"اقتصاد" تنشر أبرز مضامين بحث "النظام الإحصائي" الصادر عن "مجموعة عمل اقتصاد سوريا"

أولوية كبيرة ستحتلها المعلومة الإحصائية في مرحلة إعادة الإعمار.

يتمتع المكتب المركزي للإحصاء بالاستقلالية نظرياً، لكن الجهات السياسية تُقصي استقلاليته عملياً.


عدد العاملين في المجال الإحصائي 2800 شخصاً في القطاع العام، نصفهم بتحصيل جامعي.


التدريب، وخصوصاً الخارجي، لا يستخدم وفق معايير تخدم العمل الإحصائي، وإنما وفق معايير تدخل ضمن نطاق الفساد والمحسوبيات والشللية.


تنعدم الثقة بالرقم الذي يصدره المكتب المركزي للإحصاء، وخصوصاً المتعلق بمؤشرات الاقتصاد الكلي مثل معدلات البطالة والتضخم والفقر.


أصدرت "مجموعة عمل اقتصاد سوريا"*، برئاسة د. أسامة قاضي، مساعد رئيس الحكومة المؤقتة، تقريراً جديداً في سلسلتها "الخارطة الاقتصادية لسوريا الجديدة"، يتناول هذه المرة النظام الإحصائي في سوريا.
ويتناول التقرير البحثي المذكور لمحةً عن واقع النظام الإحصائي السوري الراهن، والجهات المكونة له. ومن ثم أجرى مراجعةً للإطار القانوني والمؤسساتي الناظم للجهاز الإحصائي في سوريا، أرفقه بتحليل مفصّل لنقاط القوة ونقاط الضعف، والفرص والتحديات.

واختُتم التقرير بتقديم رؤية لبناء نظام إحصائي وطني عصري، قادر على تلبية متطلبات المرحلة القادمة من الأولويات والتحديات، عبر تحديد أهداف قصيرة الأجل (إسعافية لستة أشهر)، ومتوسطة الأجل (انتقالية لسنتين)، وطويلة الأجل (لخمس سنوات).

أهمية الرقم الإحصائي في مستقبل سوريا

وترجع الأهمية الاستثنائية لتطوير النظام الإحصائي السوري، في نظر معدّي التقرير، إلى الأولوية الكبيرة التي ستحتلها المعلومة الإحصائية في مرحلة إعادة الإعمار، ومن ثم الاندماج بالاقتصاد العالمي. إذ سيزداد الطلب على البيانات الإحصائية، وستتفاقم الحاجة لتوفير نطاق واسع من المؤشرات القادرة على تأمين وصف دقيق للآثار الاقتصادية والاجتماعية لمختلف السياسات والإجراءات الحكومية.

آخر الإحصاءات عن سوريا...قبيل الثورة

بموجب إحصاءات عام 2011 بداية الثورة، فإن عدد سكان سوريا كان يقدّر بحوالي 24 مليون ونصف المليون نسمة، بنسبة نمو طبيعي تعادل 2.4% سنوياً، أي بزيادة نصف مليون نسمة كل عام، وبمعدل أربعة أطفال لكل امرأة سورية، والهرم السكاني فتي نسبي: 27.1% دون 15 سنة، و58.8% لمن هم بين (15-65)، ونسبة 4.1% لمن هم فوق 65 سنة. وبلغ معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي 3.4%، ومساهمات القطاعات الاقتصادية كما يلي : الزراعة 16.3%، الصناعة 23.7%، التجارة 20.1%، الخدمات الحكومية 14.1%، باقي القطاعات 25.8%. أكثر من نصف السكان يقيم في المدن، وتعتبر مدينة حلب أكبر المدن السورية، ويتوزع السكان على 14 محافظة.

مكونات الجهاز الإحصائي السوري

يتكون الجهاز الإحصائي من عدة جهات رئيسية تقوم بإنتاج الرقم الإحصائي أهمها: المكتب المركزي للإحصاء، ويعتبر الجهة الرئيسية المخولة بذلك. كما تتواجد بعض الجهات الحكومية مثل البنك المركزي ووزارة المالية، اللذين يهتمان بالجانب المالي والنقدي في سوريا.

