على إحدى صفحات "الوطن" المخلوفية: ماري أنطوانيت "تُبعث" من جديد

قد يكون من مفارقات القدر أنّ نُسخ الاستبداد تكرر نفسها، وأن زعماء الاستبداد وأزلامه يحملون نفس العقلية، في كل زمان ومكان. عقلية من الإقصاء ومفارقة الواقع وتجاهل وجود الآخر تماماً.

وكأن ماري أنطوانيت، ملكة فرنسا الشهيرة يوم اندلاع الثورة الفرنسية عام 1789، بُعثت من جديد في إحدى صفحات صحيفة "الوطن" المخلوفية، في حديثٍ مع "باحث اقتصادي" أظهر استخفافاً كبيراً حيال الأثر المادي المُترتب عن زيادة سعر ربطة الخبز على الفقراء من السوريين، مُشبّهاً ربطة الخبز بـ "قطعة بسكويت"، مكرراً المقولة الشهيرة لـ ماري أنطوانيت "إذا لم يكن هناك خبزٌ للفقراء.. دعهم يأكلون كعكاً".

ورغم أن المقولة ذاتها غير موثقة تاريخياً، إلا أنها في نهاية المطاف تعبير عن عقلية زعماء الاستبداد، وعقلية أزلامه ومبرريه. تلك العقلية التي تُغيّب الآخر تماماً عن المشهد، وكأنه غير موجود، وتتحدث بصورة مفارقة للواقع، تعتمل فيها النزعة الإقصائية.

الباحث الاقتصادي المُشار إليه، والذي دافع عن قرار حكومة الأسد رفع سعر ربطة الخبز من 15 إلى25 ليرة، اعتبر أن "مبلغ 25 ليرة يعادل ثمن قطعة بسكويت واحدة يشتريها الأهل لطفل صغير". متناسياً عشرات الشهداء الذين سقطوا من الجوع في المناطق المحاصرة قرب العاصمة دمشق، بل وفي بعض أحيائها، منذ أسابيع قليلة فقط.

الباحث الذي تحدث عن ربطة الخبز، وساوى بينها وبين البسكويت، نسي تماماً أن مئات آلاف السوريين يعتاشون اليوم بصورة رئيسية على الخبز بعد أن سُدت في وجوههم كل أبواب تحصيل القوت الطبيعي بفضل حصار قوات الأسد لمدنهم وقراهم وأحيائهم.

وبعقلية تبريرية للنظام، اعتبر الباحث المُشار إليه أن الحكومة لا تزال "تنظر بعين الرحمة إلى الفئات الفقيرة من السوريين". معتبراً أن الأهم اليوم هو في كيفية توزيع الوفر المالي المُتأتي عن رفع سعر الخبز، مُرجعاً قرار حكومة الأسد الأخير إلى "الهدر في استهلاك الخبز"، واصفاً السوريين، بصورة غير مباشرة، بأنهم كالبحّار الذي لا يدرك أهمية قطرة المياه، في اتهام صريح لهم بأنهم مُسرفون.

ربما تكون ماري أنطوانيت بريئة من المقولة التي نسبها التاريخ لها، لكن تاريخنا اليوم، يسجّل، وعلى صفحات جرائد مطبوعة، كيف أن باحثاً يُقيم في دمشق، يعتبر السوريين "مسرفين"، في الوقت الذي يموت فيه العشرات منهم جوعاً في أحياء من العاصمة، كي يبرر لحكومة الأسد قرارها برفع سعر ربطة الخبز.

ويبقى للسوريين، حسب الباحث، خيار المفاضلة، بين الخبز و"البسكويت"!

ترك تعليق

التعليق