار.

وفي الوقت الذي يدفع فيه السوريّ والفلسطيني (اللاجئ في سوريا منذ عقود) أثماناً متساوية للحرب الدائرة في البلاد، يبقى إمكانية خروج السوريّ بعائلته من الأراضي السورية أمراً أكثر سهولة مقارنةً بفرص الفلسطيني، الذي يتلقى معاملة سيئة في بعض دول الجوار السوري، فيما تُغلق دول أخرى أبوابها في وجهه نهائياً، ونقصد هنا تحديداً تركيا.

باسم الذي يعمل في دبي في ظروف صعبة- نظراً لأنه فشل في الحصول على إقامة، لذا فهو مُخالف قانونياً، وقدرته على التحرك محدودة- ترك زوجته وأولاده في أحد الضواحي القريبة من العاصمة دمشق. ومنذ تفاقم الأوضاع في البلاد، بات حلم باسم الرئيس الهجرة بزوجته وأولاده إلى أوروبا. لكن سبل الهجرة غير الشرعية، بكل ما تتضمنه من مخاطر وأهوال يتعرض لها السوريون اليوم، مغلقة في معظم الحالات أمام فلسطينيي سوريا.

وإن كان فلسطينيو سوريا يعانون من ذات المشكلات التي يعانيها السوريّ في لبنان تقريباً، والتي تجعل حياة المهجّرين من سوريا هناك صعبة للغاية، إن لم يكن هناك قدرة مالية كبيرة، فإن الواقع من هذه الناحية يختلف في الأردن ومصر، إذ يتلقى الفلسطيني في الأولى معاملة متشددة من جانب الجهات الرسمية، وفي الثانية موقفاً شعبياً سلبياً نتيجة ما يُشيعه الإعلام المصري الموالي للسلطات الحالية، حول دور حركة المقاومة الإسلامية – حماس، في دعم الإخوان المسلمين.

وقد اشتق المهجّرون من سوريا خلال السنة الراهنة 2013 سبيلين رئيسيين للهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، الأولى انطلاقاً من الساحل المصري، حيث لقي الكثير من المهاجرين غير الشرعيين إلى جنوب أوروبا حتفهم في الأشهر الأخيرة، ناهيك عن صعوبة دخول السوريين، والفلسطينيين السوريين، إلى الأراضي المصرية في النصف الثاني من العام الحالي، بعد قرارات سلطات الانقلاب على الرئيس المصري محمد مرسي، تشديد إجراءات دخول القادمين من سوريا، عبر اشتراط تأشيرة وموافقة أمنية لا يتم الحصول عليها في غالبية الحالات.

أما السبيل الثاني: فهي عبر تركيا إلى أوروبا الشرقية ومن ثم إلى دول أوروبا الغربية. ورغم كل ما يكتنف هكذا رحلة من مخاطر، فإنها تبقى أكثر أمناً نسبياً، مقارنةً بالرحلة من شواطئ مصر الشمالية. لكن الفلسطينيين حالة خاصة في هذه الحيثية، فهم لا يستطيعون دخول الأراضي التركية إلا بموجب تأشيرة من إحدى السفارات التركية، على خلاف السوريين الذين يستطيعون دخول الأراضي التركية دون تأشيرة مُسبقة.

كان باسم يفكر جدياً في تهريب زوجته وأولاده إلى إحدى الدول الأوروبية عبر الأراضي التركية، لكنه واجه عقبتين متتاليتين: الأولى كانت في جنسية زوجته الفلسطينية، رغم أنه سوريّ الجنسية. إذ يتطلب دخولها إلى الأراضي التركية حصولها على تأشيرة مُسبقة، وقد أخبرنا باسم أن الحصول على التأشيرة من إحدى سفارات تركيا في دول الجوار شبه مستحيل، فهم يتلقون أوراقك، ويتركوك 3 أشهر، ومن ثم يرفضون منحك التأشيرة. أما العقبة الثانية: فتمثلت في تزايد مخاطر الدخول بصورة غير شرعية إلى الأراضي التركية، بعد سيطرة فصائل متشددة على معابر أو مناطق قريبة من المعابر الحدودية مع تركيا.

أخبرنا باسم أن معظم عائلة زوجته من الفلسطينيين خرجوا إلى تركيا بصورة غير شرعية (تهريب). لكنه ألغى الفكرة بسبب الخشية من إجراءات وسلوكيات عناصر "دولة العراق والشام الإسلامية – داعش" التي تسيطر على مناطق قريبة من الحدود التركية.

ورغم أنه لا يجوز لفلسطينيي سوريا أن يدخلوا تركيا دون تأشيرة مُسبقة، إلا أن باسم يعتقد، حسب تجارب أقارب زوجته، أن الأتراك يعاملون الفلسطينيين الذين وصلوا تركيا بصورة غير شرعية، معاملة مقبولة.