نقاط القوة ونقاط الضعف في النظام الإحصائي السوري

• في الجانب التشريعي:

1- توجد تشريعات تحكم العمل الإحصائي وأخرى تؤكد عليه في مؤسسات القطاع العام، وتلزم هذه القوانين بنشر الإحصاءات في الإدارات والجهات العامة، كما وتنص على تبادل المعلومات مع المنظمات الدولية.

2- يمنح التشريع المكتب المركزي للإحصاء المركزية في التنسيق بينه وبين الجهات والوزارات المعنية بالرقم الإحصائي، لكن من الناحية العملية لا يتم الالتزام بهذا الدور في أحيان كثيرة.

3- يتمتع المكتب المركزي للإحصاء بالاستقلالية الكافية من الناحية النظرية، لكن من الناحية التطبيقية فإن الجهات السياسية تتدخل في أداء المكتب وتُقصي استقلاليته جانباً.

4- يقتصر مجلس الإدارة في المكتب المركزي على ممثلين للقطاع العام، ويُهمل القطاع الخاص والمجتمع الأهلي.

5- لا يوجد تنسيق بين الدوائر الإحصائية في الوزارات والمحافظات والمكتب المركزي للإحصاء، كونها تتبع له فقط من الناحية الفنية.

6- يتم النشر فقط في الإدارات والجهات العامة، ولا تأخذ موازنة المكتب المركزي للإحصاء العمليات الموجّهة للقطاع الخاص بعين الاعتبار.

7- عدم وضوح العلاقة بين الباحثين في المكتب المركزي للإحصاء مع الموظفين الآخرين في الدولة، مثل موظفي المالية أو البنك المركزي.

• في جانب البنى التحتية:

1- يمتلك المكتب المركزي للإحصاء عدد مناسب من الأجهزة الحاسوبية تغطي أغلب الموظفين المختصين، وتكاد تغطي 50% من الموظفين، إضافة إلى شبكة محلية تربطه مع المديريات في المحافظات، والمكاتب التابعة له ومعاهد الإحصاء التابعة له. لكن عملياً، لا يتم استخدام الشبكة الحاسوبية الداخلية بشكل فعال.

2- عدم وجود قواعد بيانات لتخزين البيانات، حيث تخزن البيانات في البرامج الإحصائية والبرامج غير المتخصصة.

3- عدم وجود بوابة خدمية تفتح للمواطنين لتقديم الخدمات والأرقام الإحصائية، إنما تقتصر على موقع الكتروني بسيط يوزع الأرقام الجاهزة فقط، ولا يخضع الموقع إلى الصيانة وتحديث البيانات بشكل دوري.

4- توزع المكتب المركزي للإحصاء على منطقتين مختلفتين في مدينة دمشق يمنع إمكانية التواصل والتنسيق بشكل سريع.

• في جانب الموارد البشرية:

1- عدد العاملين في المجال الإحصائي 2800 شخصاً في القطاع العام، نصفهم بتحصيل جامعي، والنصف الآخر من ذوي الخبرة (فنيين). كما يوجد مثل هذا العدد من موظفي الدعم الإداري.

2- يقدم المكتب المركزي للإحصاء بعض التدريب قصير الأجل لموظفي الإحصاء في الوزارات، لكن الجهات الدولية تقدم تدريب بسوية عالية،ـ وبشكل خاص في حالات تنفيذ المسوح الجديدة. والمشكلة أن التدريب، وخصوصاً الخارجي، لا يستخدم وفق معايير تخدم العمل الإحصائي، وإنما وفق معايير تدخل ضمن نطاق الفساد والمحسوبيات والشللية، ولا يتم ربط التدريب مع المهام الملقاة على عاتق الموظف، ناهيك عن عدم الاستفادة من الخبرات والتدريب في تنفيذها على أرض الواقع.

3- تدني الإنتاجية إلى درجة كبيرة، حيث تشكل كتلة الرواتب والأجور نسبة كبيرة من ميزانية المكتب دون نظام حوافز يستند إلى مهارة الأداء.

4- عدم وجود توزيع فعال للعاملين في مجال الإحصاء على مستوى القطر، حيث يوجد نصف العاملين في هذا المجال في وزارة الزراعة. ولا يتم توظيف العاملين على مبدأ توصيف الوظائف ووفق متطلبات العمل، لذلك هناك مهارات جيدة من الشباب لا تستثمر بشكل جيد.

