الاقتصاد الأمريكي المحكوم بالحرب.. وأيقونة الأسد المُدمّرة

سادت في السنوات الأولى من العقد الماضي، نظرية اقتصادية روّجها بعض الخبراء الروس، ولقيت تقبلاً ملحوظاً في أوساط الكثير من الاقتصاديين العرب، مفادها أن الاقتصاد الأمريكي، والغربي المُلتحق به، محكوم بالحرب، بمعنى أن الحروب تعطي دفعاً لهذا الاقتصاد بحيث تخرجه من حالات الركود التي تحلّ عليه من حين لآخر.

ترافق رواج هذه النظرية مع بدء جورج بوش الابن بسلسلة حروبه في أفغانستان والعراق، بالتزامن مع ظهور مؤشرات على ركود اقتصادي مُرتقب في الاقتصاد الرأسمالي الغربي عموماً، والأمريكي خصوصاً.

لكن حربي بوش في أفغانستان والعراق أثخنت الاقتصاد الأمريكي بالمزيد من الجروح، دون أن يساعدها نفط العراق المنهوب، أمريكياً يومها، على الاندمال بالسرعة الكافية لتجنب أزمة جديدة من أزمات الرأسمالية الغربية، فكانت أزمة نهاية العقد الماضي، التي هزت الاقتصاد الغربي عموماً، وكانت، على ما يبدو، درساً شديد الوطأة بأن التورط المباشر في حروبٍ خارجية قد تكون كلفته أكبر من جدواه الاقتصادية.

وفي الوقت الذي كان فيه الاقتصاد الأمريكي يلعق جراحه بعد أزمته الأخيرة، كان فريق من الاقتصاديين في العالم يصرون على أن الخروج النهائي من نفق الأزمة الاقتصادية العالمية، الأمريكية المصدر بصورة رئيسية، لن يتم إلا بتنشيط قطاعي السلاح والإعمار والمقاولات. خاصة أن تنشيط الأخير، قطاع الإعمار والمقاولات، كفيل بتحريك عدد كبير من القطاعات الأخرى، حسب مختصين.

ومع اندلاع ثورات "الربيع العربي"، وتأزم المشهد في بعض بلدانه، ومنها ليبيا وسوريا، وإلى حد ما، اليمن، تحدث خبراء اقتصاديون، جلّهم من العرب، عن "مؤامرة" غربية تسعى لتأزيم الأوضاع الناجمة عن "الربيع العربي"، ودفع بلدانه باتجاه الاقتتال الداخلي، والتدمير الذاتي، بغية تنشيط قطاعي السلاح، والإعمار والمقاولات، الغربي منهما تحديداً، حالما ينجلي غبار المعارك في المنطقة.

وكان جزء كبير من الخبراء المؤيدين لهذه المقولة، مناصرين للأنظمة الحاكمة في المنطقة، خاصة منها التي تتعرض للضربات المباشرة من موجات "الربيع العربي"، وكانت تحليلاتهم "حقٌ يُراد به باطل"، وكانت غايات معظمهم تهدف إلى تشويه "الربيع العربي"، والتنفير منه.

لكن قِلّةً من أنصار تلك النظرية، أولئك الذين تحدثوا عن دور الحكام العرب، المُستهدفين بـ"الربيع العربي"، في تنفيذ "مؤامرة الغرب" المزعومة، عبر العنف المفرط وغير المسبوق في التعامل مع الحراك الثوري في بلدانهم.

وببساطة، يمكن لأي مراقبٍ أن يُتوج بشار الأسد، على رأس هرم الحكام العرب، في تدمير بلده بعنف مُفرط، لمواجهة حراك ثوري مناوئ له. وكأنه ينفذ غايات الغرب، حرفاً بحرف، ويرفع "أيقونة مُدمرة" لبلده، تزيد أسهمه في حسابات الغرب، وتدفع الأخير للإبقاء عليه، أكبر قدرٍ ممكنٍ.

في سوريا وصل حجم الدمار، بالأرقام، إلى أكثر من 200 مليار دولار. تلك سوقٌ مثيرة للشهية، والأهم أن الدمار لم يتوقف، فالأسد أعاد "انتخابه"، وهو يصر، مع حلفائه، على الاستمرار في حربه المُدمرة على شعبه وبلده، والغرب ما يزال يتلكأ، بذريعة الخوف من "الإرهاب"، و"رِهاب البديل". فالغرب لن يجد بديلاً أفضل من الأسد. فالرجل أمين في تحقيق مصالح "أعدائه"، فها هو يدمر لهم سوريا. وحالما يُنهك نظامه، أو يتعب حلفاؤه من تمويله ودعمه، تحصل تسوية، قد تكون على حساب رأسه، لتبدأ رحلة "إعادة الإعمار"، التي سيكون للغرب، وشركاته العابرة للقارات، المُتغلغلة، عبر شراكاتها الإقليمية الراسخة في إمارات كدبي، وواجهات مصرفية كبيروت، نصيب الأسد فيها، فينتعش اقتصاده، على حساب دماء السوريين، ويكون لبشار لأسد ذكرى حميدة في عداد أرصدتهم البنكية، يوم يتخلون عنه لمصيره، بعد أن يكون قد أدى المطلوب منه، عن وعي، أو غير وعي، فهو لن يكون أغلى عليهم من صدام حسين أو معمر القذافي، أو حتى حسني مبارك، لكنه بكل تأكيد، سيحمل ذكرى أغلى على قلوبهم، إذ لا أحد ممن سبق ذكره، جرّ عليهم فوائد تقل عن المغارم، كتلك التي جرها الأسد، و"أيقونته المُدمرة"، عليهم.

ترك تعليق

التعليق