سيناريوهات تقسيم سوريا بعد "يبرود والحصن"، و"مَقتَلُ" الاقتصاد فيها (3-3)

مشروع الهلال الشيعي من طهران إلى الساحل السوري، يتعرض لمقتل قاسٍ في "الأنبار".

ستخسر أية دويلة علوية مأمولة إمكانية إمدادها بالغاز والنفط من إيران والعراق.

استراتيجية الثوار تحدد مصير سيناريو شطر الداخل السوري إلى شطرين منفصلين جغرافياً.

سيناريوهات الانفصال الكُردي المُتخيلة تعاني نقاط ضعف استراتيجية واقتصادية قاتلة.


خلصنا في الجزء الثاني من سلسلتنا هذه إلى خاتمة مفادها أن الاقتصاد سيكون "مَقتَلَ" أي مشروع لانفصال العلويين عن الداخل السوري، وأن التطورات الميدانية الأخيرة المُتمثّلة بسيطرة نظام الأسد على كلٍ من يبرود وقلعة الحصن لا تغيّر إلا جزئياً على صعيد تدعيم مشروع الانفصال من الجانب العسكري –الاستراتيجي، لكنها لا تُضيف جديداً يُقلّل من نقاط ضعف ذلك المشروع في الجانبين الديمغرافي والاقتصادي، وحتى الاستراتيجي على المدى المتوسط والبعيد، إذ تبقى أية دويلة للعلويين كياناً مُحاطاً ببحرٍ من الأعداء سيُضعف قدرتها على الاستمرار والاستقرار، حتى لو تم تأسيسها بالفعل.

مراجعة لسيناريو "حمص في قلب الهلال الشيعي"

وفي هذا السياق قد يكون من المفيد أن نتطرق لحيثية أخرى في سيناريوهات التقسيم المُحتملة، لم نتناولها في الجزئين السابقين، وهي تلك المُتعلقة بتأمين التواصل الجغرافي مع العراق، المحكوم شيعياً، وبالتالي، تحقيق تواصل جغرافي بين إيران والعراق، مروراً بدويلة علوية في سوريا، تضم محافظة حمص وإطلالتها على البادية والحدود العراقية، انتهاءً بمناطق الشيعة في لبنان.

وكانت "اقتصاد" قد بحثت هذه الحيثية في تموز من العام الفائت، في تقرير بعنوان "حمص في قلب الهلال الشيعي"، خلصت فيها إلى أن محافظة الأنبار شرق العراق، قد تكون "مَقتَلَ" هذا المشروع. إذ إن هذه المحافظة العراقية هي صلة الوصل الجغرافية التي تربط سوريا بوسط العراق وجنوبه، حيث التمركز الشيعي الموالي لإيران.

وقد ثبتت صحة توقعات "اقتصاد" في التمرد المسلح الأخير الذي شهدته محافظة الأنبار. وبغض النظر عن تفاصيل هذا التمرد ومآله، فإنه يؤكد مرة أخرى، أن الأنبار لن تكون صلة وصل جغرافية آمنة بين العراق وسوريا، مما يشكل نقطة ضعف قاتلة في مشروع التواصل الجغرافي المأمول، من طهران إلى الساحل السوري.

ونذكّر هنا أن لذلك المشروع أبعادا اقتصادية هامة، مُضافة إلى الأبعاد الاستراتيجية، وهي تلك المُتعلقة بمدّ أنابيب للغاز والنفط الإيراني، عبر العراق وسوريا إلى الساحل، لتصديره إلى أوروبا. وهو مشروع يشكّل حُلماً استراتيجياً في نظر إيران، إذ سيمكنها من تعزيز موقعها في موازين قوى الطاقة في العالم، باعتبارها ثاني أكبر منتج للغاز.

