هل ضاق الشارع التركي ذرعاً بالسوريين؟

"لولا الدعم الرسمي التركي، ربما كان الأتراك طردوا السوريين من مناطقهم".

"يوجد استياء شعبي تركي بالفعل".

"التصرفات غير المنظمة التي وسمت السوريين في كل مكان، واستخدام الرشوة من جانب بعضهم".

"التركي كان يحصل على 120 دولارا أسبوعياً، أما اليوم فالعمالة السورية تقبل بـ 50 دولارا".

"التركي كان يتكلف في زواجه 15 ألف دولار، أما اليوم يمكن لبعضهم الزواج من سوريات بـ 5 آلاف دولار، وفي حالات أخرى، ألف دولار فقط".

الوضع في إسطنبول تحديداً، أفضل لأن السوريين المقيمين هناك أقدر مادياً.


تتالت في الأسابيع الأخيرة تقارير وكالات أنباء عالمية تتحدث عن مظاهر استياء في الشارع التركي حيال التواجد السوري على أراضيه.

وكان من الممكن للمتابع أن يلحظ اهتمام الوكالات الإعلامية الكبرى بالتركيز على حوادث الاشتباكات والصدامات المحدودة التي حدثت في العاصمة التركية "أنقرة" وتلك التي أعقبتها في إحدى بلدات "لواء إسكندرون –هاتاي" بجنوب البلاد، أخيراً، وكأنها حملة تحاول تصوير المشهد في تركيا على أنه استياء شعبي واسع النطاق من التواجد السوري الكبير على الأراضي التركية.

وللتحقق من مدى دقة تقارير وكالات الأنباء تلك، بدأت "اقتصاد" سلسلة من التحقيقات عبر ناشطين سوريين في مختلف المناطق التركية، كانت البداية فيها مع ناشط إغاثي سوري مقيم في غازي عينتاب بجنوب تركيا، حيث يتواجد عدد ضخم للغاية من السوريين، وتتركز عدد من نشاطاتهم الهامة، أبرزها، مقر الحكومة السورية المؤقتة التابعة للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية.

وبدأت "اقتصاد" سلسلتها في حوار مع الناشط الإغاثي، عبيدة بطيحش، المقيم منذ مدة في غازي عينتاب، والذي أقرّ لنا بأن حيزاً واسعاً مما تقوله وكالات الأنباء العالمية حول الاستياء الشعبي التركي من السوريين، له أدلته على الأرض، على الأقل، وفق مشاهداته في جنوب تركيا.

وقال عبيدة لـ "اقتصاد": "التصرف السيء يعمّ، والحسن يخصّ. ففي بدايات نزوح السوريين لتركيا كان هناك تقبّل كبير، وتعاطف ملحوظ، من جانب الأتراك حيال السوريين. لكن بعد أكثر من سنتين من تغلغل السوريين في الكثير من المحافظات والمدن التركية، تمكن بعض سيئي السلوك من السوريين من تعميم صورة غير جيدة عنهم بين الكثير من الأتراك".

وأضاف الناشط الإغاثي: "شريحة ملحوظة من اللاجئين السوريين إلى تركيا اعتمد التسول واستدرار العطف بحجة المأساة السورية، لتأمين متطلبات حياته، دون أن يحاول إيجاد عمل كريم يُغنيه عن حاجة السؤال. ناهيك عن أولئك الذين لم يتمكنوا من إيجاد فرص عمل مناسبة، فتورطوا في أفعال مخالفة للقوانين التركية".

ويعتقد الناشط عبيدة بطيحش أنه لولا الدعم الرسمي التركي، ربما كان الأتراك طردوا السوريين من مناطقهم، مؤكداً على حادثة حصلت معه شخصياً، إذ قال له ابن صاحبة المنزل، قبيل الانتخابات البلدية الأخيرة بتركيا، "في حال خسر أردوغان عليك أن تحزم أغراضك وتغادر"، وذلك رغم أن عبيدة يتمتع بعلاقة جيدة للغاية مع العائلة المالكة المنزل. ونوّه الناشط بأن تلك الحادثة لا تعد فردية، إذ ألمح الكثير من الأتراك إلى رغبتهم بطرد السوريين من مناطقهم، مع الإشارة إلى أن بعض المناطق التركية "الباردة" القريبة من الحدود الشمالية الشرقية لتركيا، لا تستقبل سوريين أبداً، ولا تسمح لهم بالعمل هناك. وكانت بعض برامج الساسة الأتراك في الانتخابات البلدية الأخيرة تتركز على طرد السوريين.

