"الحاضنة الشعبية للثورة" تتآكل اقتصادياً هل من مجيب؟

وجوه الخارجين لتوهم من الحصار، وعظامهم البارزة، وعيونهم الغائرة، لا تختلف رسائلها عن وجوه الهاربين من الموت لملاقاة الحياة في مناطق النزوح، جميعهم يتفق على تسميتهم بـ"الحاضنة الشعبية للثورة"، والتي تمر اليوم بأسوأ الظروف الإنسانية والمعيشية، فهل خسرت الثورة حاضنتها؟.

المنزلقون إلى خطوط الفقر العليا "دولارين في اليوم" والدنيا"دولار واحد في اليوم"، غالبيتهم ممن خسروا موارد عيشهم، وبيوتهم وخرجوا من المناطق التي كانت في الأمس القريب تهتف للحرية، فنصف السوريين وحسب الأمم المتحدة بحاجةٍ للمساعدة الإنسانية، بعد أن وصل عدد النازحين في الداخل والخارج إلى ما يقارب عشرة ملايين شخص، خرجوا من المناطق الساخنة، أي من حاضنة الثورة، علاوةً عن المحاصرين في الغوطة وحمص وأحياء جنوبي دمشق.

لا يمكن لأحد أن يلوم الحضانة الشعبية بعد ثلاث سنواتٍ من انطلاق الثورة على تآكلها، ويذهب البعض للقول إن الثورة ابتعدت عن حاضنتها الشعبية، التي تعاني من النظام وممارساته الوحشية من جهة، ومن جهةٍ أخرى ممارسات القيّمين على الأرض سواء في المعارضة الخارجية، أو من قبل بعض الكتائب التي تقيم مشاريعها الخاصة على حساب الثورة.

النظام من جهته دأب على ضرب الحاضنة الشعبية ومعاقبتها، بكل الوسائل، حيث استمر في قصف المناطق الثائرة إلى أن تم تسوية العديد منها بالأرض "سبعة مناطق حسب منظمة هيومان رايتس ووتش".

وهنا يشير خبير اقتصادي فضل عدم ذكر اسمه إلى أن المواطن السوري يسعى طوال حياته لتجميع مدخراته في مسكنٍ يؤويه، لكنه اليوم خسر كل شيء، فإذا كان عدد المنازل في سوريا هو أربعة ملايين منزل، تدمر منها بأفضل الحالات مليون ونصف منزل حسب تقارير المنظمات الدولية، وتقارير أخرى تتحدث عن دمار مليوني منزل، ومعظمها في المناطق الحاضنة للثورة.

والحاضنة الشعبية لم تتعرض فقط للتدمير الممنهج لمناطقها، إنما أيضاً للتجويع، أحد الناشطين فضل عدم ذكر اسمه تحدث أن حياة مخيم اليرموك اليوم باتت عبارة عن "كرتونة" تقدمها المنظمات الدولية ليحصل المدنيون على طعامهم، بعد أن استشهد ما يزيد عن 140 شخص نتيجة الجوع.

في المناطق المحاصرة والتي ما زال أهلها يصرون على البقاء والاستمرار في الحياة، يكتمل ثالوث الفقر، حيث البطالة والغلاء وضعف القدرة الشرائية، فلا يوجد إلا الفقراء ممكن يحتاجون للمساعدة، وهنا يشير الخبير الاقتصادي إلى الخلل الطبقي والاجتماعي الذي سيشوه المجتمع بشكلٍ كبير في السنوات القادمة، فغالبية المؤيدين للثورة باتوا في خطوط الفقر، ويعانون من أشكال تدميرٍ مختلفة لثرواتهم ومدخراتهم، وهو ما لا يتعرض له الموالون، أو بمعنى آخر يمكن التمييز بين الحالة الاقتصادية للمناطق الثائرة، وفيها يصل سعر كيلو الأرز مثلاً إلى 12 ألف ليرة سورية، في حين كيلو الأرز في المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام هو 175 ليرة، بهذا الفارق يمكن أن تكون الفجوة فيما بعد بين طبقات المجتمع.

وممارسات النظام ليست وحدها التي تنكل بالحاضنة الشعبية، فالخذلان الذي يتلقاه جمهور الثورة يومياً من المعارضة في الخارج، أيضاً يزيد الطين بلة، وبعيداً عن الجانب السياسي أو العسكري، فعلى الصعيد الاقتصادي على وجه الخصوص، ما زالت هذه المعارضة مقصرة كما يشير الخبير الاقتصادي، مضيفاً الشهر الماضي قالت الحكومة المؤقتة أنها ستقوم بتقديم رواتب لما يقارب 1200 شخص أقالهم النظام من وظائفهم، في حين لدينا عاطلون عن العمل يصل عددهم إلى ثلاثة ملايين شخص، بهذه الممارسة يعالجون القضايا الاقتصادية، وهذه الحاضنة تتساءل يومياً عن آلاف الدولارات المخصصة كرواتب للمعارضة.

أما لناحية الداخل فبالأمس القريب كان جمهور الثورة يهتف لحماية الجيش الحر، لكن الحال اليوم تغير، حيث تقول إحدى ناشطات الغوطة الشرقية فضلت عدم ذكر اسمها، إن واحدا من أكبر الألوية في منطقتنا متهم بالمتاجرة بالحصار، فهو الجهة شبه الوحيدة القادرة على إدخال المواد الغذائية، ويبيعها بأسعارٍ مرتفعة بالاتفاق مع التجار، بعد أن يحمي لهم مستودعاتهم، ويؤمن لهم إدخال البضائع، علاوةً عن كتائب أخرى حملت السلاح والثورة آخر همها، حيث تحولوا إلى سارقين، نكلوا بأبناء المنطقة.

الحالة الاقتصادية لجمهور الثورة تشي بتآكل الحاضنة الشعبية وإرهاقها بفعل ضرباتٍ متعددة من ناحية النظام، وأيضاً خذلان المعارضة السياسية والعسكرية عن تقديم أي دعمٍ اقتصادي يبقيها على قيد الحياة والأمل.

ترك تعليق

التعليق