مجموعة الأزمات الدولية تنصح الاتحاد الديمقراطي ألا يبقى رهينة الأسد

أصدرت مجموعة الأزمات الدولية مؤخرا دراسة عن وضع الأكراد في سوريا بعنوان "الصعود الهش لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (pyd)". تناولت الدراسة دور هذا الحزب في تطورات القضية الكردية، وأظهرت التنافس بينه وبين المجلس الوطني الكردي المنضوي تحت الائتلاف الوطني بينما هذا الحزب ينضوي هيئة التنسيق الوطنية.

الخلاف بين الأكراد السوريين مصدره الفعلي يعود إلى أن الاتحاد الديمقراطي تابع لحزب العمال الكردستاني التركي، أما المجلس الوطني الكردي فيتبع في سياساته لحزب مسعود البرزاني. وفي ظل اختلاف المصالح بين الحزبين التركي والعراقي يتم تمزيق الأكراد السوريين إلى قوى متصارعة، لا يكاد يجمع بينها جامع، وبذلك يقترب الاتحاد من إيران والنظام السوري، فحزب العمال متحالف معهما، ويقترب المجلس من تركيا كونها متحالفة مع الائتلاف الوطني لقوى المعارضة السورية.

كل المحاولات التي جرت للتقريب بين القوتين الكرديتين المنفصلتين فشلت تماما، بل إن خلافهما ساهم في تدهور أوضاع الأكراد حيث تغلق الحدود كردستان العراق أمامهم وكذلك تغلق الحدود التركية، لتظل الإمكانية الوحيدة لتأمين حاجات المواطنين هو النظام وكذلك معبر اليعربية الذي يسيطر عليه المالكي في بغداد، لتتعزز علاقة الاتحاد بالنظام وبكل حلفه، ومن هنا جاء الاتهام المستمر لحزب الاتحاد الديمقراطي بأنه تابع للنظام السوري وسياسته ليست لصالح الأكراد ووجوده هش كما يقول التقرير؛ فهو بسيطرته على المناطق الكردية الثلاث ساعد النظام في مواجهة بقية المناطق في سوريا، وحافظ على وجود النظام ذاته في المناطق الكردية ولكن بشكل أخف.

المناطق الثلاث هي منطقة الجزيرة في الحسكة وعين العرب وعفرين؛ النظام لا يزال يقدم الرواتب وخدمات الكهرباء والهاتف وسواها، ولكنه سياسيا انسحب من هناك وأخلى دوائره لصالح هذا الاتحاد، لتبدو العملية وكأنها تسليم مراكز، وبالتالي تحالف واقعي، يعزز من هذه الرؤية بقاء قوات للنظام في تلك المناطق؛ وكلما تعززت سيطرة الاتحاد ظهر جليا أن النظام لا يزال يفرض سيطرته على المناطق التي يتواجد بها الأكراد كأغلبية.

كردستان الغربية

يسمي الاتحاد إضافة إلى المجلس الوطني الكردي المناطق الكردية بكردستان الغربية، ويقصدان أنها جزء من كردستان التاريخية ويضيفان أنه لولا الاتفاقيات الاستعمارية ولا سيما سايكس بيكو ورفض الدول الإقليمية لنشوء دولة للكرد لكانت كردستان موحدة؛ ولكن أعضاء الحزبين يختلفون في كيفية إدارة المناطق الكردية ومن الممثل السياسي عنها؛ ففي الوقت الذي يقدم المجلس نفسه كمعبّر عن الأكراد وأن الأكراد بحالة ثورة وهم مع إسقاط النظام ويريدون فدرالية لا تقسيم لسوريا، فإن الاتحاد يخفف من هدف الإسقاط لصالح البحث عن حل سياسي كما موقف هيئة التنسيق تماما، وبالتالي يستمر النزاع ويتطور بين الجهتين.

قوة الاتحاد متأتية من كونه يمتلك مقاتلين مدربين بشدة، وقد عادوا إلى شمال سوريا بعد فترة قصيرة من اندلاع الثورة، بما فيها رئيسهم صالح مسلم؛ الذي كان منفيا؛ وكذلك متأتية من دفاعهم عن الأكراد في مواجهة الجماعات الأصولية، والتي تعادي الأكراد لأسباب قومية وطائفية، وكذلك بدعم تركي لهم يريد تحجيم الاتحاد الديمقراطي والتخفيف من نزعة العداء لتركيا أو تطور التفكير الكردي بأية مخططات تخص سوريا وتركيا معا، أي التنسيق الكردي –الكردي بين الدولتين، ومحاصرة التجربة الكردية لإدارة شؤون الأكراد بشكل مستقل عن النظام المركزي؛ فالاتحاد الديمقراطي يعد الحاكم الفعلي للمناطق الكردية؛ حيث أنشأ القوات الشعبية ومحاكم وغيرها من المؤسسات التابعة له، والتي تشير بوضوح إلى تفرده بتمثيل الأكراد.