• من حيث المنتجات الإحصائية:

1- عدم نشر البيانات بصورة تتوافق مع المعايير الدولية، وعدم تخديم القطاع الخاص بالبيانات الإحصائية.

2- يتم نشر المخرجات الإحصائية بطريقة تمكن من الاستفادة منها في النظام العام لنشر البيانات الإحصائية المعتمد لدى صندوق النقد الدولي.

3- تضع بعض المنظمات المهتمة بالإحصاء بعض المعايير لجودة الرقم الإحصائي عندما تموّل بعض المسوحات، مما يؤدي إلى الارتقاء بنوعية العمل. لكن لا يتم الالتزام بإجراء المسوحات حسب برنامج محدد وحسب رؤية واضحة تخدم عملية التنمية، ناهيك عن التأخر في إصدار المؤشرات والبيانات الحكومية، ونتائج المسوح، حيث تصدر بيانات الميزانية الحكومي المركزية بعد سنتين من الوقت المسوح به في أحسن الأوقات.

4- ينشر المكتب المركزي للإحصاء نتائج العام للسكان والمساكن وحصر المنشآت والتعداد الزراعي، كما يزود المكتب مستثمري البيانات بالأرقام المتاحة عن طريق الأقراص الليزرية. وينشر نتائج المسوحات الدورية وغير الدورية وبعض التقارير الخاصة بالاقتصاد الكلي ووضع القطاع الخارجي، ومؤشرات الصناعة التحويلية والتعليم والصحة.

• من ناحية العلاقة بين الشركاء والثقة بالرقم الإحصائي:

يعتبر النشاط الذي تقوم به مديريات الإحصاء في الوزارات من وجهة نظر وزارتهم غير مهم، وتنعدم الثقة بالرقم الذي يصدره المكتب المركزي للإحصاء، وخصوصاً المتعلق بمؤشرات الاقتصاد الكلي مثل معدلات البطالة والتضخم والفقر.

الفرص

يشكل وجود بعض العوامل الخارجية فرصة للنظام الإحصائي يمكن استثمارها في المرحلة المقبلة، وهي على الشكل التالي:
يوفر المناخ الثوري فرصة لتطوير العمل في النظام الإحصائي في سورية، إذ من المتوقع أن يؤدي هذا المناخ إلى زيادة إدراك راسمي السياسات وصانعي القرار والمخططين لأهمية البيانات والمعلومات الإحصائية، إلى جانب توفير البيئة المناسبة للعمل الإحصائي، وإصدار قانون عصري وشامل للإحصاءات وفق أفضل الممارسات الدولية. وتوفر عملية إعادة الإعمار في جميع مؤسسات القطاع العام فرصة كبيرة لتقوم كل مؤسسة حكومية بإنشاء وحدة مختصة بإنتاج وتوفير البيانات الإحصائية اللازمة لرسم سياساتها وصنع قراراتها، خاصة في ظل الاهتمام الدولي بموضوع تطوير الإحصاءات وتحسين جودتها، وإجراء المقارنات الدولية.

التحديات

1- بقاء الوضع العسكري الحالي، وعدم توفر وضع أمني مستقر.
2- بقاء النظرة للنظام الإحصائي على حالها.
3- بقاء التشريعات القائمة.
4- استمرار ضعف الوعي بأهمية البيانات الإحصائية خاصة بين راسمي السياسات وصانعي القرار.
5- استمرار تبعثر الجهود وعدم التنسيق بين المنتجين من جهة، وبين المستخدمين من جهة أخرى.
6- عدم توفر التمويل اللازم لتطوير النظام الإحصائي.
7- استمرار تسرب الكفاءات العاملة في مجال الإحصاء، واستمرار ضعف الحوافز.

كيف نؤسس لنظام إحصائي وطني عصري؟

الأهداف: تقسم إلى ثلاثة مراحل: المرحلة الإسعافية وتمتد لست أشهر، المرحلة المتوسطة لسنتين، والثالثة طويلة نسبياً وتمتد لخمس سنوات.

