قصّة ابتسام وصديقتيها...تجارب مريرة لهجرة السوريين من مصر إلى أوروبا

روت لها صديقتها، التي تواصلت معها عن طريق الإنترنيت، قصصاً مهولة عن تجربتها للهجرة غير الشرعية مع أولادها، عبر المتوسط، إلى الشواطئ الإيطالية. ورغم ذلك، ما تزال ابتسام تفكر جدياً في الأمر، ويعارضها زوجها بشدة.

تروي ابتسام لـ"اقتصاد" تجارب لصديقتين سوريتين كانت قد خططت معهما على خوض غمار تجربة الهجرة غير الشرعية من الشواطئ المصرية عبر المتوسط إلى القارة الأوروبية، لكن معاندة زوجها للفكرة أجبرتها على تأجيلها، فخاضت صديقتاها التجربة قبلها، وحالما وصلتا إلى أوروبا، وتمكنتا من التواصل معها، روتا لها تفاصيل مُروّعة عن الموت الذي أحاق بهما، وبأطفالهما، من كل جانب، لولا مشيئة القدر التي انتشلتهم أخيراً إلى شواطئ إيطاليا واليونان.

الأولى من صديقتي ابتسام، غادرت مصر برفقة زوجها وولديهما، رغم السيولة المالية التي يملكونها، لكن الزوج رفض البقاء في مصر، وقال لزوجته: "أن نموت نحن وأولادنا أرحم لي من أن نعيش هنا".

لم يستطع ذلك السوريّ المنحدر من بيئة مُنعمة في حمص، التأقلم مع الحياة في مصر، خاصة بعد الضغوط التي تعرض لها السوريون عقب الانقلاب العسكري على الرئيس المصري السابق، محمد مرسي.

غادروا باتجاه الإسكندرية، ومن هناك باتجاه أحراش قرب الساحل، ليلاً مشوا عبر المياه بالبحر، يحملون ولديهما، ومعهما العشرات من السوريين والفلسطينيين، وبعض المصريين، حتى وصلوا إلى القارب المزدحم. لكن تجربتهم كانت مريرة حينما هبت عاصفة عاتية على قاربهم وسط البحر المتوسط. أقسمت صديقة ابتسام لها بأنها رأت أمواجاً علوّ الجدران، وأنها أيقنت بأنها هالكة، وارتفع عويل النساء والرجال، إلى أن تمكن المهرّب من التواصل مع خفر السواحل الإيطالية، التي اتصلت بأقرب سفينة من موقعهم، وكانت ناقلة نفط يونانية، تمكنت من نجدتهم، لكنها نقلتهم، خلافاً لآمالهم، إلى السواحل اليونانية، وهناك خاضوا صراعاً مع السلطات اليونانية بغية عدم "البصم"، كي يتمكنوا من متابعة مشوارهم إلى إحدى الدول الأوروبية الغربية.

قصّة صديقة ابتسام تلك، التي رأت الموت بعينها، جعلت الأخيرة تتريث في اتخاذ قرار الهجرة، خاصةً أن زوجها زاد في عنادها بعد سماعه لتفاصيل تلك التجربة. ومما عزّز من قناعة الزوج، واعتكاف ابتسام عن الجدل، هي قصة صديقتها الأخرى، التي عزمت على الهجرة بنفس الطريقة، لكن هذه المرة برفقة شقيق زوجها وابنتها الرضيعة.

حنان، التي عجز زوجها عن جلبها إلى الإمارات، حيث يعمل، وعجز عن القدوم إليها في مصر، حيث تُقيم، لأن طلبه للحصول على تأشيرة دخول قد رُفض من البعثة الدبلوماسية المصرية هناك، قررت أن تهاجر برفقة شقيق زوجها، الذي كان قد عقد العزم على القيام بهذه المغامرة، مهما كلف الثمن.

