"فايننشال تايمز": تجار وصناعيو سوريا يعيدون بناء أعمالهم في الخارج

نشرت جريدة "القبس" الكويتية تحقيقاً مترجماً في مجلة "فايننشال تايمز" عن تجار وصناعيي سوريا الذين انتقلوا للعمل في تركيا بفعل الحرب الدائرة في البلاد.

فقد أمضى سعيد نحاس عقودا وهو يبني أعماله في سوريا، لكن أشهرا قليلة كانت كافية لأن تدمر الحرب كل ما بناه. دمرت قذائف النظام أحد مكاتبه ومصنعا لصناعة الآلات. بينما سرقت قوات المعارضة مصنعا آخر له. وتعثر المدينون عن سداد حوالي 450 ألف دولار مستحقة له بينما توقفت المبيعات.

الحلبيون من أمثال سعيد نحاس مشهورون بدهائهم ومهاراتهم العالية في الأعمال والتجارة. فمنذ أن انتقل الى جنوب شرقي تركيا، استطاع أن يعيد تأسيس أعماله وتجارته من جديد وأن يجعلها تزدهر لتحقق إيرادات بلغت 700 ألف دولار.

وكما يقول «جئت هنا لا أملك أي رأسمال على الإطلاق، رأسمالي الوحيد كان المعرفة التي أملكها. ويعمل لدي الآن أكثر من عشرين موظفاً ما بين مهندسين ومديرين وعمال، إضافة إلى عدد من الموظفين في مكتب الاستشارات الذي أملكه».

الحرب بين مؤيدي ومعارضي بشار الأسد سحقت ما كان يوما مجتمع أعمال وتجارة مزدهرا، لا سيما في المركز التجاري الشمالي في حلب المدينة القديمة التي تقع على مفترق طرق والتي كانت حتى قبل ثلاث سنوات تضج بحماس روح المبادرة والمشاريع الناشئة. وبحسب واحدة من الدراسات التي أعدتها الأمم المتحدة فان سوريا ستحتاج الى ثلاثة عقود للتعافي والعودة إلى ما كانت عليه قبل الحرب.

ورغم أن غالبية اللاجئين السوريين يكافحون من أجل تغطية نفقاتهم ويقبع مئات الآلاف منهم في مخيمات اللجوء، فإن بعض التجار ورجال الصناعة من أمثال نحاس، تمكنوا من إعادة تأسيس أعمالهم وشركاتهم، خصوصا في مدن غازي عنتاب وكيليس وهاتاي، حيث استقر معظم السوريين. وتم إنشاء العديد من جمعيات رجال الأعمال لجمع الخبرات وتوحيد الجهود استعدادا لعملية إعادة البناء فور انتهاء الحرب.

يقول سعد الله المرعشلي، وهو رجل أعمال سوري ومن المؤسسين لمجلس الأعمال السوري «بذلنا الكثير من الجهد لمساعدة السوريين على أن يتم تقبلهم من قبل الأتراك عندما وصولهم الى هنا. الأمر الأكثر أهمية بالنسبة لي هو المساعدة في تأسيس مصانع وشركات».

رفض الكثير من كبار ملاك الشركات والأعمال السوريين الحديث علانية عن عملياتهم خوفا من انتقام منافسيهم الأتراك أو من نظام الأسد، الذي يبقيهم تحت رقابته المشددة. ويقول المرعشلي، الذي يحمل الجنسيتين السورية والتركية، إنه ساعد 23 شركة على الوقوف على رجليها، ومن بينها مصانع للتغليف والأثاث والنسيج والملابس والسجاد والبلاستيك. وأشار إلى أحد الصناعيين السوريين الذي بنى مصنعا للأثاث في كيليس بتكلفة 3 ملايين يورو ويوظف حاليا عشرات السوريين.

وغالبا ما تعين الشركات السوريين الذين كانوا يعملون لديها في السابق. ويغض المسؤولون الأتراك المتعاطفون مع السوريين الطرف عما يحدث ويطوعون القوانين التي تحتم توظيف 4 أتراك مقابل كل أجنبي، مفضلين أن يعمل اللاجئون بدلا من التسول. «الأمر بالنسبة للعمالة الأجنبية كان صعبا جدا. لكننا تفاوضنا مع الحكومة التركية لتسهيل توظيف السوريين وجعل الأمور تسير على هذا النحو»، وفق المرعشلي.

في بعض الأحيان، تصدم بيئة الأعمال في تركيا السوريين الذين اعتادوا على تراخي القوانين في بلادهم. فبعد أن يصلوا إلى تركيا ويؤسسوا مؤسساتهم التجارية يتفاجؤون بغرامات وضرائب غير متوقعة تفرض عليهم، خصوصا ضريبة القيمة المضافة ونسبتها %18 التي تجبى بشكل منهجي.

ويقول محمد سروات، وهو رجل أعمل سوري «إنها دولة سيادة القانون، والسوريون ليسوا معتادين على ذلك».

ويحافظ العديد من رجال الأعمال السوريين المغتربين على صلاتهم مع الوطن، رغم وحشية الصراع الدائر هناك. فبعد أن استطاع النجاة والاستمرار لمدة عامين، كانت شركة سعيد سليمان لتركيب التدفئة لا تزال تعمل العام الماضي، لكنه انتقل وشركته إلى تركيا خوفا على سلامة عائلته. ومع ذلك، لا يزال سليمان يمارس الأعمال مع سوريا ويستعد للعب دور أكبر في إعادة بناء بلاده فور انتهاء الحرب.

ويقول «لدينا بعض الزبائن من التجار الذين لديهم أعمال وتجارة حتى مع الحكومة. إذا ذهبت إلى الحدود سترى الكثير من الشاحنات المليئة بالمواد التي تحاول عبور الحدود ودخول البلاد».

المواد الخام التي تنتج أو تخزن في سوريا لا تزال تستخدم من قبل رجال الأعمال الذين نقلوا أعمالهم إلى تركيا. ولا يزال أصحاب مصانع حلب الشهيرة للملابس والأحذية والمنسوجات يستوردون الأقمشة من سوريا ويخدمون في بعض الأحيان زبائنهم الأجانب من شركات أسسوها في غازي عنتاب. يذكر أن حلب كانت موطن ما يقدر بـ 20 ألف شركة ومصنع قبل الحرب.

فعلى سبيل المثال، نقل عدد من ماركات الملابس السورية عملياتها من حلب واستطاعت أن تحتفظ بزبائن لها في بلدان مثل الجزائر أو ليبيا. وتعفي تركيا هذه الصادرات من ضريبة القيمة المضافة.

يقول نحاس القريب من قادة المعارضة السورية والمطلوب من نظام الأسد، إنه ليس لديه فكرة متى يمكن أن يعود الى وطنه وأنه لم يعد يضع خططا لأعماله وتجارته تستند إلى عودة سريعة، مضيفا «إذا نظرنا إلى العراقيين أو الفلسطينيين، مضى عليهم 10 سنوات وأكثر بعيدا عن أوطانهم. أتمنى أن أرجع إلى بلدي لكني لا أبني أي قرار استنادا إلى ذلك».

ترك تعليق

التعليق