وأكد عبيدة: "يوجد استياء شعبي تركي بالفعل". واستطرد: "عوامل عديدة عززت من استياء الشارع التركي، من بينها صعوبات تعامل السوريين مع اللغة التركية، والتي تتسبب للأتراك بالكثير من الإزعاج". وفي هذا السياق، ضرب لنا الناشط مثلاً في قضية ركوب حافلات النقل العام التركية، إذ يوقف السوريون الحافلة عدة مرات دون مبرر، وذلك للتأكد من أنهم وصلوا للمكان المقصود، نظراً لكونهم عاجزين عن قراءة تفاصيل اللوحة التي تحملها الحافلة، والتي توضح وجهتها، وهي لوحة مكتوبة بالتركية.

إضافة إلى ما سبق، هناك ضغط كبير من السوريين على المشافي التركية. والأخطر، حسب الناشط، الضغط على المنظمات الإغاثية، والتصرفات غير المنظمة التي وسمت السوريين في كل مكان، واستخدام الرشوة من جانب بعضهم بصورة أعادت إحياء ظاهرة تقبل الموظفين الرسميين الأتراك للرشاوي، والتي غابت لعقد من الزمن في تركيا بفعل إجراءات حكومة أردوغان الرقابية في هذا الصدد.

وقد يكون الضغط المعيشي الذي سببه تواجد السوريين الكبير في المناطق التركية الجنوبية، أحد أبرز الأسباب التي تقف وراء تفاقم استياء الأتراك من التواجد السوري. يقول عبيدة: "إيجارات البيوت هنا تضاعفت مرتين وثلاثة، مما أثار استياء الأتراك الذين لا يملكون بيوتاً. وقد قلّص السوريون فرص العمل المتاحة أمام الأتراك، فالتركي كان يحصل على 120 دولارا أسبوعياً، أما اليوم فالعمالة السورية المتواجدة بجنوب تركيا تقبل بـ 50 دولارا أسبوعياً، وتمتلىء المناطق الصناعية التركية بعمال وعاملات سوريات يعملون بأجور زهيدة جداً مقارنة بالعامل التركي".

وختم عبيدة بحطيش بظاهرة زواج بعض الأتراك من سوريات بمهور منخفضة للغاية: "فالتركي كان يتكلف في زيجته 15 ألف دولار، أما اليوم يمكن لبعضهم الزواج من سوريات بـ 5 آلاف دولار، وفي حالات أخرى، ألف دولار فقط، مما جعل بعض الأتراك يتزوجون سوريات لفترة، ومن ثم يطلقونهن، لأن مهورهن زهيدة للغاية".

ورغم تلك الصورة المأساوية التي رسمها لنا الناشط عبيدة بطحيش، فإن الأخير أكد بأن الاستياء الشعبي التركي أكبر بكثير في المناطق القريبة من الحدود السورية في جنوب تركيا، أما الوضع في إسطنبول تحديداً، فهو أفضل، إذ إن طبقة السوريين المقيمين هناك أقدر مادياً، مما يقلل من الظواهر والسلوكيات السلبية التي تصدر عن بعضهم.

وأقرّ الناشط لـ"اقتصاد"، أنه غير قادر على تعميم مشاهداته السابقة على كل المناطق التركية. وفي هذا الصدد، ستعمل "اقتصاد" في الأيام القادمة على التواصل مع ناشطين سوريين في مناطق تركية أخرى، لرصد موقف الشارع التركي حيال السوريين، كي نعرف: "هل ضاق الشارع التركي ذرعاً بالسوريين؟".

ترك تعليق

التعليق