النقد الذي توجهه هذه الدراسة أن سيطرة الاتحاد هشة حيث إنه أنشأ كل مؤسساته وشرطته بشكل فوقي، ودون أية انتخابات وضمن علاقة مباشرة مع النظام؛ وأنه تابع في الأصل لحزب العمال الكردستاني، والذي أسس الاتحاد بعد طرده من سوريا عام 1998 وبالتالي هذا الاتحاد ليس مستقلا وخاصا بالسوريين ويمثل مصالح حزبية ليست بالضرورة تتوافق مع مصالح أكراد سوريا أو الأكراد بشكل عام.كل المحاولات التي جرت للتقريب بين القوتين الكرديتين المنفصلتين في سوريا فشلت.

تنحاز دراسة مجموعة الأزمات الدولية إلى صالح قوى المجلس الوطني، وتصوره كجهة مظلومة من قبل الاتحاد الديمقراطي، وأنه هو من يمثل الأكراد بالعموم، رغم أن التقرير يحاول أن يوضح دور الطرفين في عدم تمثيل دقيق للأكراد، وأكثر مما يدافع عنه المجلس هو الحق المشترك مع الاتحاد في قيادة الأكراد في سوريا وتدبير شؤونهم ورفض نزعة الانفراد الحزبية.

المجلس يخطئ كما الاتحاد تماما، في أنهما تابعان للخارج الكردي في تركيا والعراق، بل إن التقرير لا يتوقف أبدا عند هذه القضية وكأنها تحصيل حاصل، وفي استخدام مصطلح كردستان الغربية واعتماده في الدراسة للتعبير عن الأكراد، إيضاح كامل عن هذه القضية. المهم هنا أن هذه التبعية وبدلا من أن تكون لصالح أكراد سوريا، فهي تضر بهم، باعتبار التغيير في المنطقة يحصل في سوريا، ولا يحصل في بقية المنطقة، ولن يتجاوز حدود سوريا حاليا، وحتى لو حدث ذلك فإن أكراد العراق ليس من الواضح أنهم سيتقدمون خارج حدودهم ولا أكراد تركيا وطبعا ليس أكراد إيران، وبالتالي ليس من تغيير فعلي في الحدود الراهنة؛ إذا الممكن الوحيد هو تأمين دعم مالي وإغاثي وربما مقاتلين لأكراد سوريا.

استنتاجات

حينما نرى أن هذا الممكن الوحيد تصبح الضرورة الحاسمة أن يدرس وضع الأكراد في سوريا، والخروج باستنتاجات تخص واقعهم فقط. الدراسة تولي هذه القضية أهميتها نسبيا، وقد وضعت خلاصات هامة وهي:

- الامتناع عن استعمال القوة العسكرية لفرض أيديولوجيا حزب العمال الكردستاني، بقيادة عبد الله أوجلان، وهيكليته المؤسساتية على الأكراد السوريين وعلى غير الأكراد.

- توسيع قاعدة تأييده للاستجابة لتوقعات واقعية، وليس ببساطة للخشية من الجهاديين والأحلام القومية الكردية التقليدية.

- السعي إلى تطبيع علاقاتهم مع محيطه غير الكردي بالتواصل مع الأقليات غير المتحالفة مع دمشق ومع الشرائح الأكثر براغماتية في المعارضة السورية، والذي سيظل الاتحاد الديمقراطي دونها رهينة لنظام قمعي سيتحول ضده عندما يحين الوقت.

- الابتعاد عن الاعتماد الحصري على النظام في التواصل أيضا مع الفصائل الكردية وغير الكردية لتنويع الوصول إلى الموارد (على سبيل المثال لإيجاد الوسائل لفتح الحدود أمام المساعدات الإنسانية، والخدمات والأموال).

- وضع استراتيجية، بالتعاون مع الفصائل الكردية وغير الكردية الأخرى، لاستبدال النظام كمقدم للخدمات، بما في ذلك نزع المركزية عن تقديم الخدمات من القامشلي والحسكة وتوزيعها على المناطق الأخرى التي لا تتواجد فيها الأجهزة الأمنية للنظام.

- السعي، مع تقليص التوترات الكردية الداخلية وتعزيز العلاقات مع المجتمعات الأخرى على المستوى المحلي، إلى إقامة علاقة أكثر توازنا مع القوى الأجنبية المتنافسة لتقليص قدرتها على استغلال التوترات الداخلية لدفع أجنداتها الخاصة.

ترك تعليق

التعليق