"اقتصاد" تنقل شهادة سوريّ في تجربة مع السفارة بعمّان

بِحكمِ كثرة معاملات السوريين الرسمية واحتياجهم المتكرر للتعامل مع سفارات بلدهم في دول الجوار السوري، قرّرت "اقتصاد" أن تكرر تجربة عرض قصص السوريين وكيفية تعامل موظفي سفاراتهم معهم أثناء إجرائهم للمعاملات الرسمية التي يحتاجونها، بغية تعميم التجربة للفائدة، كما فعلنا في تقرير سابق عرضنا فيه تجارب سوريين مع سفارة بلدهم في القاهرة. لكن هذه المرة فضّلت "اقتصاد" أن تعرض تجربة شاب سوريّ مع السفارة بالعاصمة الأردنية عمان، كما رواها بنفسه، وبألفاظه تقريباً.

ورغم أن رواية المصدر (الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه)، لا تحمل أية معطيات استثنائية، إلا أن تفاصيلها الدقيقة قد تفيد من لهم معاملات مُحتملة في السفارة السورية بالأردن، لاختصار الطريق عليهم، ومنحهم المعلومة، دون الحاجة لخوض عدة تجارب للحصول عليها، كما حصل مع مصدرنا، الذي روى لنا تفاصيل قصته مع أحد معاملاته الرسمية هناك.

نترككم مع شهادة المصدر، حسب روايته:

