كيف يرمم المركزي نزيف الاحتياطي الأجنبي؟

قد يكون واحداً من أهم التقارير الاقتصادية التي نشرتها صحيفة "الوطن" المحلية الموالية للنظام، هو ذلك التقرير الذي نُشر منذ يومين، وسلّط الكاتب خلاله الضوء على إجابة تساؤلٍ لطالما حيّر المراقبين الاقتصاديين لسوريا...كيف يُرمّم المركزي نزيف الاحتياطي الأجنبي؟

إذ من المعلوم أن الحرب التي شنها نظام الأسد على السوريين منذ أكثر من ثلاث سنوات ألقت بعبءٍ شديد الوطأة على كاهل الاحتياطي الأجنبي في خزينة مصرف سوريا المركزي، والذي توقّع الكثير من المراقبين نفاذه بين لحظة وأخرى خلال سنوات الأزمة الثلاث.

لكن توقعات معظم المراقبين خابت في هذه الحيثية، وفسّر بعضهم الأمر بأنه يرجع إلى دعم إيران المالي لنظام الأسد، والذي يبلغ عدة مليارات من الدولارات، لكن ذلك التفسير يبقى قاصراً عن توضيح كيف يموّل المركزي كل احتياجات الدولة السورية حتى الآن، ويتدخل من حينٍ لآخر بضخ عدة ملايين من الدولارات لضبط سعر صرف الدولار في السوق السورية.

قبل أسابيع، قرر بعض المسؤولين الاقتصاديين في حكومة الأسد الكشف عن "القُطبة المخفية" في هذا الجانب، وهي الحوالات الخارجية الواردة إلى سوريا من المغتربين في الخارج، والتي تتجاوز 7 ملايين دولار يومياً.

ولأن شركات الصرافة والتحويل التي تستلم تلك الحوالات، تسلمها لأصحابها في الداخل بالليرة السورية وفق سعر صرف يحدده المصرف المركزي، على أن تعيد بيع الدولار للمصرف المركزي وفق محددات وأسعار المركزي ذاته. مما يعني أن الأخير يحصل في نهاية المطاف على هذا المبلغ، أي 7 مليون دولار يومياً.

فكما نعلم المركزي هو مصدر العملة المحلية السورية، التي يستلم بها أصحاب الحوالات أموالهم، وهو من يحدد سعر التحويل، مما يعني أنه يعطي، بصورة غير مباشرة، الليرة لشركات الحوالة، ليحصل منها على الدولار، وبذلك يرمم خزينته.

أي أن المركزي يحصل شهرياً على 210 مليون دولار، وعلى ما يزيد عن 2.5 مليار دولار سنوياً.

ولأن المركزي، حسب تصريحات مسؤوليه، يموّل المستوردات بمبالغ تتراوح بين 2 إلى 3 مليون دولار، وفي أقصى الحدود، 5 مليون دولار يومياً، فهذا يعني أنه في أقصى إنفاق محتمل على المستوردات، فإن 2 مليون دولار تفيض في خزينة المركزي، يومياً.

وحتى بعد أن سمح المركزي لشركات الصرافة بالاحتفاظ بـ 20% من قيمة الحوالات الخارجية، فإن ذلك يعني أنه سيحصل على 6 مليون دولار، مما يعني أن مليون دولار يومياً سيفيضوا في خزينة المركزي، أي 30 مليون دولار شهرياً، أي 360 مليون دولار سنوياً.

وذلك ما يعزّز من قدرة المركزي على التدخل من حين لآخر في سوق الصرف لدعم الليرة، مع الإشارة إلى أن معظم المراقبين يعتقدون أن المركزي ذاته يُتاجر بالدولار، فيساهم بصُورٍ متعددة في رفع سعر صرفه، ليتدخل ويبيعه بأسعار عالية، عبر شركات صرافة محددة، تؤدي لاحقاً إلى تراجع سعر الدولار.

وهكذا يمكن أن نفهم كيف يستمر مصرف سوريا المركزي بالعمل، مع استنزاف خزينته المستمر منذ ثلاث سنوات، لنكتشف بأن حوالات المغتربين السوريين هي سرّ صمود المركزي السوري، وصمود الليرة، حتى اليوم.

ترك تعليق

التعليق