"اقتصاد" تسلط الضوء على مأساة "قمح الحسكة" لهذا الموسم

تراجع إنتاج القمح هذا الموسم في حقول الحسكة بشكل غير مسبوق في المناطق التي كانت تتميز باستقرار في الإنتاج لتوفر مياه الري، والأراضي الخصبة على ضفتي نهر الخابور وروافده وخاصة شمال الحسكة الذي يعتمد على الزراعة المروية.

وذكر مزارعون من رأس العين أن إنتاج هذا العام كان سيئا جداً، حيث أنتج الدنم الواحد بين 1- 1:5 كيس، ما يعني أن لا يغطي نفقات زراعته، في حين كان ينتج الدنم بحدود 4- 5 أكياس وفي أسوأ الأحوال 3 أكياس.

ويرجع المزارعون السبب إلى عدم توفر الأسمدة بشكل رئيسي، وإلى سوء نوعيات البذار، ويضاف له عد استطاعة الفلاح إكمال الريات المطلوبة للمحصول، كما ساهم الطقس السيء في وقت الإزهار إلى إنتاج سنابل نصفها السفلي فارغ، بالإضافة لأسباب أخرى لا يمكن معرفتها بسبب عدم وجود مهندسين زراعيين في ريف المحافظة.

ويخشى كل فلاح في الحسكة من عدم تأمين الحصادات، لحصاد المحصول خوفاً من الحرائق التي التهمت حتى الآن عشرات الآلاف من الدنمات، والأكياس الفارغة، وشاحنات النقل لتسويق القمح لمسافات بعيدة عن حقول الفلاحين ما يزيد في التكاليف، والتعب، وأخطار مصادرتها من قبل الميليشيات التابعة للنظام، أو فرض الاتاوات عليها في الحد الأدنى من استغلال الفلاح الذي بات مقتنعا بأن الإقلاع عن الزراعة يجنبه المشاكل مع عصابات النظام التي تحكم الحسكة.

النظام يستعد لاستلام المحصول في مدينتي الحسكة، والقامشلي، حيث يسيطر بشكل مباشر عليهما، بينما يجبر الفلاح على التسويق إليه لعدم وجود جهات أخرى تدفع ثمن المحصول الوفير بالعادة، حيث يتراوح إنتاج محافظة الحسكة حسب جودة الموسم بين 500- 700ألف طن وأكثر.

بينما بقي كلام الحكومة المؤقتة على لسان وزير المالية، والاقتصاد ابراهيم ميرو، عن شراء 200 ألف طن من مجمل الإنتاج المتوقع لسوريا الذي قدره بنحو 1,2 مليون طن من القمح هذا الموسم، حبراً على ورق حسب ما يرى مزارعو الحسكة.
ويواجه محصول القمح خطرا حقيقيا يتمثل في الاشتباكات المستمرة بين تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش"، وبين مسلحي حزب الاتحاد الديمقراطي الـ(PYD)، التي أتت على عشرات الآلاف من الدنمات نتيجة تسببها في حرائق كبيرة، في ريف مدينتي القامشلي، ورأس العين في المحافظة.
وحسب مصادر محلية في ريف الحسكة تراجع إنتاج الهكتار المروي إلى الربع تقريبا، في الحقول التي لم يستطع أصحابها تأمين الأسمدة اللازمة، وإكمال السقايات الضرورية في نيسان، وأيار بسبب الأعطال في المحركات نتيجة استخدام المازوت المصفى بشكل بدائي.

وفي السياق ذاته أعلن تنظيم الدولة الاسلامية في العراق و الشام "داعش" الذي يسيطر على الجزء الأكبر من ريف الحسكة، فرض الزكاة على منتجي محصول القمح بنسب تتراوح بين 5%- 10 % حسب نوع المحصول مروي أو بعلي، وتطوف لجان جمع الزكاة على الفلاحين لجمعها في ناحيتي تل حميس، و الهول، والشدادي وفق ما أفاده ناشطون.

كما تفرض مليشيات حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، بموافقة النظام ضرائب تصل إلى 7% من الإنتاج، بالإضافة لإتاوات يدفعها الفلاح أثناء المرور بالحواجز التابعة لها، كما تتدخل في عمليات إجراء الحصاد، وتطلب من الفلاحين في المناطق التي تسيطر عليها إعلامها بنيتهم الشروع بالحصاد قبل البدء فيه، وأخذ موافقات لنقل الإنتاج، مع تدخلها في تحديد أجور حصاد الدنم الواحد من القمح.

وأكد ناشطون أن ميليشيا YPG التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي PYD وضعت يدها على المحاصيل الزراعية العائدة للفلاحين والمزارعين الكُرد في قرية "تل عيد" الواقعة على بعد 15كم جنوبي القامشلي بذريعة أنها حمتها من تنظيم "داعش".

ويضاف إلى الأعباء المالية على عاتق الفلاحين، ارتفاع سعر أكياس الخيش الفارغة من 80 ليرة سورية إلى نحو 175- 200 ليرة سورية حاليا، في السوق السوداء التي يعتمد عليه الفلاح في خضم إهمال احتياجاته من الحكومة المؤقتة، وسلطات الأمر الواقع المليشياوية، ما يجعل الفلاح مجبرا على شرائها من التجار، أو استبدالها بأكياس النايلون التي كانت تستخدم لتخزين التبن، والسماد، وتحتاج الحسكة نحو 10 ملايين كيس فارغ سنويا لاستيعاب إنتاجها من القمح الذي يتجاوز 500 ألف طن في أسوأ الأحوال، إلى جانب كميات كبير تحصد بطريقة (الدكمة) سائبة دون أكياس.

ويواجه الفلاح في الحسكة مأزق تأمين حصادة بعد تراجع عدد الحصادات في المحافظة التي تحتاج إلى نحو 700 حصادة لجني المحصول بفترة معقولة، ما جعل أصحاب الحصادات يفرضون على الفلاح الدفع نقدا مبلغ يتجاوز 800 ليرة سورية للدنم الواحد، وكانت قبلا تكتفي بنسبة 4% من الإنتاج تحصل عليه قمحا بشكل مباشر حسب أحد الفلاحين الذين حصدوا قمحهم في منطقة أبو راسين.
يُذكر أن الحكومة السورية المؤقتة كانت قد أصدرت قراراً، في اجتماعاتها الأخيرة، بتخصيص 10 ملايين دولار لشراء محصول القمح من الفلاحين.

ترك تعليق

التعليق