"لغز" شركات الصرافة المتعاملة مع المركزي

في الأسواق الطبيعية الخالية من أية قيود وتدخلات، يرتفع سعر سلعة ما بارتفاع الطلب عليها وعجز العرض عن تلبيته، وهو ما ينطبق على العملات التي تتخذ صورة السلع في الأسواق المُحررة، وكذلك في الأسواق "السوداء" في حال كانت هناك قيود رسمية في بلدان تتعرض للاضطراب الأمني والسياسي، كما هو الحال في سوريا اليوم.

لكن تدخلات الجهات الرسمية، النقدية والاقتصادية، تؤثر على حركة العرض والطلب في الأسواق، وهو ما يحدث في أسواق العملات في البلدان حين تتدخل بنوكها المركزية للتأثير على أسعار العملة المحلية والعملات الأجنبية المُتنافسة معها.

ما سبق يعني أن ارتفاع سعر عملة ما، رغم عدم وجود مؤشرات على طلبٍ عليها يفوق العرض، يعني أحد أمرين: إما أن المضاربة غير الرسمية تلعب دورها، أو أن بنكها المركزي يهدف إلى خفض قيمة عملة البلاد المحلية.

منذ قرابة عشرة أيام، ارتفع الدولار في سوريا سريعاً ليصل إلى 181 ليرة، قبل أن يتراجع بسرعة أيضاً حتى 160 ليرة، ومن ثم يعاود الارتفاع المُتذبذب، ليستقر ظهيرة اليوم الثلاثاء عند 165 ليرة.

في الحالة الطبيعية لحركة العرض والطلب، فإن ارتفاع سعر صرف الدولار يعني أن هناك طلبا على الأخير يفوق العرض، وهو ما أكده بعض التجار السوريين الذين تحدثوا عن عراقيل تواجه عملية تمويل المستوردات المُنظمة من جانب مصرف سوريا المركزي، الأمر الذي يدفع التجار للجوء إلى السوق السوداء.

لكن ما حدث في جلسة التدخل الأخيرة لمصرف سوريا المركزي، التي عقدها أمس على نيّة ضخ 20 مليون دولار في سوق العملات بدمشق، يُشير إلى خلاف ما سبق، ويؤكد بأن حركة العرض والطلب على الدولار في السوق السورية لا تخضع للعوامل الطبيعية، وتتعرض لتدخلات، إما من جانب المضاربين، أو من جانب مصرف سوريا المركزي.

المفاجأة، أن المركزي الذي وعد بجلسة تدخل قبل عشرة أيام، وعد فيها ببيع 20 مليون دولار أمريكي لشركات صرافة بغية زيادة عرض الدولار لتخفيض سعره، لم يجد أحداً يشتري منه، إذ إن شركات الصرافة المحدودة التي شاركت في جلسة التدخل أمس أكدت أن لا طلب على الدولار، ولم تشترِ من المركزي شيئاً.

ماذا يعني ما سبق؟...يفسّر محللون ما حدث على أنه دليل على أن ارتفاع الدولار الأخير كان نتيجة المضاربة، وأن تصريحات حاكم المصرف المركزي بأن الأخير سيضخ 20 مليون دولار في السوق كان كفيلاً بدفع المضاربين إلى بيع الدولار لتجنب الخسارة، مما أدى إلى انخفاضه بسرعة حوالي 19 ليرة.

لكن السؤال هنا: لماذا حدثت تلك المضاربات المحمومة التي أدت إلى ارتفاع سعر الدولار إلى 181 ليرة في ذلك الوقت تحديداً؟

لا يبدو أن أياً من التطورات الميدانية أو السياسية يمكن ربطها بما حدث للدولار، إذ إن الكثير من تلك التطورات لم تؤثر سابقاً على السوق، الذي يبدو أنه بات منعزلاً عن التطورات الميدانية، إلا إذا كانت نوعية وفارقة، أما غير ذلك، فيبدو أن سوق العملات بسوريا بات منيعاً أمام تأثيرات حرب الكرّ والفرّ الدائرة بين النظام والمعارضة.

وهكذا يبدو أن القضية مرتبطة بأسباب أخرى. يعتقد مراقبون أن السبب الرئيس هو قرار المركزي رفع سعر صرف الدولار الخاص بتمويل المستوردات إلى 162 ليرة. الأمر الذي أشعر المضاربين بأن الدولار إلى ارتفاع، وهو ما حدث. وفي هذا السياق يعتقد الكثيرون أن المركزي يريد بالفعل رفع سعر الدولار، وتخفيض قيمة العملة السورية، وهو ما حدث لاحقاً.

لكن سبباً آخر قلما ناقشه المراقبون، وهو شركات الصرافة التي يخصها المركزي بالتعامل معه، والتي تحظى بشرف حضور جلساتها، والتي كشفت صحيفة "الوطن" الموالية للنظام، أنها تبيع الدولار للمواطنين بصورة مقننة، وبشروط، بناء على المعارف، وليس للعموم.

هذا الأمر ذاته دفع أحد الخبراء، وعبر صحيفة "الوطن" ذاتها، للتساؤل، لماذا يبيع المركزي الدولار للمواطنين عبر شركات صرافة، وليس عبر مصارف عامة أو خاصة؟

سؤال يطرح الكثير من الشُبهات، تُضاف إلى تلك السابقة حول غايات المركزي من رفع سعر صرف الدولار الخاص بتمويل المستوردات، والذي سبب بدايةً ذلك الارتفاع السريع للدولار.

وهكذا بات هناك سبب جديد يؤدي إلى ارتفاع الدولار، وهو أداء شركات الصرافة المتعاونة مع المركزي، الأمر الذي يضيف علامة استفهام جديدة حول أداء المركزي في مجال ضبط سعر العملة في السوق السورية.

ترك تعليق

التعليق