الغوطة الشرقية من الحصار إلى الاحتكار

شهدت مدن الغوطة الشرقية بريف دمشق مؤخراً إدخال مواد غذائية وتموينية بعد جوع وحرمان طويل طال الأهالي بسبب الحصار الذي تفرضه قوات الأسد على الغوطة منذ أكثر من سنة. ويرى البعض أن أسباباً عديدة دفعت نظام الأسد إلى إدخال المواد الغذائية إليها في هذا الوقت على الرغم من أن الواقع العسكري على الأرض لم يتغير كثيراً.

وتضاربت الآراء والتحليلات حول الأسباب التي دفعت نظام الأسد للسماح بإدخال المواد الغذائية. وقد استطلع مراسل “مسار برس” آراء عدد من الشخصيات والتجار والمواطنين في الغوطة الشرقية.

فقد رأى الناشط محمد علام من مدينة حمورية أن نظام الأسد أدخل المواد الغذائية للغوطة لتخفيف النقمة عليه من قبل سكانها “ولينشغل الثوار بطعامهم وشرابهم بدلاً من انشغالهم بالقتال”.

أما الإعلامي أبو خالد من مدينة عربين فيعتقد أن إدخال المواد الغذائية يأتي في إطار حملة الانتخابات الرئاسية التي أصبحت على الأبواب والتي يحاول نظام الأسد من خلالها الظهور بمظهر المهتم بوضع أهالي الغوطة.

من جانبه؛ قال سامر الشامي وهو من سكان الغوطة، إن الهدف من إدخال المواد الغذائية هو إفراغ جيوب الناس من المال المتبقي معهم، وتهديدهم بتضييق الخناق عليهم مستقبلاً عن طريق منع إدخال المواد مرة أخرى.

ولا يستبعد بعض الناشطين والقادة العسكريين الذين استطلعنا آراءهم أن يكون القرار الذي صدر عن مجلس الأمن مؤخراً والمتعلق بالسماح بإدخال المساعدات الإنسانية للمناطق المحاصرة له دور في الضغط على نظام الأسد وإجباره على إدخال مواد غذائية للغوطة المحاصرة.

إلا أن هناك من يخالف هذا الرأي، فعضو المجلس المحلي في حمورية أبو محمود يعتقد أن القرار الأممي ليس له علاقة بدخول هذه المواد للغوطة “لأن نظام الأسد لا يأخذ القرارات الدولية بعين الاعتبار في تحركاته الميدانية”.

وعلى الرغم من دخول المواد الغذائية للغوطة إلا أن معاناة الأهالي لم تنته، لأن أسعار السلع لا تزال مرتفعة جداً مقارنة بمناطق أخرى قريبة من الغوطة ولكنها تخضع لسيطرة قوات الأسد.

فقد بلغ سعر كيلوغرام السكر في الغوطة بعد دخول المواد الغذائية إليها 900 ليرة سورية، في حين يبلغ سعر كيلوغرام البطاطا حالياً حوالي 800 ليرة، وهو يتجاوز سعرها الطبيعي في المناطق المجاورة بعدة أضعاف.

ويرى العديد من أهالي الغوطة أن هناك تجاراً يتعاملون مع نظام الأسد ويتحكمون بالأسعار لجمع أكبر قدر من المال. ويؤكد أبو الوليد وهو عضو في المجلس المحلي بمدينة سقبا أن المستفيد الأكبر من إدخال المواد الغذائية للغوطة هم “تجار الحروب” لأنهم يحتكرونها، ومن ثم يبيعونها بالسعر الذي يريدون.

بدوره قال التاجر الملقب بـ”أبو شمس” وهو أحد القيّمين على إدخال المواد المفقودة كالوقود والطحين إلى الغوطة المحاصرة، “أخاطر بحياتي كي أدخل إلى الغوطة النزر اليسير من الوقود والطحين وبعض المواد التموينية المهمة جداً لحياة الناس، وبدلاً من أن يشكرني الأهالي على ما أقوم به من عمل ينعتونني بأبشع العبارات وذلك لأني أبيع المواد بسعر مرتفع، لكنهم لا يعلمون أنني أدفع على الحواجز العسكرية مبالغ كبيرة حتى يسمح لي بإدخال هذه المواد إلى الغوطة”.

وكانت الغوطة الشرقية شهدت مؤخراً إنشاء مكتب اقتصادي من طرف الثوار، والهدف منه فرض رقابة على السلع لضبط الأسعار، حيث يتألف المكتب من رجال أعمال وأعضاء في مجالس محلية.

إلا أن الكثيرين من الأهالي اشتكوا من عدم جدّية هذه الخطوة، فقد تساءل محمد وهو ناشط من المليحة “كيف للمكتب الاقتصادي المؤلف من التجار أن يضبط الأسعار، وهم الوحيدون المستفيدون من ارتفاعها”.

ويقول الناشط أبو حمزة إن نظام الأسد ليس فقط من يحاصر الغوطة الشرقية بل له الكثير من الشركاء داخلها، ممن يتحكمون بلقمة عيش المواطن، مضيفاً أن أكثر من 70% من سكان الغوطة أصبحوا تحت خط الفقر، وفي المقابل أصبح هناك من يمتلك ثروة كبيرة.

يشار إلى أن أهالي الغوطة الشرقية يعيشون تحت وطأة حصار شديد وممنهج فرضته قوات الأسد، وهم محرومون من الكهرباء والماء والدواء والطحين والوقود وأبسط موارد الحياة، كما تتعرض الغوطة للقصف بشكل يومي، حيث أصبحت المنطقة بكافة مدنها وبلداتها منطقة شبه منكوبة.

ترك تعليق

التعليق