في ظلال "داعش"..."اقتصاد" ترصد حياة السوريين في منبج

منذ أكثر من ثمانية شهور، بدأت حرب "المطاحن" بين الثوار من فصائل الجيش الحر في منطقة منبج، شمال شرق حلب، وبين تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام –داعش". وكانت الأخيرة، قبل أن تكشف عن وجهها الحقيقي، تَعِدُ عامة الناس بـ"خبزٍ رخيصٍ".

ووقع الكثيرون في فخ دعايتها، فحصلت بعض المظاهرات ضد أداء الثوار على الصعيد المعيشي، خاصة في قضية سعر ربطة الخبز، التي كانت حينها تتضمن 8 أرغفة، وتصل للبيت بسعر 40 ليرة.

وقبل ثلاثة شهور تقريباً، تمكنت "داعش" من إحكام السيطرة على منطقة منبج، المترامية الأطراف، بما فيها معبرها إلى تركيا، في بلدة جرابلس. وسيطرت "داعش" على مطحنة منبج الضخمة، التي تبلغ استطاعتها 500 طن يومياً، والتي كانت تموّن ريف حلب كاملاً بالطحين. لكن، بعد سيطرة التنظيم، باتت ربطة الخبز تصل إلى العامة بـ 7 أرغفة، ووزن أقل، وبسعر 50 ليرة.

يروي منذر السلال، رئيس مجلس أمناء الثورة في مدينة منبج، لـ"اقتصاد"، كيف أن الثوار غادروا منبج تماماً بعد احتلال "داعش" للمنطقة، حيث سيطرت الأخيرة على أكثر من مليون نسمة بعدد مقاتلين غير مؤكد، لكنه لا يمكن أن يتجاوز ألف مقاتل.

يقول السلال: "منذ أشهر كانت منبج وريفها تضم 650 ألف مواطن، لكن بعد سيطرة النظام على بلدة السفيرة، جنوب شرق حلب، نزح عشرات الآلاف من سكان السفيرة إلى منبج، فارتفع تعداد سكان المنطقة، المدينة وريفها، إلى أكثر من مليون نسمة".

ويضيف: "قبل احتلال منبج من قبل (داعش) كانت هناك 16 جمعية خيرية تتبع المكتب الإغاثي بالمجلس الثوري، تعمل في المنطقة. أُغلقت جميعها، ولم تعد أية جمعية خيرية تعمل أو تقدم المساعدات لتلك المنطقة، إذ لا يرغب أحد بدعم (داعش)، خاصة بعد أن صادر عناصرها مستودعات أكبر جمعية خيرية في المنطقة، جمعية (إحسان) الخيرية. والآن، لا توجد نشاطات إغاثية باتجاه منبج وريفها، مما زاد من تدهور الوضع المعيشي لسكان المنطقة، خاصة النازحين منهم".

ويستطرد المسؤول الثوري السابق في منبج: "رغم امتلاك (داعش) للحنطة، وآبار المازوت، وسيطرتها على مطحنة منبج الضخمة، وقدرتها على التحرك بأريحية عبر الطرق المفتوحة لها بين منبج ودير الزور، إلا أن سعر ربطة الخبز ارتفع، ووزنها انخفض، وذهبت وعود (داعش)، التي نالت على أساسها شيئاً من تأييد الناس سابقاً، أدراج الرياح".

يعتقد منذر السلال أن أحد أبرز أسباب رغبة "داعش" في السيطرة على منبج، هي مطحنتها، التي ستمكن "داعش" من تأمين الطحين لكل المناطق التي تسيطر عليها. لكن ذلك لم ينعكس إيجاباً على معيشة الناس هناك، الذين يتعرضون لتضييق كبير من جانب عناصر التنظيم، خاصةً كل من له علاقة بالثوار وفصائل الجيش الحر، حيث قرر التنظيم مصادرة أملاك هؤلاء جميعاً.

ويتابع: "بدلاً من أن تحسّن (داعش) من أوضاع الناس ومعيشتهم، كما وعدت، رفعت إيجارات المحلات المملوكة للمساجد والعائدة للأوقاف، وفرضت عليها إيجاراً شهرياً قدره 15 ألف ليرة، بعد أن كان هذا المبلغ يُدفع لقاء إيجارٍ سنوي، أي أن (داعش) ضاعفت الإيجارات 12 ضعفاً. كما أنهم فرضوا ضريبة شهرية على المحلات عموماً، قدرها 5 آلاف ليرة".

وأخبر منذر السلال "اقتصاد" أن "داعش" تحاول الآن تحصيل ما عجز النظام عن تحصيله، فقد أعلن "أبو محمد الألماني"، مدير كهرباء منبج في "داعش"، عبر بيانٍ رسمي، مطالبة أهالي المنطقة بتسديد الفواتير المتراكمة عليهم منذ منتصف العام 2012، أي منذ أن خرج النظام من المنطقة. وكذلك الحال بالنسبة للمياه.

ومما زاد من تدهور الوضع المعيشي لسكان المنطقة، هو قرار السلطات التركية إغلاق معبر جرابلس، بعد سيطرة "داعش" عليه، الأمر الذي أضرّ بالكثير من المواطنين ممن كانوا يعملون في المعبر، أو عبره، من تجّار وحمّالين وسواه. وكان المعبر حتى لحظة إغلاقه باب رزق جيد للكثيرين، وطريق لنقل البضائع التركية، التي ارتفعت أسعارها إثر إغلاق المعبر.

ويختم منذر السلال بأن حركة التجارة ضعيفة للغاية في منطقة منبج، فالناس هناك خائفون، ذلك أن عناصر "داعش" يستولون على المنازل الفارغة، ويعتقلون الشباب دون أن يستطيع أهالي المُعتقل السؤال عنه. وفي ظل هذه الأجواء النفسية غير المريحة، من الطبيعي أن يحجم الناس عن العمل وتشغيل أموالهم، مما زاد من سوء الوضع المعيشي في المنطقة المكتظة بالنازحين.

يُذكر أن تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام –داعش" يتخذ من مدينة الرقة مركزاً رئيسياً له منذ ربيع العام 2013، ويسيطر على منبج وعلى مناطق في ريف حلب، وفي ريف دير الزور، وعلى معظم محافظة الرقة.

ترك تعليق

التعليق