نظريات وآراء في "موقِعة حقل الشاعر"

لا تُعتبر "موقِعة حقل الشاعر" كغيرها، ولا يمكن أن تمرّ على المراقبين المدققين دون عناية خاصة، لذلك حظي هذا التطور الميداني النادر من نوعه باهتمام كبير، وبالكثير من التأويلات والآراء، كل منها مبنيٌّ على نظرية متكاملة خاصة به.

القراءة الأولى، والأكثر بساطةً، هي تلك التي ترى في "تنظيم الدولة الإسلامية –داعش"، تنظيماً متطرفاً شديد التماسك والمتانة، ومقاتلوه شديدو المِراس. وأنه رغم إمكانية وجود اختراقات في صفوفه القيادية من جانب أجهزة استخباراتية، منها أجهزة أمن الأسد، إلا أن ذلك لا يعني أن هذا التنظيم أداة طيّعة بيد تلك الأجهزة، وأنه سرعان ما ينقلب على رعاته، أو على الأقل، على المهادنين له.

وبناء على تلك النظرية، يرى هذا الفريق بأن تقدم "داعش" نحو "حقل الشاعر" للغاز جاء استمراراً لاستراتيجية التنظيم القاضية بالسيطرة على أكبر قدر ممكن من مصادر الثروة الباطنية في سوريا، من نفط وغاز. خاصة أن "حقل الشاعر" يقع في نقطة تماس بين محافظة حمص وبين محافظة دير الزور، حيث تسيطر "داعش" على معظم المناطق والبلدات.

وفي نظرية قريبة من السابقة، يعتقد البعض أن "داعش" كانت على تنسيق، على مستوى القيادات، مع نظام الأسد، أو إيران، أو كليهما، لكنها انقلبت عليهم، حالما تمكنت من تأمين التمويل اللازم لها، وهي تسعى الآن لتعزيز مصادر التمويل الخاص بها، عبر السيطرة على المزيد من حقول النفط والغاز، بما فيها تلك البقية الباقية في قبضة النظام.

وبناء على تلك النظرية، يمكن اعتبار تمرد "داعش" على النظام في سوريا، نتيجة لامتلاكها مصادر تمويل كبيرة حصلت عليها في الموصل العراقية، وبالتالي لم تعد مضطرة للتنسيق مع نظام الأسد. بكلمة أخرى، "داعش" خرجت عن السيطرة.

النظرية الثالثة أكثر تعقيداً، وهي الأكثر رواجاً في صفوف المناوئين للأسد، ويرى أصحابها أن "داعش" هي مجرد ورقة مخابراتية "أسدية –إيرانية"، وأن تقدمها في "حقل الشاعر" لا يتعدى خطوة جديدة مُرتبة بدفع من نظام الأسد بدمشق.

وبناء على هذه النظرية توجد الكثير من التأويلات والآراء بخصوص "موقِعة حقل الشاعر"، منها رأي فريد سرعان ما انتشر في أوساط بعض المعارضين للأسد، يتحدث أصحابه عن أن النظام في طريقه لخصخصة حماية أنابيب النفط، ومواقع النفط والغاز في سوريا، لصالح شركة مرتزقة غربية.

أول من تكلم عن هذه الشركة، هو فراس طلاس، رجل الأعمال المقرّب سابقاً من الأسد، قبل انشقاقه عن النظام، واتخاذه جانب المعارضة. وقد وجد رأي طلاس من يؤيده ويتحدث عن لقاء حصل بين حافظ مخلوف، ابن خال الأسد، وأحد رموز نظامه الأمني، وبين ضابط جنوب إفريقي سابق، ومرتزق حالي، هيكي هورن، بغية الاتفاق على صفقة مع شركة أمنية يقودها هورن، وتضم ضباط سابقين في الموساد الإسرائيلي.

ويقول أصحاب هذا الرأي، ووجهة النظر الآتية مُضافة إلى تلك التي ذكرها طلاس بهذا الخصوص، أن نظام الأسد في طريقه لإعطاء أمن النفط والغاز للإسرائيليين، بصورة غير مباشرة، بغية مغازلة الأمريكيين، علّ حبل الودّ الذي ترهل يعود إلى سابق عهده.

وبغية تمرير هذا الاتفاق، أو تبريره أمام الرأي العام المحلي، كان لا بد من تدبير "مجزرة" كبيرة تستهدف موقعاً نفطياً أو موقعاً للغاز، وهو ما تكفلت به "داعش"، بصورة تظهر أن النظام مضطر للجوء إلى شركات أمن أجنبية لتأمين مواقع النفط والغاز وخطوطه.

النظرية الرابعة أكثر تعقيداً من سوابقها، إذ يعتقد أصحابها أن "داعش" ورقة غربية غايتها تسهيل عملية تقسيم بلدان المنطقة، وأن غزوتها لـ "حقل الشاعر" تندرج في سياق رسم الحدود بين "دولتها" وبين "دولة الأسد" التي باتت تقريباً، أمراً واقعاً.

بكل الأحوال، تتعدد النظريات، وتختلف الآراء، لكن أهمية "حقل الشاعر" والتطور الميداني المتعلق به، ذات أبعاد استراتيجية واقتصادية في آن. فالحقل المذكور يغذي محطات توليد الطاقة الكهربائية في المنطقة الوسطى في سوريا. والأخطر من ذلك أن أن حقل الشاعر يقع بالقرب من حقول غاز ثلاثة أخرى، لا تقل أهمية عنه، هي حقل ريان شرقاً، وحقل جحار جنوباً، وحقل المهر شرقاً أيضاً، حيث يتلو الأخير مطار عسكري، هو مطار التيفور. وتقع الحقول سابقة الذكر جميعها ضمن صحراء تدمر شرقي محافظة حمص.

وقد أظهر نظام الأسد، ولو نظرياً، جديةً في استعادة حقل الشاعر للغاز، لكنه عجز حتى الآن عن إنجاز هذه المهمة، وما تزال المعارك، حسب مصادر النظام، مشتعلة هناك. وفي آخر تصريح لمصدر عسكري تابع للنظام، ذكرت وكالة "أنباء فارس" أن جميع الطرق المؤدية إلى منطقة جبل الشاعر وحقل الغاز فيه باتت اليوم مؤمنة، وتحت سيطرة "الجيش السوري"، حيث أكد المصدر العسكري المُشار إليه أنّ "ساعة الصفر التي ستعيد الحقل إلى عهدة الدولة السورية، يمكن حسمها خلال الساعات القليلة المقبلة".

 

ترك تعليق

التعليق