من جُيوبنا صُنع، وبه قُتلنا، وبأموالنا سيُتلف...مُفارقات "الكيماوي السوري" بكل ما فيها من "درامية"

رغم أن الدول الداعمة لاتفاق جنيف "الكيماوي" بين روسيا وأمريكا، كانت قد تعهدت بتمويل الصندوق الائتماني الذي أُنشئ بغرض تغطية تكاليف عملية تدمير الأسلحة الكيماوية السورية، إلا أن هذه الدول، خاصة الأوروبية منها، تتنصل اليوم من تعهداتها، لتُفرج عن أجزاء من الأموال السورية المجمدة، والعائدة للبنك المركزي السوري وبعض المؤسسات العامة السورية، لصالح تمويل عملية تدمير السلاح الكيماوي.

وقد أعلن الاتحاد الأوروبي مؤخراً الإفراج عن 12 مليون يورو لتمويل عملية إتلاف "الكيماوي السوري". أي أن هذا السلاح الذي صُنّع على مدار عقود، بتمويل غير معلن من جيوب السوريين، وبعد أن استُخدم لقتل السوريين، للمفارقة، يُدمّر اليوم بتمويلٍ من جيوبهم، وبالاعتماد على الأموال العامة العائدة لهم، والمجمّدة في بنوك الغرب.

تُقدّر منظمة حظر الأسلحة الكيماوية تكلفة برنامج تدمير السلاح الكيماوي السوري بما بين 25 – 30 مليون يورو. لكن أحداً من المسؤولين الغربيين المعنيين بهذا الملف، لم يتحدث علناً بعد، عن حجم ما سيُقتطع من أموال السوريين المجمدة في الخارج، لتمويل هذه العملية.

وبعد أن شرعن اتفاق "الكيماوي" وجود نظام الأسد، حتى إتمام إتلافه على الأقل، حتى ولو على جثث السوريين، ها هو الغرب، الذي يتحدث عن دعم الشعب السوري، يقتطع من أمواله ما يموّل به تدمير السلاح الذي قُتل به السوريون، وشُرعن بواسطته وجود قاتلهم حتى منتصف العام الجاري، على الأقل.

الخارجية السورية الناطقة باسم نظام الأسد اعترضت على القرار الأوروبي سابق الذكر، وأشارت إلى أن الاتفاق مع منظمة حظر الأسلحة الكيماوية كان يقوم على تمويل نشاطها في سوريا بصورة طوعية من الدول الممولة عادةً للمنظمة. اعتراضات الخارجية السورية جاءت صارخة ومتسائلة، لماذا رُفع الحجز عن الأموال السورية المجمدة لتمويل إتلاف الكيماوي بكل هذه السلاسة، ولم تُرفع لتمويل صفقات شراء الأغذية للشعب السوري، إلا بشق الأنفس؟!

لكن تساؤلات خارجية "النظام" لم تتحدث عن حجم الفساد الذي أقرت به وسائل إعلام موالية في صفقات شراء الأغذية بالاعتماد على الأرصدة السورية المجمدة في الخارج. فرغم كل البؤس الذي يحياه السوريون اليوم، إلا أن مسؤولي النظام، حتى التكنوقراط منهم، يأبون إلا أن يمارسوا هوايتهم في سرقة السوريين.

بطبيعة الحال، يمكن لنا أن نفهم استياء النظام من القرار الأوروبي، من منطلق: "بأي حقٍ تُشاركونا في سرقة شعبنا؟".

لكن المفارقة تكتمل، والدراما تُنسج، عندما نعلم أن شركات غربية تنافست لاقتناص صفقة تدمير السلاح الكيماوي السوري، أيّ أن شركات غربية ستربح من وراء هذه الصفقة، التي كانت شرارة إطلاقها فجر يومٍ قرر فيه بشار الأسد أن يُبيد مئات السوريين دفعةً واحدةً في غوطتي دمشق.

والسؤال الملح الذي يطرح نفسه: هل عجزت مؤسسات الغرب المالية عن تقصّي مكامن أرصدة بشار الأسد وعائلته وأقاربه والمتنفذين المحسوبين عليه، في بنوك الغرب وباقي دول العالم، وتجميدها، واقتطاع تكاليف إتلاف الكيماوي منها، بدلاً من القيام بذلك عبر الأموال السورية العامة؟....رغم أن أموال الأسد وعائلته أيضاً هي أموال منهوبة من السوريين في نهاية المطاف، لكن على الأقل، ليست أموال عائدة لمؤسسات حكومية سورية، سيأتي يوم تحتاج إلى كل قرش لإعادة بناء وإعمار ما دمرته حرب بشار، التي يواصل الغرب غض الطرف عنها.

وتستمر المفارقة، منظمة حظر الأسلحة الكيماوية تعلن عن استدراج عروض، و14 شركة تستجيب...هي "صفقة"، وتجارية أيضاً، من أموال السوريين تُموّل، وعلى حساب دمائهم تُعقد.

ومن ثم تفوز شركتان، أمريكية وفنلندية، في استدراج العروض، وتوقّع معهم عقود.

إذ ستقوم الشركتان الفنلندية "ايكوكم" والأميركية "فيوليا انفايرونمنتال سيرفيسز تكنيكال سوليوشنز"، فرع الشركة الفرنسية "فيوليا"، بتدمير قسم من الـ500 طن من المنتجات الكيمياوية من "فئة 2" التي أعلن عنها نظام الأسد.

وستدمر الشركة الفنلندية، أيضاً رواسب كيمياوية، أي النفايات التي ستنجم من عملية إتلاف العناصر الكيمياوية على متن السفينة الأميركية "كيب راي".

هكذا تشتغل الصفقات، ويربح الغرب من حرب سوريا، فيغتاظ النظام، فهو يريد كل الأرباح له، ويذهب السوريون ضحايا لا جدال حول "ديتهم" في هذا السياق.

وفي هذا السياق، قد تكون إحدى المفارقات أن المعارضة السورية، ممثلةً بـ "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة"، لم تنبس ببنت شفه، حتى الآن، بخصوص قرار الاتحاد الأوروبي تمويل عملية "إتلاف الكيماوي" من أموال سورية عامة مجمّدة لديه....ربما لأن "الائتلاف" ليس ممن له باع في "الصفقات" التجارية، أو أن التمويل الغربي قادر على "إخراس" الألسن. بهذا الصدد، إن كان ليس في اليد حيلة، فعلى الأقل، بيان استنكار، كي لا نشعر بمرارة غياب تلك البيانات المدموغة بماركة "العرب" بامتياز، على الأقل.

وبكل الأحوال، يمكن أن نختم تلك المفارقات الدرامية، بواحدة أخيرة، حول مرفأ إيطالي من المتوقع أن ينتعش "إعلامياً"، ويستفيد "مالياً"، جراء استضافته عملية نقل الأسلحة الكيماوية السورية على متن سفينة كايب راي الأمريكية المكلفة بإتلاف تلك الأسلحة وسط البحر الأبيض المتوسط.

وهكذا يبدو أن الجميع سينتعش ويستفيد، النظام حصل على مهلة إضافية، وشرعية داعمة، والغرب تخلص من كابوس "الكيماوي السوري" الذي كان يُؤرق أمن إسرائيل، وروسيا قدمت نفسها على أنها لاعب دولي فاعل، وشركات ومرافئ غربية استفادت مالياً،...ويبقى السوريون، أبرز من دفع الثمن للجميع.

ترك تعليق

التعليق