للتأكد من تلك المعطيات راجعنا مصادر إعلامية وبحثية مختصة بالشأن الفلسطيني، منها مجلة العودة، مجلة فلسطينية شهرية، لنكتشف بأن فلسطيني سوريا لا يتلقون معاملة مماثلة للسوريّ داخل الأراضي التركية.

ففي عدد قديم للمجلة المذكورة في حزيران الفائت، تفاصيل موسّعة عن رفض رسمي كبير في تركيا لدخول الفلسطينيين من سوريا. ومع دخول هؤلاء بالطرق غير الشرعية، يُصبحون مخالفين للقانون التركي، وبالتالي لا يحصلون على أوراق ثبوتية تركية.

وبعد أن يتجاوز الفلسطيني القادم من سوريا أخطار التهريب عبر الحدود التركية، وأبرزها الوقوع في حالات نصب أو ابتزاز أو إساءة معاملة من جانب مافيات التهريب التي تأخذ في معظم الحالات 700 دولار على تهريب الشخص الواحد، أو أحياناً الإصابة بطلقات رصاص حرس الحدود التركي...يواجه الفلسطيني داخل الأراضي التركية حقيقة أنه مُخالف للقانون، يُحرم من العمل بصورة قانونية تحفظ حقوقه في حياة كريمة، ويُحرم من التأمين الصحي (العلاج المجاني)، كما ويعيش دوماً هارباً من شبح الاعتقال لأنه لا يحمل أوراق إقامة نظامية.

باسم يفكر الآن جدياً، كما أخبرنا، أن يعمل بجهد كبير في دبي، لبضعة أشهر، لتأمين سيولة مالية، يقوم باستخدامها للمرور إلى أوروبا بصورة غير شرعية، بنفسه، ومن ثم يجلب أسرته لاحقاً.

بطبيعة الحال، يكتنف طريق باسم الكثير من المخاطر والهواجس، أقلها أنه لا يملك إقامة نظامية في دبي، ناهيك عن مخاوفه على أسرته في ظل الأوضاع المضطربة وظروف المعيشة الصعبة في العاصمة وريفها، انتهاء بمخاطر الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا والاحتمالات العالية لفشلها، ومن ثم، في حال نجاح المحاولة، عليه أن ينتظر أشهراً عديدة قبل أن يستكمل الشروط والأوراق القانونية المطلوبة لجلب أسرته إلى البلد الأوروبي الذي سيتمكن من اللجوء إليه.

يخبرنا باسم أن الشرط الوحيد لنيل الفلسطيني السوريّ تأشيرة سريعة لتركيا، هو أن يتمتع بإقامة نظامية في دولة أخرى، خاصة لو كانت من دول الخليج، بغير ذلك لا يستطيع أي فلسطيني سوريّ أن يدخل الأراضي التركية.

وكان بعض النشطاء ووكالات الأنباء المغمورة قد تداولوا خبراً، في نهايات الشهر الفائت، يُفيد بأن الخارجية التركية سمحت بدخول الفلسطينيين للأراضي التركية دون تأشيرة أو فيزا، وهو ما نفته وزارة الخارجية بحكومة حماس في قطاع غزة، فيما أكّد سفير السلطة الفلسطينية (فتح) بتركيا أن هناك مشاورات مع الأتراك بخصوص إلغاء التأشيرة للفلسطينيين إلى تركيا، لكن سلطات الأخيرة تشترط توقيع اتفاقية بين تركيا والسلطة الفلسطينية بإلغاء التأشيرة، ويتبع ذلك توقيع اتفاقية أخرى تتمثل "بالترحيل"، والتي تقضي بحق الدولة التركية منع دخول فلسطينيين وترحيلهم من على الحدود التركية، إن لم ترغب الدولة باستضافتهم، ناهيك عن الخلافات حول من هم الفلسطينيون الذين بإمكانهم دخول تركيا: أهم فلسطينيو الضفة أم غزة أم القدس، وهل سيشمل ذلك اللاجئين الفلسطينيين في الدول العربية، ومنها سوريا؟

في ظل التعقيدات السياسية والبروتوكولية الجاثمة على صدور الفلسطينيين في بلدان الشتات، يتعرض من بقي من لاجئي مخيم اليرموك في سورية -20 ألفا- للموت جوعاً بسبب نقصٍ في المواد الغذائية والأدوية والإسعافات الأولية في مستشفيات المخيم. وبلغت الحصيلة الأخيرة لضحايا الجوع 15 لاجئاً حسب تقديرات الأونروا.

وهكذا يبدو أن من المقدّر للجيل الراهن من الفلسطينيين أن يعيشوا مرارات الحرب وحياة المخيمات والتشرد، كما عاشها جيل آبائهم في نكبة 48 ونكسة 67، لكن هذه المرة مع أخوة لهم في حياة اللجوء، من السوريين.

ترك تعليق

التعليق