"حان وقت تأجيل العسكرية وكان لا بد لي من استصدار سند إقامة من السفارة السورية في الأردن، ضبطت المنبه باكراً على الساعة الخامسة صباحاً ظناً مني أني سأنال نصيب الأسد، وسأتصدر الدور أمام السفارة. كان ذلك في أواخر شهر كانون الثاني وكان يوم أربعاء تحديداً. شددت الرحال صباحاً لأتفاجأ بوجود حوالي 15 شاباً بين وقوف، وبين من هو بوضع القرفصاء، يحاول لملمة جسده على نفسه مُتقياً الجو البارد الجاف فجراً. بحثت عن الشاب الذي يسجّل أسماء الموجودين في قائمة -وهو عادة يكون أول من يصل باكراً إلى باب السفارة- أعطيته اسمي وتأكدت من رقمي....وها أنا بانتظار أن تأتي الساعة التاسعة ...عندما حانت الساعة الثامنة والنصف صباحاً اقترب الدركي الأردني الذي يأخذ ورقة الدور من الشاب ليبدأ بتنظيم الدور (الدركي يعلم ونحن نعلم أنها ليست مهمة الدركي بأي حال من الأحوال). ذلك الدركي الأردني عموماً، الذي يمتص غضب الداخلين والخارجين من السفارة بعبارات (بدك تطول بالك .. يالله بيعينك الله .. الله يكون معك .. معلش بتهون)، وفي نفس الوقت ينفذ ما هو مطلوب منه من ضبط الأمن والنظام عند باب السفارة. يبدأ الدركي بتنظيم الدور....دور لمن يريد أن يستلم جواز سفر، وآخر لمن يريد أن يصدّق وثيقة، وآخر لتسجيل الولادة...سألت عن الدور الذي يجب أن أقف عنده لتقديم طلب سند الإقامة ليخبرني بأنه يتوجب علي القدوم أيام الأحد أو الاثنين أو الثلاثاء...لم أكن أتوقع ذلك، وبنفس الوقت لم أثق بكلامه لأني توقعت أني أعلم أكثر منه بالأمور التنظيمية في السفارة...لأكتشف لاحقاً، ومن لوحة الإعلانات، بأنه كان صادقاً معي...أعود إلى عملي الذي كنت قد أخذت إجازة ساعية منه.
عدت في يوم آخر مناسب لأقدم طلب من أجل سند الإقامة...المهم أن يكون الترتيب في الدور لا يزيد عن الرقم (10)، وإلا قد تنتظر للساعة الثانية عشر ظهراً، بسبب دخول (الواسطات والمعارف والمحسوبيات) أمام الجميع في الدور، وهم يشكلون تقريباً 25% من مجمل القادمين للسفارة. تقدمت بأوراقي وجواز سفري إلى الموظف على النافذة الخارجية ليعطيني ورقة لأملأها..ورقة كتب عليها: أنا الموطن ... ابن .... والدتي .... تولد .... خانة .... رقم جوازي .... مكان إقامتي في سوريا .... رقم هاتفي سوريا .... مكان إقامتي في الأردن ... رقم هاتفي في الأردن .... وهي معلومات كررتها مراراً عند أغلب زياراتي للسفارة، وأحزن إذا كانوا لا يُخزّنون هذه المعلومات في مكان ما لاستعادتها. أعدت الورقة للموظف -طبعاً هنا يجب أن أقف مرة أخرى على الدور- ليعطيني إيصالاً فيه تاريخ المراجعة ويطلب مني 4 دنانير ... أعطيته 10 دنانير .. فطلب مني جلب فراطة، قلت له سجّل على النصف الآخر من الإيصال الذي يبقى عندك -أن يسجل بأنه يبقى لي 6 دنانير- وهو أسلوب يُتبع للتخلص من عملية البحث عن فراطة- وعدت إلى عملي محتفظاً بهذا الإيصال الذي سأحصل به لاحقاً على جواز السفر وسند الإقامة.
وفي اليوم الموعود قررت القدوم باكراً لأكون من بين الخمسة الأوائل في الدور الصباحي ... كنت عند باب السفارة الساعة الرابعة والربع فجراً لأكون أول الواصلين، ويبدأ الشباب بالقدوم تباعاً. ولأُوكّل بكتابة أسماء الدور، وهي عملية قد تبدو جميلة لكنها لم تكن كذلك، لأن المراجعين يسألون أسئلة تفصيلية عن معاملتهم، معلومات لا يحصلون عليها بسهولة من السفارة، معلومات نتناقلها فيما بيننا بالخبرة والتجربة. وعندما كانت الساعة الثامنة والنصف يطل علينا رجل أربعيني من داخل السفارة، يرتدي بدلة و"جرافة" جميل الطلة، رزين، يمشي بجواره دركي أردني، ليبدأ الرجل بالتمتمة ويهجم الجميع لعنده لمعرفة ماذا يقول، كانت محصلة ما سمعته مع محصلته ما نقله لي من سمعه، بأنه ليس كل من عنده دور اليوم حسب الإيصال سيحصل على معاملته المطلوبة وعليه القدوم الأسبوع القادم، وبأن المعاملات تحولت من الدينار الأردني، إلى الدولار الأمريكي "المختوم"، لم أعرف حتى الآن ما معنى دولار مختوم!!، وعلى ما يبدو بأن معاملتي التي كانت بـ4 دنانير ستصبح بما يقارب الـ30 دولار "مختوم". كان يتحدث بطريقة لبقة، كان يتحدث بمهنية تتخطى لباقة ومهنية ممثلي النظام في جنيف ... تتخطاها بشكل واضح ... تتخطاها بمراحل ... حاول الإجابة على أسئلة الشباب الذين بدأو بالتدافع ثم عاد إلى السفارة. كانت معاملتي من المعاملات التي أُجلت للأسبوع القادم، لكني لم أقبل بأن يذهب استيقاظي الباكر وتفويتي لصلاة الفجر هباء. وقفت في أول الطابور متظاهرا بأني لم أسمع ما قاله هذا المجهول المهندم. وعند وصولي إلى النافذة قدمت الإيصال إلى الموظف وعيناي تقطران براءة علّي أستجلب استعطافه .. (يصبحك بأنوار النبي) بادرته بالكلام ... ليرد لي الإيصال قائلاً (تعا الاسبوع الجاي) ... لم ألتمس منه لهجة محددة ... أشرت له بإصبعي على مكان التاريخ الموافق لليوم قائلاً بأن دوري اليوم، لينتفض بوجهي من "صباحيات الله" وبِملء حنجرته قائلاً (قلتلك الأسبوع الجاااااااااااااااي) ... كان زجره مهيناً ومخزياً، تمنيت أن أشتمه وأهرب، لكنني أعلم وهو يعلم بأني رقبتي بين يديه.
لاحظت من زياراتي إلى السفارة، بأننا نحن السوريين لا نحترم الدور، قد يصل أحدهم متاخراً، لكنه لا يفوّت محاولة كسر الدور أو القفز أمام الجميع والمطاحشة، لعله يحصّل مراده، ويكون هو الشخص (الحربوء) ناسفاً ما قامت الثورة لأجله. دائما النساء يدخلن بدون دور أو انتظار وهو أمر جميل ... لولا أن الشاب أصبح يحضر مع أمه أو أخته الساعة الواحدة ظهراً ليدخل و"يمشّي" معاملته هو (قريبته مجرد كرت VIP للدخول). يحاول الموظفون التعامل بمهنية، لكنهم لا يمتنعون عن ممارسات مخابراتية، كأن تحاول أن تستعطف البواب لتسأله سؤال قد يغنيك عن الانتظار لتعود إلى أعمالك ...لكن بعد الإلحاح للبواب ... ينظر البواب في عينيك ليسألك ( شو إسمك أنت شو إسمك) لتعرف بأنه ليس يوم سعدك وعليك المحاولة في يوم آخر لأنه (حفظك وحطك براسو). لا يوجد أي مصدر يساعدك في الحصول على المعلومات عدا التجربة والاختبار والنقل والإسناد في الأخبار... واللوحة الإعلانية التي يصعب الاقتراب منها إلا بعد أن تاخذ دور وتصل إلى تلك اللوحة عن طريق الصدفة".


 

ترك تعليق

التعليق