المحاصرون بين طعنات النظام ولوردات الحروب..

أمعاؤهم الخاوية، وقهر عيونهم، قاسم مشترك لمشاهد يتغير مكانها ولا يختلف مضمونها، نفس الوجع يعيشه أبناء مخيم اليرموك المنتظرون عند شارع راما، وهو ذاته الذي يعيشه الخارجون لتوهم من حصار حمص، جميعهم منكسرون، والنظام ليس وحده من يقف وراء قهر جموعٍ بالأمس كانوا أشداء يهتفون لإسقاط النظام، وينشدون الحرية.

في فترة سابقة من الحصار وعند اشتداد المعارك على جبهة العتيبة من الغوطة الشرقية، ما لبثت أن انتشرت البضائع، حتى "البسكويت"، أصبح متوفراً والسبب كان في نبأ احتمال كسر الحصار مع فتح طريق العتيبة.

في الحصار ظهر "لوردات الحروب"، تاجروا بجوع الناس وشقائهم، ما لبثت بعض المناطق أن أعلنت هدنتها حتى خرج منها الآلاف، هاربين من الجوع ومن الظلم أيضاً، فمن شرقي حرستا "التابع للغوطة الشرقية" والذي لم يدخل في هدنةٍ مع النظام بعد، إلى غربي حرستا "الذي ضمته القابون إلى هدنتها"، يخرج مئات الأشخاص يومياً، غالبيتهم من الفقراء، حسب ما تقول ناشطة في حرستا فضلت عدم ذكر اسمها، كل من له بيت في الغربية ذهب إليه حتى لو كان مدمراً، ومنه ممكن أن يخرج إلى دمشق.

وتؤكد الناشطة، أن الناس لم تكن ستخرج من هنا لولا ما تراه من تجارةٍ في دمائها، هناك ألوية في الغوطة الشرقية توزع على عناصرها الطعام "رز برغل عدس"، الذي يعد حلماً بالنسبة للمحاصرين هنا، وتمنعه عن المدنيين، لديها مخازنها والناس تتضور جوعاً، أليس هذا ظلم للناس؟.

تتساءل الناشطة وتجيب، المحاصرون كان يمكنهم الصمود، لكن إلى جانب عدم قدرة بعض الكتائب المقاتلة على حمايتهم من الموت، هي تتجاهل مطالبهم بالحصول على الطعام بشكلٍ عادلٍ ومنصف وهذا أضعف الإيمان.

وبعض التجار يتحالفون مع بعض الكتائب، التي من خلالها يستطيعون إدخال المواد وبيعها بأسعارٍ خيالية، ولا يوجد جهة أو قوة يمكنها أن توقف التجار أو الكتائب عند حدها، وحتى المجالس المحلية تضطر للتعاون مع التجار لتأمين بعض المواد، كما في بعض الأحيان تعقد بعض الصفقات مع النظام لإدخال الشعير ولو بأسعارٍ عالية جداً، ونتيجة كل ذلك تقول الناشطة، إنه ورغم رفض الاستسلام للنظام، لكن الفقراء هنا باتوا يتساءلون لماذا لا نوقع على هدنة مع النظام؟، وليس خنوعاً للنظام، لكنه هرباً من الظلم الذي تعيشه الحاضنة الشعبية هنا.

ولم يكن خبراً عابراً اقتحام المدنيين لأحد المخازن في عربين، والذي ظهر فيه مواداً غذائية منتهية الصلاحية، في الوقت الذي لا تجد فيه الناس ما تأكله.

والحال في الغوطة لا يختلف كثيراً عن باقي المناطق المحاصرة، 4000 مدني خرجوا من ببيلا خلال الأيام القليلة الماضية، رقم له دلالاته تشير بأن الناس لم يعد بمقدورها الصمود، ففي جنوبي دمشق أيضاً، تجارة الجوع انتشرت في أشهر الحصار، وتساءل أحد المدنيين يوماً لماذا لم يمت أحد من المقاتلين بفعل الجوع؟، سؤال مشروع إنسانياً، لمن يرى من حمل السلاح عن قناعةٍ بالثورة أو دون قناعة، يختزن الطعام ويعيش الآلاف منتظرين موتهم جوعاً.

حتى تجارة العملة دخلت إلى مخيم اليرموك في فترة الحصار، حسب ما يقول الناشط أبو وليد في المخيم، مضيفاً أنه لا يمكن للمخيم أن ينسى كل من تاجر بدمائه، حتى السلل الغذائية عندما بدأت بالدخول هناك من تاجر بها، وإلى اليوم ما زال هناك من يموت جوعاً رغم دخول السلل التي لم توزع بشكلٍ عادل، هناك عائلات إلى الآن لم تحصل على مساعداتها، وما زال التجار يحصدون ملايين الليرات يومياً نتيجة جوع المحاصرين.

ترك تعليق

التعليق