وأي خطوط للأنابيب، ستُمد من إيران إلى سوريا، يجب أن تمر في مناطق آمنة ترحب مجتمعاتها المحلية بالعلاقة الاستراتيجية التحالفية مع إيران، لذلك استمات نظام الأسد في السيطرة على مناطق القلمون وقلعة الحصن، حيث يمر بالقرب من الأخيرة العديد من أنابيب النفط السورية.

استماتة نظام الأسد في السيطرة على هاتين المنطقتين، واستجلاب مقاتلي حزب الله والميليشيات الشيعية لدعمه هناك، مقابل إهماله شبه المُطلق للمناطق الشمالية الشرقية، وتواضع اهتمامه بالجبهة في حلب، يؤكد تلك النظرية. لكن الحراك المسلح الأخير في الأنبار بالعراق، يؤكد أن التواصل الجغرافي المأمول مع إيران لا يحظى ببيئات آمنة تُمكن من مد خطوط طاقة لا تتعرض للتخريب، أو تمرير حمولات بضائع أو مقاتلين دون أية مخاوف من تعرضها للاعتداء.

إذاً، يبدو أن مشروع الهلال الشيعي من طهران إلى الساحل السوري، يتعرض لمقتل قاسٍ في الأنبار، كما سبق وتوقعنا.

وبناءً على ما سبق، ستخسر أية دويلة علوية مأمولة إمكانية إمدادها بالغاز والنفط من إيران والعراق، بعد خسارتها المُرتقبة لمصادر الطاقة الآتية من الشمال الشرقي بسوريا.

مراجعة لسيناريو شطر الداخل السوري إلى شطرين منفصلين جغرافياً

لكن في حيثية أخرى تماماً، يجب الإقرار بأن مساعي النظام للقبض بقوة على مناطق القلمون، سيعزّز من مكونات العجز في تأسيس دولة واحدة في الداخل السوري، في حال حصل التقسيم. وللتوضيح، في حال تقسمت سوريا وفق المُتوقع، فإنه ستقوم دويلة للأكراد في الشمال والشمال الشرقي، وأخرى للعلويين في الوسط والساحل، وثالثة للغالبية السُنية في باقي مناطق سوريا.

هذه الثالثة، لن تنشأ، في حال تمكنت الدويلة العلوية من الإطباق على القلمون وحمص جيداً، لأن ذلك يعني شطر الداخل السوري إلى شطرين، التواصل الجغرافي بينهما ضعيف للغاية عبر طريق وحيد الاتجاه في البادية يمكن قطعه بسهولة. وبالتالي ستنقطع محافظات الداخل السوري الشمالية والشرقية، عن محافظات الداخل السوري الجنوبية، وتحديداً درعا.

إلا أن هذه الحيثية تتعرض للنقض بقوة، في حال اعتمد الثوار حالياً عمليات استنزاف فاعلة في مناطق القلمون لقوات النظام وحلفائه. ذلك أن عمليات الكرّ والفرّ المستمرة لمدى زمني متوسط، وبفاعلية حروب العصابات، ستضطر النظام في نهاية المطاف إلى الانكفاء عن القلمون أو معظم مناطقه. ونفس ذلك ينسحب على مناطق شرق حمص وشمالها، إذ يمكن لعمليات الكرّ والفرّ والاستنزاف أن تجعل قدرة النظام على الاحتفاظ بكامل حمص، ضعيفة، مما يضطره للقبول بخيارات أخرى.

إذاً، فاستراتيجية الثوار، وقدرتهم على الاستمرار في استنزاف قوات النظام في مناطق وسط سوريا، وخاصة في القلمون وريف حمص الشرقي والشمالي، ستحددان مصير سيناريو شطر الداخل السوري إلى شطرين منفصلين جغرافياً.

