عفواً أيها الخبير.."الخزينة جيوب رعاياها" ولا يحق "الثراء على حساب المواطن"

بداية القول: لم يأتِ حاكم إلى مصرف سوريا المركزي متخصص بالنقد، بل ولم يأتِ أيضاً إلا من يحمل جنسية غير السورية.

قرارات مجلس النقد والتسليف تبعث على التأمل، في صالح من تلك القرارات؟!

أعتقد أن معاوية بن أبي سفيان من قال"الخزينة جيوب رعاياها"..ولم يتم تبرير إرهاق المكلفين كي تغني الدولة كما قال الدكتور إلياس نجمة "....الدولة لا يحق لها أن تُثري على حساب المواطن، هذا مبدأ فقهي مالي نقدي وثابت، لا يمكن تجاهله في أية سياسة مالية أو نقدية يمارسها رجال يمتلكون حس رجل الدولة....".

هكذا علّق د. إلياس نجمة، الخبير والأكاديمي الاقتصادي السوري، منذ بضعة أشهر، على السياسة النقدية لحكومة الأسد، والتي يُديرها مصرف سوريا المركزي. وختم د. نجمة يومها تعليقه المفصّل بتساؤل: هل المسألة تتجاوز الجهل، وهل وراء الأكمة ما وراءها؟".

حتى على المواقع الإلكترونية الموالية للنظام، لم يسلم مصرف سوريا المركزي، وحاكمه، أديب ميالة، من الانتقاد الشديد الذي يصل حدّ الاتهام أحياناً...لكن الجميع على ما يبدو يتجاهل حقيقةً مفادها أن كل الشخصيات التنفيذية في السلطة بدمشق، هم مجرد أدوات وبيادق، ينفذون استراتيجية تخدم مصالح الدائرة الضيقة المُحيطة برأس الهرم في نظام الأسد.

بطبيعة الحال، لا يُعفيهم ذلك من المسؤولية، خاصة أنهم يسهلون على الممسكين الحقيقيين بزمام النظام وثروات سوريا معه، تنفيذ مآربهم، ويكسونها بستار لا يُخفي عورتها على العارفين ببواطن الأمور، لكنه كفيلٌ بخداع محدودي الاطلاع والخبرة، وهم، للأسف، في سوريا كُثر.

لطالما تحدث ناشطون، واقتصاديون، معارضون منهم وموالون، عن أن أبرز المتاجرين بالدولار في سوريا هم المقربون من النظام، ومن دائرته الضيقة. ومنذ فترة قصيرة، أقرّ عددٌ من الباحثين أنه يجب إضافة مصرف سوريا المركزي إلى قائمة المُتاجرين تلك.

بالعودة إلى تعليق د. إلياس نجمة، سابق الذكر، نقتطف العبارة التالية: "ماذا يستطيع أن يقول المصرف المركزي للأشخاص الذين باعهم الدولار بـ250 ليرة لأغراض غير تجارية منذ أربعة أشهر، وقد أصبح هذا الدولار بالذات لايساوي سوى نصف هذا المبلغ الآن؟"....د.نجمة قال هذا الكلام في شهر تشرين الثاني الفائت بعد أن هبط الدولار ليلامس حاجز 120 ليرة.

ولاستكمال الصورة بشكل أوضح نقتطف عبارة أخرى من تعليق د. نجمة، يقول فيها: "أكبر دليل على فشل السلطات النقدية والحكومية في هذا المجال، اضطرارها للجوء للإجراءات القسرية في معرض ممارستها لمهامها، حيث يعلم الجميع والتجربة التاريخية برهنت، أن الإجراءات القسرية في أمور تخضع لقوانين السوق هي بالأساس ذات طبيعة مؤقتة، وهي أيضاً ذات كلفة اجتماعية وسياسية ونقدية باهظة جداً"....وذلك تعليقاً على الحملات التي شنها مصرف سوريا المركزي بالاستعانة بقوى الأمن، ضد شركات صرافة بعينها، بصورة ساهمت بالفعل في الحدّ من تذبذب سعر الدولار، ولكن لحين فقط، مما يُثبت قراءة د. نجمة بأن الإجراءات الأمنية في عالم المال، مُكلفة، ومؤقتة الأثر.

اليوم يعاود الدولار ارتفاعه بصورة ثابتة، ليصل إلى 164 ليرة في آخر إقفال مساء السبت. فهل عاد المركزي للمتاجرة بالدولار، بعد فترة قرر فيها صانعو القرار، داخل أروقة النظام، تحقيق استقرار مالي ونقدي، يُوحي بأن نظام الأسد قوي اقتصادياً، أثناء مفاوضات جنيف 2؟!

أم أن آثار الحملة الأمنية ضد شركات الصرافة، التي حدت من ارتفاعات سعر صرف الدولار، انحسرت، وانتهى مفعولها؟

سؤال سيُجيب عليه قادم الأيام، لكن في نهاية المطاف، يبدو أن توصيف د.نجمة الآتي، يضرب على "عَصب" الواقع في الحيز المالي –النقدي بسوريا: "سياسات التدخل التي مارسها –مصرف سوريا المركزي- كانت عشوائية واستعراضية، فتارة يلجأ للمزادات، وتارة لبيع القطع إلى سماسرة وشركات صرافة، ثبت مؤخراً حجم وخطورة التجاوزات والألاعيب التي مارسها بعضهم في سوق الصرف، والتي أضرت أضراراً بالغة بسعر صرف النقد الوطني. علماً أن تدخل المصرف المركزي يجب أن يكون سرياً دائماً، وعبر مؤسسات مصرفية موثوقة، ويقف خلفه إدارة نقدية ذات مصداقية وموثوقية وملاءة معنوية حتى يكون فعالاً، ويهدف أولاً وأخيراً للوصول إلى سعر صرف واقعي من الناحية الاقتصادية ومقنع ومستقر. ومن الممكن الدفاع عنه".

ترك تعليق

التعليق