أبرز أهداف المرحلة الإسعافية (ستة أشهر)

مُكرسة لتوفير البيانات من أجل رسم خارطة الخراب والدمار الذي نتج عن الحرب، من أجل التعويض وإعادة البناء والتسامج الاجتماعي. وتزويد متخذ القرار بمجمل عمليات الأضرار التي لحقت بالمواطنين والبنى التحتية.

ولتحقيق ما سبق يجب تشكيل مجلس وطني للإحصاء يتولى رسم الخطط المرحلية ويجهز لإعادة هيكلة الإطار القانوني والمؤسساتي للجهاز الإحصائي في سوريأ.

أبرز أهداف المرحلة المتوسطة (المرحلة الانتقالية وتمتد لفترة سنتين)

إنشاء جهاز إحصائي عصري يعمل على أسس مؤسساتية، وذلك عبر ضمان استقلالية النظام الإحصائي ودعم التنسيق بين مختلف مكوناته. وتوحيد التعاريف المستخدمة في العمل الإحصائي. إلى جانب تطبيق إلزامية الإجابة في حالات المسوحات الإحصائية، وتطبيق قواعد السرية، وإلزامية النشر بدورية معينة وانتظامها، وتوفير التمويل والدعم مالياً وبشرياً.

أبرز أهداف المرحلة البعيدة المدى: (مرحلة البناء وتمتد لفترة خمس سنوات)

الهدف الأول: زيادة الوعي لأهمية الإحصاء ونشر مفاهيمه، وتضمين مواد توعوية حول أهمية الإحصاءات في المناهج الدراسية للجامعات والمدارس، وتطوير المواقع الالكترونية لتكون أداة نشر رئيسية، خاصة موقع المكتب المركزي للإحصاء، وعقد دورات تدريبية للإعلاميين حول كيفية التعامل مع البيانات الإحصائية عند إعداد الأخبار ذات العلاقة بالعمل الإحصائي.

الهدف العام الثاني: تعزيز دور الإحصاء في بناء المؤشرات الدولية...ومواكبة التطور العلمي في المنهجيات الإحصائية...وتفعيل آليات التعاون الفني وتبادل الخبرات، والمشاركة في الأنشطة الإقليمية والدولية.

الهدف العام الثالث: الانتقال إلى عملية التحليل دعامة لتطوير العمل الإحصائي والتخطيطي.

خاتمة

إن عملية بناء نظام إحصائي في سوريا لا تعني البدء من الصفر، فهناك بعض النقاط الإيجابية التي يمكن العمل عليها وتعزيزها، لكن بقاء النظرة للنظام الإحصائي على حالها يشكل أخطر ما يهدد هذا النظام، فالاهتمام بالمعلومات الإحصائية وتناولها واستخدامها من قبل أفراد المجتمع يعد في حد ذاته ظاهرة صحية تدل على انتشار الوعي الإحصائي بين الأفراد.

* تعريف بـ "مجموعة عمل اقتصاد سوريا"

مجموعة عمل اقتصاد سوريا، مؤسسة غير ربحية مسجلة رسمياً، تقدم الاستشارات الاقتصادية، يرأسها الدكتور أسامة قاضي، والذي يشغل الآن منصب مساعد رئيس الحكومة السورية المؤقتة للشؤون الاقتصادية. وهي لا تتبع لأي كيان سياسي، فهي فريق اقتصادي مستقل اعتمدتها مجموعة أصدقاء الشعب السوري المعنية بإعادة إعمار وتنمية سوريا بقيادة الإمارات وألمانيا، كشريك اقتصادي أساسي وممثّلٍ للجانب السوري في التخطيط لمستقبل الاقتصاد السوري. وتسعى مجموعة عمل اقتصاد سوريا إلى كتابة الخارطة الاقتصادية لسوريا الجديدة في أكثر من خمسة عشر قطاعاً حيوياً، كتبت من قبل باحثين سوريين بمهنية عالية، صدر منها إلى الآن ثمانية تقارير، وهذا التقرير هو التاسع، لتكون بمثابة المشروع الوطني الذي يقدّم هدية لرؤساء الحكومات بعد انتهاء الأزمة، لتبيان الإمكانيات الكامنة للاقتصاد السوري وسبل النهوض به.

ترك تعليق

التعليق