مراجعة لسيناريو "الدويلة الكردية" المُتخيّلة

يبقى أن نذكر أن لا جديد أضافته التطورات الميدانية الأخيرة على سيناريوهات الانفصال الكُردي المُتخيلة، إذ تبقى نقاط الضعف الاستراتيجية والاقتصادية قاتلة في هكذا سيناريوهات. فشكل "الدويلة الكردية" المُتخيلة سيكون شريطيا على الحدود التركية، مما سيعرضها لمخاطر عسكرية كبيرة، ويمكن تقطيع أوصالها بسهولة، وقطع الإمدادات عنها من جهة كردستان العراق، التي تتصل بمناطق التمركز الكردي في شمال سوريا بمعبر حدودي وحيد.

ناهيك عن أن هكذا دويلة لن تستطيع الحياة، كما سبق أن وضحت "اقتصاد" في تقارير سابقة، دون حصول موافقة تركية بصورة أساسية، وهو أمر غير مُتوقع وفق الاتجاهات الراهنة في الشارع التركي وفي صفوف نخبته أيضاً. ذلك أن ماء شمال شرق سوريا ينبع من تركيا، وأية مادة يمكن تصديرها، خاصة النفط، لن تجد طريقاً لها أفضل من تركيا، خاصة إذا كان العمق العربي الداخلي معادٍ لهذه الدويلة الكردية.

خاتمة

وهكذا نستطيع أن نقول بأن نظام الأسد لم يستطع التقدم بصورة حاسمة في تأمين دويلته المأمولة من كافة الجوانب. وأن أي مشروع لتقسيم سوريا سيؤدي إلى نشوء دويلات تعاني من نقاط ضعف قاتلة في الجوانب الاقتصادية واللوجستية والاستراتيجية، تجعل استمرارها، واستقرارها، أمراً مشكوكاً به، في المدى الزمني البعيد.

الجزئين الأول والثاني:

سيناريوهات تقسيم سوريا بعد "يبرود والحصن"، و"مَقتَلُ" الاقتصاد فيها (1-3)

سيناريوهات تقسيم سوريا بعد "يبرود والحصن"، و"مَقتَلُ" الاقتصاد فيها (2-3)

ترك تعليق

التعليق

  • مع الأسف التحليل غير دقيق و لا يتماشى مع الواقع و التجارب! فقط يحاول الكاتب و يحلم أن لا يتحقق! لو نظرنا إلى الدول التي انفرط عقدها و انقسمت إلى أكثر من دولة فهي لا تملك مقومات أكثر مما تملك دويلة العلويين المزعومة ! مثلاً دول الاتحاد السوفيتي السابق و دول يوغسلافيا السابقة و الوطن العربي نفسه كدولة مثل لبنان و حتى الكثير من الدول الأوربية التي لبس فيها موارد إلا اجتهادها و عملها في طناعة معينة أو زراعة و خدمات و التجارة و هكذا. قيام أي دولة بعتمد على إرادة شعبها و عمل ذلك الشعب لتأمين حياة كريمة دون وجود مورد بل النسان أكبر مورد في أي دولة. أما من الناحية العسكرية و الأمنية فهي تعتمد كثيراً على الظرف الدولي و الاقليمي! أعتقد أن الأسطوانة التي نرددها دائماً برغبة الامبريالية ببقاء الوطن العربي مقسماً فهي كافية لتعطي الشرعية لأي كيان يقسم الوطن العربي أكثر و إلا كانت الأسطوانة مشروخة! ثانياً الوضع الاقليمي يساعد كثيراً إذا نظرنا بعمق! العراق الشيعي و لبنان لا يريد سوريا قوية و بعض طوائفه تفضل دويلات طائفية جديدة لكي لا تكون تحت رحمة الأكثرية! و الأردن لا يريد سوريا قوية و تركيا لا تملك خياراً طالما أن الدولة ليست كردية! و أكثر من هذا و الأهم لم بعد العلويون و السنة بستطيعون العيش مع بعض كما هو حاصل ! فكل المقومات موجودة مع بعض الصعوبات في البداية و هي طبيعية عند قيام أي كيان!