"لغز" مشروع ريّ دجلة في مثلث "الأسد –مسلّم- البغدادي"

يمكن لأي مراقبٍ يومي للشأن السوري أن يُفاجأ بقرار حكومة الأسد استئناف مشروع "ريّ دجلة" المُدشن منذ سنوات...فما الذي استجد في "مثلث" الحسكة حتى يقرر نظام الأسد استئناف مشروع توقف مع "فلتان الأمن" وفقدان حاكم دمشق لسيطرته على معظم مساحة محافظة الحسكة؟

الحسكة ذاتها عادت بقوة إلى الإعلام الرسمي، وكثرت الأخبار عن نشاطات مسؤولي الأسد المحليين هناك، من محافظة ومديرية حماية للمستهلك، وأفران وسواها...وكأنها رسالة بأن نظام الأسد ما يزال موجودا في تلك المحافظة الغنية بالنفط والقمح.

يتقاسم نظام الأسد، وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، بزعامة صالح مسلم، و"الدولة الإسلامية" بزعامة "الخليفة" أبو بكر البغدادي، السيطرة على واحدة من أغنى محافظات سوريا. وإن كان معظم المراقبين يعتقدون بأن غالبية مساحة المحافظة تحت سيطرة "الاتحاد الديمقراطي" الكردي. دون أن ينفي ذلك تواجد مقاتلي "الدولة الإسلامية" بقوة في جنوب المحافظة، حيث تعتبر بلدة الشدادي إحدى أبرز معاقلهم هناك.

وفي حين يقبع مسؤولو الأسد في مدينة الحسكة، مركز المحافظة، يسيطر "الاتحاد الديمقراطي الكردي" بذراعه العسكري على معظم أراضي المحافظة، ومدنها البارزة، كالقامشلي وعامودا، وسواها.

الجانب الآخر من المفاجأة بخصوص إعادة إحياء مشروع ريّ دجلة، أن المسؤول عن استئنافه سيكون شركة "ستروي ترانس غاز" الروسية، وبعقد ضخم تصل قيمته إلى 264 مليون دولار أمريكي.

ويتضمن العقد إقامة محطة الضخ الرئيسية وأنابيب الدفع في منطقة عين ديوار (أقصى شمال شرق سوريا)، حسب وكالة "سانا" الرسمية الخاضعة للنظام، والتي نقلت عن وزير الموارد المائية في حكومة الأسد أن الكلفة الإجمالية للمشروع "لا تقل عن 2 دولار".

ويشمل المشروع ري "150 ألف هكتار جديدة و64 ألف هكتار قديمة سيعاد تأهيلها بحيث تصبح المساحة الإجمالية المروية من المشروع بحدود 214 ألف هكتار".

ويهدف المشروع إلى استجرار مياه نهر دجلة بكمية إجمالية تبلغ 1250 مليون متر مكعب سنوياً، وتأمين مياه الشرب.

وتبلغ مدة تنفيذ المرحلة الأولى من المشروع أربع سنوات، بحسب الوكالة، في حين أن المرحلة الثانية هي قيد التعاقد مع الشركة نفسها، على أن تشمل إنجاز قناة للمياه وشبكات ري.

المشروع، هللت له صحيفة "الأخبار" اللبنانية، المقرّبة من حزب الله، حليف الأسد. لكن، لا إعلام النظام، ولا الإعلام الموالي له، أو الحليف، تطرق بأي شكل من الأشكال لموقع الأكراد تحديداً، والذين لهم النصيب الأكبر من التواجد الميداني في المحافظة، من المشروع المذكور.

لذا كان متوقعاً تصريح الناشط الصحفي، المتحدر من الحسكة، والذي يقدم نفسه باسم هفيدار لوكالة فرانس برس "لست متأكداً كيف سيتم تنفيذ ذلك، لأن معظم الحسكة تحت سيطرة حزب الاتحاد الديموقراطي (الكردي المرتبط بحزب العمال الكردستاني)، ولكن في حال تم تنفيذه بطريقة صحيحة وشفافة فان ذلك سيكون أمراً جيداً لأن نقص المياه في الحسكة مشكلة ملحة".

يبقى السؤال معلقاً، ويبقى اللغز غامضاً في الوقت الراهن، ويمكن تأويل هذا التطور في عدة اتجاهات: قد يكون نظام الأسد يسعى لـ "إثبات وجود" في الحكسة التي انسحب من معظم نواحيها لصالح الاتحاد الديمقراطي الكردي منذ السنة الثانية للثورة. وقد تكون تلك رسالة "غزل" "أسدية –روسية" للأكراد، بغية تعزيز حالة "الشراكة" غير المُعلنة، مع فصائل منهم، خاصة الاتحاد الديمقراطي تحديداً. وقد يكون ذلك شكل من أشكال الدعم الروسي، غير المعلن، لمشاريع بعض الفصائل الكردية بالاستقلال الذاتي، الذي ربما بات أميل اليوم لأن يكون "استقلالاً كاملاً"، على وقع التطورات المُرتقبة في ملف "كردستان العراق" في الأشهر القليلة المقبلة، حيث وعد زعيم الإقليم، مسعود برزاني، بأن يُجري استفتاء على الاستقلال عن العراق.

تبقى ما سبق تخمينات، تحسمها مدى جدية نظام الأسد، وشريكه الروسي، في الذهاب قدماً في تنفيذ هذا المشروع المائي الضخم. ذلك أن جدية الأسد، والروس، في ذلك، تجعل من التخمين الأول "إثبات وجود" منفياً، لصالح التخمينيين التاليين: "مغازلة" الأكراد، أو دعم طموحهم "الاستقلالي".

ترك تعليق

التعليق