"بروفة" تقاسم "كعكة" إعمار سوريا في بيروت

في الوقت الذي كان فيه القيّمون على مسرحية "انتخاب الأسد" في دمشق يضعون لمساتهم الأخيرة لإغلاق الستارة، كانت بيروت تستعد لاستضافة "بروفة" عمليّة لترتيب "إعادة إعمار سوريا"، على يد رجال أعمال وخبراء ودبلوماسيين.

عبارة زلّ بها عبد الله الدردري، خبير "الإسكوا" اليوم، قائد أوركسترا الاقتصاد السوري بالأمس، إذ قال: "لسنا هنا لتقاسم كعكة إعمار سوريا". لكن عبارة الدردري تلك نفاها اهتمام نخبة من نشطاء عالم المال والأعمال بـ "منتدى رجال الأعمال السوريين" الذي عُقد على هامش معرض "بروجكت لبنان" المُتخصص بمواد ومعدات وتقنيات البناء في لبنان والشرق الأوسط.

"يُشمّر" اليوم، رجال أعمال سوريين عن سواعدهم، للاقتناص من "كعكة" إعمار سوريا. بعضهم موالٍ للأسد، وآخر قرر العودة إلى "حضنه" أخيراً، ناهيك عن فريق ثالث من رجال الأعمال السوريين الذين ما يزالون "بين بين"، يراقبون الكفة لمن تميل، فـ"كعكة" إعمار سوريا ستكون دسمة للغاية، وتستحق التلون كـ "الحرباء"، وحسب الدردري، الذي يُعد أحد المتلونين كـ"الحرباء"، فإن إعمار سوريا سيُكلف ما بين 165 و 200 مليار دولار، منها نحو 60 ملياراً من الاستثمارات العامّة التي يفترض أن تتحمّل كلفتها الدولة السورية، وهي أرقام يسيل لها لُعاب المستثمرين في أي مكان.

لكن الاهتمام بـ"إعادة إعمار سوريا" لم يكن شأن رجال الأعمال السوريين فقط، بل شاطرهم إياه خبراء اقتصاديون وممثلون لشركات ضخمة، إقليمية ودولية، ودبلوماسيون عرب وأجانب، ناهيك عن مسؤولين أمميين، من بينهم الدردري نفسه، الذي يقود اليوم مشروع "الأجندة الوطنية لمستقبل سوريا" الذي أطلقته "الإسكوا"، بعد أن قاد سابقاً مشروع "لبرلة" الاقتصاد السوري، والذي يحمله بعض الخبراء مسؤولية تدهور مستوى معيشة شرائح واسعة من السوريين.

المنتدى الذي حضرته "مجموعة مختارة" من كبار رجال الأعمال والمستثمرين السوريين والعرب والأجانب، حسب وسائل إعلام لبنانية، استهدف مواكبة جهود مؤسسات دولية، في مقدمتها "الإسكوا"، للإعداد لعملية "إعادة إعمار سوريا"، التي يعتقد منظمو وحضور ذلك المنتدى، بأنها اقتربت.

كما استهدف المؤتمر تطوير شبكة العلاقات والشركات بين رجال الأعمال السوريين، وبين نظرائهم من الشركاء الإقليميين والدوليين، عبر لقاءات ثنائية تجمع بين قادة مجتمع الأعمال السوري، وبين ممثلي الشركات والبعثات التجارية والدبلوماسية، الذين حضروا المنتدى على هامش معرض "بروجكت لبنان".

وفي الوقت الذي يتشكى فيه مسؤولو لبنان، والكثير من أبنائه، من عبء اللاجئين السوريين المتواجدين على أراضيهم، يرتب اقتصاديوهم ورجال أعمالهم، لنيل نصيبٍ وافرٍ من "كعكة" إعمار سوريا، حسبما أقرّ جورج بوناهد، مدير مشروع "بروجكت لبنان"، الذي وجه الدعوة لرجال الأعمال السوريين لحضور المؤتمر وتبادل الأفكار والمعلومات مع أكثر من 400 شركة مشاركة في هذا المعرض، منها 150 شركة دولية من 20 دولة كمصر وألمانيا وفرنسا وتركيا، حيث شاركت الأخيرة بثمان شركات مختلفة الاختصاصات.

صحيفة "النهار" اللبنانية، وفي تقرير لها، أقرت بأن الكثير من شركات القطاع الخاص بالشراكة مع بعض المؤسسات الدولية المعنية، تعدّ العُدة لإطلاق صافرة إعادة إعمار سوريا. لكن أحداً لم يقل أي سوريا تلك التي سيبدأ "إعمارها" قريباً!

وقد شهد "منتدى رجال الأعمال السوريين" مشاركة ممثلين عن أكثر من 50 شركة سورية من شركات التجارة والمقاولات، على رأسها اتحاد غرف التجارة السورية، وتمثّل الأخيرة حضوراً شبه رسمي لنظام الأسد، مما يعني أن لقاء رجال الأعمال السوريين هذا ببيروت يحظى بدعم من نظام الأسد.

بكل الأحوال، ليس جديداً على نظام الأسد أن يغني "موّال" إعادة إعمار سوريا، فهو يلعب على وتر هذه البروباغندا منذ أكثر من سنة، لكن الجديد بأن هذا "الموّال" بدأ يلقى اهتماماً متنامياً من قطاع الأعمال السوري تحديداً، والذي اعتكف معظم رموزه عن النشاط داخل البلاد منذ أن بدأ المشهد السياسي والميداني في سوريا يتعقّد.

وكخاتمة، يبقى ما حدث في بيروت على هامش "بروجكت لبنان"، "بروفة" لا أكثر، لكنها تشي بالكثير، وتُوحي بأن مجتمع الأعمال السوري، وربما الإقليمي في بعض الدول المجاورة، يراهن على "إعمار سوريا" الخاضعة لنظام الأسد، في الوقت الذي يتقدم الأخير في تأمين الأجزاء التي تخضع لسيطرته، مقابل مواصلة تدمير الأجزاء التي يأس حتى الآن من استعادتها، بالبراميل المتفجرة، ليقضي على كل بديلٍ للاستقرار تحت ظله. وبالتزامن، يقدم نموذجاً للاستقرار والإعمار تحت وطأة حكمه. علّ السوريين، في نهاية المطاف، بغالبية شرائحهم، يقبلون معادلة "قبول الأسد = إعمار البلد"، بدلاً من سيناريو "الأسد أو نحرق البلد".

وتبقى الأشهر القليلة الفاصلة قبل نهاية العام الجاري كفيلة في الكشف عما إذا كان نظام الأسد محقاً في استراتيجياته، وفيما إذا كان سيناريو تدمير البديل، سيُؤتي أُكله بنجاح، لصالح آل الأسد وأنصارهم.

ترك تعليق

التعليق