سوريا بين الابراهيمي ووزير اقتصاد الأسد

لا تبدو سوريا التي تحدث عنها الأخضر الابراهيمي وتحولها إلى نسخة جديدة عن الصومال، هي ذاتها سوريا التي تحدث عنها وزير الاقتصاد في حكومة النظام خضر أورفلي والذي قدم وعوداً التي لا تتعدى كونها "بيع حكي".

النظام والذي أثبت خلال سنوات الثورة انفصاله عن الواقع، ليس على الصعيد الميداني أو السياسي وحسب، إنما أيضاً على صعيد الاقتصاد، عبر وعود التنمية والإعمار والعيش الكريم للمواطنين.

وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية في حكومة النظام خضر أورفلي أكد أن "سوريا بعد الانتخابات ستكون سوريا الانتصار والبناء ومحاربة الفساد وتجفيف منابعه ويعد ببناء اقتصاد قوي يكفل مستوى معيشياً مناسباً للمواطن السوري الذي صمد وضحى وأعطى ليبقى وطنه عزيزاً صامداً".

وقال أورفلي بمناسبة انتخاب بشار الأسد إن يوم الثالث من حزيران سيرسم آثاره الإيجابية على مستقبل سوريا التي يريدها السوريون الذين قالوا كلمتهم في الداخل والخارج وأثبتوا وطنيتهم بامتياز.

تصريح الوزير أتى تماماً في الوقت الذي أكد فيه المبعوث الأممي إلى سوريا الأخضر الابراهيمي بأن سوريا مقبلة على "صوملة"، وجميع التقارير الدولية تؤكد على الخراب الذي تعيشه سوريا، علاوةً عن الأزمة الإنسانية غير المسبوقة في التاريخ المعاصر.

وبالمقارنة بين تصريح أورفلي والابراهيمي فإن الأخير اعتبر أن "سوريا ستصبح دولة فاشلة يديرها زعماء ميليشيات على غرار الصومال"، بينما وعد أورفلي المواطن بالعيش الكريم، ملمّحا إلى أن البلاد ستبقى لمن صمد إلى جانب النظام.

وبعيداً عن تبعات الحرب التي دمرت البشر والحجر الشجر، يمكننا مناقشة وعود أورفلي عبر النظر إلى عقود حكم الأسد الابن والأب.

ولعل الفساد السياسي والاقتصادي هو أخطر آفة يمكن أن تصيب أي بلد، وهي في أبرز حالاتها في سوريا.

فعن الفساد الاقتصادي والذي وعد أورفلي بتجفيف منابعه فحدث ولا حرج، حيث وصل قبل الثورة إلى ما يزيد عن 30 % من الناتج المحلي الإجمالي "والذي يبلغ 55 مليار دولار على دولار 50 ليرة" أي ما يقارب 15 مليار دولار، ولكونه فسادا قائما في بنية الاقتصاد السوري لم تتمكن أي من الحكومات أن تقدم إلا وعوداً بتجفيف منابعه، في حين أنه أخذ بالتكاثر في زمن الاشتراكية تحت غطاء وصاية الدولة وأيضاً في زمن الليبرالية تحت غطاء الاستثمار الخاص.

ولا أدري إن كنا سنزيد لمعلومات أورفلي إذا ذكرنا أنه سبق لدراسات خرجت في العام 2010 أن أكدت بأن 5 % فقط من الفاسدين تستحوذ على القيمة الأكبر من الفساد والتي تصل إلى 80 % من حجم الفساد الكلي "وتتضمن الصفقات المشبوهة والرشاوي الضخمة وهدر في المال العام وتهرب ضريبي"، في حين أن 95 % من الفاسدين لا تتجاوز حجم فسادهم 20 % من إجمالي الفساد "وهي المتمثلة في الرشاوي الصغيرة".

أما رسمياً فالرقم الوحيد خرج في العام 2010 حين أصدرت وزارة المالية ولم تعترف إلا بفسادٍ بلغ 5 مليار ليرة حوالي 134 مليون دولار على دولار 50 ليرة.

لكن الرقم العالمي عن الفساد الذي تريد حكومة النظام تجفيفه فقد تحدثت عنه منظمة الشفافية الدولية لذات العام، حيث اعتبرت سوريا في ترتيب متقدم بين أكثر دول العالم فساداً وتراجعاً في الشفافية المالية والاقتصادية.

واحتلت سوريا المرتبة 127 عالمياً من أصل 180 دولة، والمرتبة 15 عربياً في قائمة المنظمة لعام 2010، ولم يتحسن ترتيبها إلا بمقدار درجة واحدة عن المرتبة 126 التي احتلتها عام 2009.

وكل المؤشرات اليوم تتحدث عن فسادٍ يتضاعف يوماً بعد يوم بسبب توافر البيئة الحاضنة له في ظل الحرب الدائرة، والتي تحتاج سوريا بعدها لعشرات السنوات ومئات مليارات الدولارات للتعافي من آثارها.

وإذا عدنا للمقارنة بين ما قاله الإبراهيمي وما وعد به أورفلي يمكن الحديث عن مؤشر الفساد الكلي الذي لا تسبق سوريا فيه إلا الصومال، حيث وقفت سوريا عند النقطة 2.24 في حين الصومال كانت عند 0.7 نقطة.

وبينما وعد أورفلي بدولة العيش الكريم للمواطن والتي تفتح أبوابها للمستثمرين، سبق أن اعتبر الإبراهيمي أن الدولة التي تشهد حربا أهلية دخلت عامها الرابع تتجه لأن تصبح دولة فاشلة يديرها زعماء ميليشيات على غرار الصومال".

صوملة سوريا يشي بها شهداء الجوع الذين يزدادون يوماً بعد يوم، أما أمراء الحرب فلا تحتاج إلى إثباتٍ أكثر من الواقع الذي تعيشه البلاد.

ترك تعليق

التعليق