بحقيبة صغيرة لا تحوي إلا "غيار واحد" والكثير من زجاجات الماء وبعض الأطعمة، تقدمت حنان وشقيق زوجها في مياه المتوسط، سيراً على الأقدام، انطلاقاً من شاطئ قريب من الإسكندرية. ولأن المسافة التي وصلوها بصحبة العشرات من أمثالهم لم تكن كافية للوصول إلى القارب "الموعود"، تقدم الأخير باتجاههم، فـ "غرز" برمل قاع البحر، وصعدت النسوة بأطفالهن، وبدأت محاولات الرجال والشباب لانتشال القارب ودفعه باتجاه عمقٍ أكبر. وهنا اكتشف خفر السواحل المصرية وجودهم، فأطلقوا باتجاههم النيران، فأسرع المهرّب فاراً بالقارب بعد أن انفك قياده من رمال البحر، وترك عشرات الرجال والشباب الذين لم يتمكنوا من الصعود إلى القارب، في المياه، ومن بينهم شقيق زوج حنان، والذي كان يحمل على ظهره الحقيبة الوحيدة التي يملكونها، بما فيها من مياه وأطعمة، فبقيت حنان دون طعام أو ماء، ودون مرافقٍ، تعتمد على إحسان من معها على القارب، الذي أوصلها بالفعل إلى الشواطئ الإيطالية، لكنها كانت وحيدة هناك، وعاشت لحظات خوف وترقب قبل أن تتمكن من التواصل مع زوجها، ومن ثم تلتقي بالمهرب الذي تولى نقلها إلى إحدى دول أوروبا الغربية. أما شقيق زوجها الذي كاد يلقى مصرعه برصاص حرس الحدود المصري، عاود الكرة مرة أخرى، ونجح باللحاق بها إلى الدولة التي كانوا يقصدونها.

في إيطاليا، يلقى السوريون معاملة أفضل مقارنةً بتلك التي يلاقونها في اليونان، حسب ما سمعته ابتسام من صديقتيها المهاجرتين. ابتسام التي باتت في الأشهر الأخيرة مهووسة بفكرة الهجرة غير الشرعية، أخبرت "اقتصاد" أنها لا ترى مستقبلاً طموحاً لأولادها في مصر، ففرص العمل محدودة، والتعليم سيء للغاية، وزوجها، المحامي، الذي عجز حتى الآن عن إيجاد عمل يؤمّن دخلاً يكفيه، يحيا على مساعدات شقيقته الثرية، المقيمة في إحدى فيلات الشيخ زايد بالقاهرة. إلى جانب عزفه على الكمان في إحدى المنتجعات السياحية المصرية على البحر الأحمر. علماً أنه كان في حمص، محامياً يملك منزلاً وسيارة، بمستوى معيشي رغيد.
ما تزال ابتسام مصرّة على فكرة الهجرة غير الشرعية، وهي تنتظر الفرصة المناسبة لإقناع زوجها. سألناها: "ألا تخشين على أولادك الثلاثة من هذه التجربة الخطرة؟"، أجابت: "حياة بمستقبل رغيد وآمن، أفضل من حالة التشرد التي نحياها، فقد بتنا بلا وطن، تتقاذفنا البلدان العربية التي تتشكى من وجودنا على أراضيها...هل سنحيا طوال حياتنا كلاجئين؟!"

تخشى ابتسام أن تتعقد الأمور أمام السوريين في بلدان الجوار العربي، ومنها مصر، وهو أمر زادت مؤشراته أخيراً. وهي تخشى أن تتكرر تجربة الفلسطينيين مع السوريين، فيصبحون شبه محتجزين في البلدان المقيمين فيها، وفق إجراءات استثنائية تمنعهم من السفر أو العمل بحرية.

وتأمل ابتسام أن تجد ضالتها في وطنٍ بديلٍ في إحدى الدول الأوروبية، علّها في يومٍ ترجع إلى سوريا مع أولادها، لكن هذه المرة بجنسية أوروبية، و"مكمورة" مالية، تضمن لأولادها مستقبلاً مالياً واجتماعياً راقياً.

بطبيعة الحال، لا يبدو أن رأي ابتسام ينطبق على الكثير من السوريين الذين تحدثنا إليهم في مصر، فمعظمهم، رغم أنهم لا يحبذون البقاء في مصر مطوّلاً، إلا أنهم يعتبرون فكرة الهجرة غير الشرعية انطلاقاً من الشواطئ المصرية مخاطرة كبيرة ليسوا على استعداد لتحمل مسؤوليتها بحق أولادهم.

وتعدّ الشواطئ المصرية الشمالية واحدةً من أخطر طرق الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، بسبب سلوكيات حرس الحدود المصري الذين عادةً ما يطلقون النيران بصورة عشوائية على قوارب التهريب، ناهيك عن كثرة حالات النصب التي تعرض لها سوريون ومصريون وفلسطينيون، دفعوا أموالاً طائلة لمهربين، ليجدوا أنفسهم يقعون في قبضة السلطات المصرية.

ترك تعليق

التعليق

  • بسم الله الرحمن الرحيم، أعلم أن الكلام سهل ولا يكلف ولكن الصبر الصبر فإن الله مع الصابرين ووالله ما أفلح من صار في بلاد الغرب مهما توهم بعكس ذلك إلا من رحم الله. ما بين طرفة عين وانتباهتها يبدل الله من حال إلى حال.. حسبنا الله ونعم الوكيل.