العمل النضالي حصري... ورزق الشباب السوري ،حتى "المثقف" من "بوز المسدس"

لم يعد التعلم والحصول على الشهادات الجامعية سلاح الشباب السوري، ففي حضور الرصاص والبارود لا سلاح سوى "السلاح" يغني أو يسمن من جوع.
تحول السلاح إلى مصدر رزقٍ شبه وحيد، لمعظم الشباب السوري، مع ارتفاع رقم البطالة ونسب الفقر، سواء في المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام أو تلك المحررة.
شلل العجلة الاقتصادية، والحرب القائمة في البلاد، أدى إلى انزلاق شريحةٍ كبيرة من السوريين إلى خطوط الفقر العليا والدنيا، وخسارة مصادر الدخل، وازدياد نسب البطالة التي كان يعاني منها أصلاً الاقتصاد السوري قبل انطلاق الثورة "8.6 الرقم الرسمي لمعدل البطالة في العام 2010".

بعض الأرقام المتفائلة تتحدث عن بطالةٍ طالت ثلاثة ملايين شخص من أصل خمسة ملايين يشكلون تعداد القوة العاملة، وذلك حسب منظمة "الإسكوا"، في حين تذهب تقديرات الباحثين إلى القول بأن رقم البطالة هو أربعة ملايين شخص، حسب وزير الاقتصاد السابق في النظام السوري نضال الشعار.

وفي لغة الأرقام أيضاً تؤكد الأمم المتحدة بأن نصف سكان سوريا البالغ عددهم نحو 23 مليون نسمة يعانون من الفقر، بينهم 7.9 مليون سوري يعيشون على خط الفقر و4.4 مليون في فقر مدقع.

وفي ظروف الحرب القائمة تحول معظم الشباب إلى حمل السلاح لتأمين لقمة العيش، ما سيخلق لاحقاً مشكلاتٍ اقتصادية واجتماعية وعسكرية أيضاً.
وعلى سبيل المثال لا الحصر تضم "جرمانا" إحدى المدن التابعة لريف دمشق والواقعة تحت سيطرة النظام ما يقارب 650 شابا مسلحا، منهم من كان يعاني من البطالة، ومنهم من خسر عمله خلال السنوات الثلاثة الماضية، ما دفعهم إلى تأمين لقمة عيشهم بالوقوف على الحواجز وحمل السلاح.
وفي المقابل مدينة محررة مثل "حرستا" تقبع تحت الحصار منذ أكثر من عامٍ تقريباً، أيضاً يلجأ غالبية من بقي فيها من شبابها إلى العمل مع بعض الكتائب ذات الاتجاه الإسلامي المتشدد، مقابل راتبٍ شهري، وإحدى الناشطات في حرستا، فضلت عدم ذكر اسمها، تؤكد أنه لولا الحاجة المادية كان هناك العديد من الأعمال التي يمكن أن ينفذها هؤلاء الشباب بدلاً من حمل السلاح، وكان من الممكن أيضاً أن يتم احتواؤهم ضمن كتائب أقل تشدداً.

أموال للتجنيد

قبل انطلاقة الثورة، اعتبر الفريق الاقتصادي في الحكومة أن في سوريا بطالة معندة "حسب تصريحات سابقة للنائب الاقتصادي السابق عبد الله الدردري"، ولم يفوت النظام فرصةٍ إلا ويؤكد فيها أنه لا يمتلك الموارد الكافية لاستيعاب كامل القوة العاملة الوافدة إلى سوق العمل والتي تقدر سنوياً بحوالي "250 ألف شخص".

لكن الحال تغير مع اندلاع الثورة، حيث جنّد النظام في ريف دمشق لوحدها حسب إحصاءات ناشطين ما يزيد عن 12 ألف شخص لمساندته في حربه على الثورة، ضمن ما كان يسمى باللجان الشعبية برواتب شهرية تراوحت ما بين 15 إلى 20 ألف ليرة سورية شهرياً، مع تزيدهم بالأسلحة، "240 مليون ليرة شهرياً رواتب شبيحة ريف دمشق فقط"، علاوةً عن أعمال السرقة وفرض الأتاوات التي قام بها هؤلاء ما أدى إلى انتشار الجريمة في البلاد.

خبير اقتصادي فضل عدم ذكر اسمه يعلق على ذلك بالقول: إن تحول السلاح إلى مصدر رزقٍ للشباب يعني أننا دخلنا في كارثة حقيقية، لم يعد لهؤلاء عمل آخر سوى التشبيح، ما يعني أننا نسخر القوة العاملة لتكون ميلشيا مسلحة، داخل البلاد سواء ببقاء النظام أم بزواله، نحن خسرنا الإنتاج والمنتجين أيضاً، فالنظام يجند الشباب من عمر 18 سنة فما فوق، علاوةً عن المخاطر الديمغرافية التي يمكن أن تؤدي إلى نقص عدد الشباب في البلاد.

الخبير الاقتصادي يؤكد على عدم توافر أرقامٍ إحصائيةٍ دقيقة عن حجم حاملي السلاح في سوريا، سواء من الشبيحة أو من المقاتلين في صفوف المعارضة، لكن واقع الحال يشي بأن غالبية الشباب ممن فقدوا سبل العمل ولم يجدوا طريقاً للهجرة والخروج من البلاد، اتجهوا إلى حمل السلاح ليكون مصدر رزقٍ وحيدا.

ولأن أحداً لا ينتظر من النظام الخوف على البلاد، فإن معظم الأنظار تتجه إلى المناطق المحررة، حسب ما يؤكد الخبير الاقتصادي، متسائلاً: لماذا لا يتم تشغيل الشباب في إعادة تأهيل المناطق المحررة، أو إزالة الأنقاض وأعمال الدفاع المدني على سبيل المثال، أو حتى تنفيذ مشاريع منتجة؟، وهذا الأمر مسؤول عنه القيادات المعارضة في الخارج.

مجبر أخاك لا مقاتل..

تساؤل الخبير الاقتصادي نفسه حاول العمل عليه الناشطون داخل المناطق المحررة، لكن لم يلقَ آذاناً صاغية، لأن مثل هذه المشاريع حتى لو كانت صغيرة أو متواضعة لكنها بحاجة إلى تمويل ودراسات جدوى، حسب ما يؤكد الناشط أبو فيصل في الغوطة الشرقية، حيث يقول: لدينا شباب لا يجدون عملاً يتجهون للانضمام إلى الكتائب المقاتلة، ففي السابق كان حمل السلاح والوقوف ضد النظام ينطلق من العقيدة والإيمان بضرورة إسقاط النظام، لكن الحاجة تدفع كثير من الشباب اليوم إلى حمل السلاح، والمال أيضاً يجعل الشباب يذهبون إلى الكتائب التي تمتلكه مثل "جيش الإسلام في الغوطة"، حيث يحصل المقاتل على راتبٍ شهري والسلل الغذائية.
ويؤكد الناشط أنهم حاولوا مناشدة بعض الجهات العاملة في الشأن الإغاثي، "طلبنا أن يساعدوننا لتنفيذ مشاريع إنتاجية صغيرة أو متوسطة، تساعد الشباب على العمل، فإلى جانب المقاتلين نحتاج إلى إنتاج، السلاح لم يكن كافياً لحماية العائلات من الموت جوعاً، وهناك شباب يرفضون حمل السلاح، لكنهم لا يجدون أي عمل ويعتمدون على المساعدات وهذا عبء لا يمكن تحمله."

ترك تعليق

التعليق