تونس تحتاج 8 مليار دولار لتمويل الموازنة الحالية

لم تسعف المؤشرات المالية في تونس عقب الانفراج السياسي الذي شهدته إثر إقرار الدستور الجديد وتشكيل حكومة كفاءات، الاقتصاد التونسي، حيث الوضع الاقتصادي العام ما زال هشاً ومتعثراً بعد ثلاثة أعوام على الثورة الشعبية.

رئيس الحكومة الجديد مهدي جمعة في أول إطلالة له على التلفزيون مطلع هذا الأسبوع بدا قلقاً على الحالة الاقتصادية بالبلاد التي تراجعت فيها نسبة النمو إلى 2.6% العام الماضي، فيما كان الهدف تحقيق 4.5%.
فبعد عملية تدقيق للوضع الاقتصادي كشف جمعة -الذي يقود حكومة مستقلة مهمتها تنظيم الانتخابات القادمة- أن هناك صعوبة كبيرة في تمويل موازنة هذا العام البالغة حوالي 28.123 مليار دينار (عشرين مليار دولار).

وقال إن تقديرات حكومته لاحتياجات تونس من القروض لتمويل الموازنة الحالية تصل إلى نحو 12 مليار دينار (ثمانية مليارات دولار)، مع العلم أن هذه الحاجات كانت مقررة في السابق بنحو سبعة مليارات دينار (4.4 مليارات دولار).

وعزا رئيس الحكومة ارتفاع قيمة الحاجات المالية لبلاده إلى تنامي عجز الموازنة الذي بلغ 7.8% العام الماضي نتيجة ارتفاع النفقات، خاصة زيادة في الأجور، والكلفة الباهظة للدعم الحكومي، في حين شهدت مواردها تراجعاً.

وكان نضال الوفلي الوزير لدى رئيس الحكومة المكلف بالملف الاقتصادي قال للجزيرة نت إن تفاقم نسبة العجز كان نتيجة لزيادة أجور الموظفين بـ46%، وتضاعف الدعم الحكومي بـ 276% مقارنة بما كان عليه الحال قبيل الثورة.

لكن السؤال المحير الذي يطرحه المسؤولون التونسيون الجدد هو: كيف سيتم تأمين الحاجات المالية لتمويل الموازنة الحالية؟ وهو الأمر الذي سيدفع جمعة قريباً إلى جولة في دول الخليج وأوروبا وأميركا بحثاً عن مصادر تمويل.

وأثار خطاب جمعة في حواره التلفزيوني الأخير الكثير من الأسئلة لدى التونسيين حول حقيقة الوضع المالي في بلادهم، في ظل مخاوف لدى اقتصاديين حذروا من خطر الإفلاس ومن إغراق البلاد في الديون الخارجية.
ويرى الاقتصادي التونسي معز العبيدي أن الحديث عن سيناريو الإفلاس "أمر مبالغ فيه"، موضحا أن الإفلاس تسبقه مراحل كاستحالة الحصول على قروض أو طلب إعادة جدولة الديون، "وهو ما لم يحصل مع تونس".

ويقول العبيدي للجزيرة نت إن الإفلاس يمكن أن يكون واردا إذا ما واصل معدل النمو نزوله بصفة مستمرة، مؤكدا أن تطور نسبة النمو "أحسن ضامن للبلاد حتى لا تسقط في حلقة مفرغة للمديونية".
ويرى المتحدث نفسه أن المشكل الذي تعيشه تونس في هذه المرحلة الانتقالية لا يكمن في بلوغ حجم المديونية ما يقارب 50%، ولكن في كون أن ثلثي هذه النسبة مصدرها قروض خارجية يتم إرجاعها بالنقد الأجنبي.
وأشار إلى أن تقلبات سعر الصرف وتراجع الدينار التونسي أمام العملات الأجنبية سيفرضان أعباء إضافية على الدولة التونسية عند تسديد ديونها الخارجية، مؤكدا أن "المديونية ستصبح خطرا إذا لم يتعافى نمو الاقتصاد".

وحول رأيه في إعلان رئيس الحكومة عن طرح الاكتتاب في سندات سيادية لتعبئة موارد داخلية، يقول العبيدي إن هناك عوامل قد تحد من نجاعة هذا الحل مثل قلة السيولة والتضخم وارتفاع الأسعار وانعدام ثقة المواطن بسبب كثرة الحديث عن إفلاس البلاد. ويضيف أن تونس ليست في وضعية مريحة رغم وجود بوادر لعودة الثقة بعد تسوية الأزمة السياسية، ملفتا إلى أن المؤشرات المتعلقة بمجالات الاستثمار والتشغيل ما تزال ضعيفة.

وعن أسباب الأزمة الاقتصادية التي تتخبط فيها البلاد بعد الثورة، يقول الاقتصادي إنها ناتجة عن ظروف خارجية مرتبطة بالأزمة التي يمر بها الاتحاد الأوروبي -الشريك الاقتصادي الأول لتونس- وعن ظروف داخلية بالأساس.

 
ويقول العبيدي إن من الأسباب الداخلية للأزمة الاقتصادية في تونس الصدمة السلبية التي وقعت بعد الثورة نتيجة الغموض المؤسساتي والتجاذب السياسي وانعدام الثقة لدى المواطن والانفلات والإضرابات.

ترك تعليق

التعليق