معادلة أسدية بامتياز: تراجع الإنتاج ومدنيون يموتون جوعاً.. ونظام يسعى إلى تصدير القمح

أعلن النظام السوري عن مناقصةٍ لبيع 200 ألف طن قمح من إنتاج العام الماضي في الحسكة، محدداً وجهتها إلى العراق، في الوقت الذي تتحدث فيه الدراسات عن عدم كفاية الإنتاج للاستهلاك المحلي.

آخر موعد لتقديم العروض في السابع من أيار، وحسب المعلومات الواردة فإن النظام اعتبر من السهولة بيع المحصول للعراق القريبة من الحسكة عوضاً عن بقائهم في مناطق الإنتاج، لصعوبة نقلهم عبر الأراضي السورية.

قبل أيامٍ من إعلان المناقصة نشرت بيانات تتعلق بإنتاج القمح في البلاد وأكدت على انخفاض المحصول إلى أقل من الثلث، بعد أن كان قبل ثلاث سنوات يصل إلى حدود 3.6 مليون طن، أي أنه الآن لا يتجاوز مليون ونصف طن في أفضل الحالات، ليكون الأسوأ منذ 40 عاما، بسبب اجتماع عوامل الحرب والجفاف.

القمح الذي عادت سوريا إلى استيراده منذ العام 2008 حيث بات استيراده يقارب نسبة 25 % من الحاجة، تريد اليوم تصديره للعراق، في تناقضٍ لا يمكن أن يكون إلا مع النظام السوري، خارجاً عن كل الأعراف الاقتصادية فقلة الإنتاج لأحد المواد الاستراتيجية تتطلب الحرص على توافرها في السوق المحلي لكن النظام السوري يخالف كل القواعد ويذهب إلى تصديره للحصول على القطع الأجنبي، مستفيداً من إعفاء القمح من العقوبات الدولية.

لا يمكن قراءة هذا الخبر دون الرجوع إلى واقع الزراعة عموماً، وهنا يشير مصدر داخل وزارة الاقتصاد في حكومة النظام فضل عدم ذكر اسمه أن أرقام الإنتاج الزراعي عموماً صادمة لا يتم نشرها على حقيقتها والقمح جزء منها.

  • بهدف التراجع

ورغم أن للحرب القائمة أثرها الكبير على خروج مساحات كبيرة من دائرة الإنتاج الزراعي، إلى جانب النزوح الشديد، لكن مصدر وزارة الاقتصاد يعيد التراجع الزراعي والمحاصيل الاستراتيجية إلى فتراتٍ سابقة للحرب القائمة الآن، مشيراً إلى أن السياسات الزراعية للحكومات المتتالية في سوريا وكأنه هناك سياسة لتحقيق التراجع وليس التطور، والدليل انخفاض حصة الزراعة من الناتج المحلي إلى أقل من 16 %، وفيما يخص القمح سبق وعانت سوريا من انخفاض إنتاجه دون وجود حرب في العام 2010 والسبب كان السياسات الحكومية.

وينفي مصدر وزارة الاقتصاد صحة ما أعلنته وزارة الزراعة منذ فترة عم زراعة 1.2 مليون هكتار من القمح، متسائلاً أين يمكن زراعة هذه المساحة؟، ونحن قبل الحرب كنا نستطيع زراعة 1.7 مليون هكتار، فالسماحات الخارجة من الإنتاج الزراعي واسعة جداً، هل يعقل أن فقط 600 ألف هكتار هي التي خرجت من يد الزراعة؟

كلام المصدر سبق واعترفت بمضمونه دراسات حكومة محمد ناجي العطري كتقييم الخطة الخمسية العاشرة، والذي ورد فيه أن رفع أسعار المازوت ساهم في تراجع حصة الزراعة من الناتج المحلي الإجمالي.

كل ما قيل ويقال عن الزراعة وتراجعها كان في موضع الأخذ والرد قبل أيامٍ قليلة خلال ندوةٍ اقتصادية حضرها محمد غسان القلاع رئيس اتحاد غرف التجارة، والمهتمون في الشأن الزراعي، والذين اتهموا التجار بتأزيم الوضع الزراعي والإنتاجي، الإهانة التي لم يسكت عنها القلاع آنذاك ليفضح سياسات الحكومات أنها السبب الرئيسي لتراجع الزراعة، معتبراً أن "مشكلتنا تكمن بتعدد النهج الاقتصادي منذ تاريخ الاستقلال حتى الآن وهذا يتمثل باختلاف نهج الوزير الذي يأتي على كل وزارة".

  • تقصير متعمد

ووافقه على ذلك رئيس اتحاد الغرف الزراعية محمد كشتو، مؤكداً على إهمال القطاع الزراعي، ما أدى لهجرة الكثير من المزارعين من القرى إلى أطراف المدن، إلى جانب خطورة اقتصاد السوق الاجتماعي على الزراعة وتناقض القرارات فيما بينها حتى أصبحت الزراعة ضحية، مبيناً أن الحكومات المتعاقبة حاولت لفت النظر عن تقصيرها بقطاع الزراعة للتذرع بمبررات أخرى مثل الجفاف والصقيع، مؤكداً أن قرارات الوزارات تتناقض فيما بينها وأن الفريق الاقتصادي ذاته غير متفق مع بعضه وأن المصالح تدخل بشكل كبير في اتخاذ القرارات، وتساءل: كيف أوازن بين السماح باستيراد الفروج المجمد وبين تصدير الغنم العواس؟ فهذه المعالة غير منطقية إلا في بلدنا.

لا ندري ماذا سيكون رأي كشتو والقلاع والمزارعين من قرار تصدير القمح في ظل العوز الهائل الذي تعيشه البلاد اليوم، لا سيما وأن النظام السوري لطالما تحدث عن دعم للخبز، في حين أنه يفرض على الفلاح بيعه القمح بأقل من سعره العالمي، ما يعني أنها تدعم الخبز من جيب الفلاح، ولذلك تفرط بحوالي 4 مليار رغيف خبز سنوياً، لأن سوريا تنتج 16 مليار رغيف تستهلك منها 12 مليارا.

الأخطر أن النظام اليوم يذهب إلى تصدير القمح والمدنيون يموتون جوعاً في المناطق المحاصرة، وهنا يشير خبير اقتصادي، فضل عدم ذكر اسمه، إلى أن النظام يريد تصدير القمح قبل أن يصل إلى المناطق المحاصرة، أو إلى تلك الواقعة تحت سيطرة المعارضة، هذا إذا لم يكن قد تم تهريب المحاصيل من الحسكة قبل حتى إعلان المناقصة.

ترك تعليق

التعليق