ما سرّ السيطرة السريعة لـ"داعش" على محافظة دير الزور؟

خلال أيام معدودة تمكن "تنظيم الدولة الإسلامية –داعش" من السيطرة على معظم محافظة دير الزور، وبايعها الكثير من قيادات ومقاتلي الفصائل المسلحة هناك، فيما فرّ الباقون، وسلّم المجتمع هناك أمره لها، بصورة تحرّض على البحث والتقصي في عوامل النجاح السريع الذي حققته "داعش" ميدانياً في محافظة دير الزور.

وهكذا ناقشت "اقتصاد" هذا التطور مع الناشط الإغاثي، عبد الله عمير، ابن محافظة دير الزور، والذي يتمتع بصلات وثيقة شبه يومية مع الكثير من الناشطين الميدانيين في المنطقة، والذين بات معظمهم يلجأ للتخفي ويرفض الحديث باسمه الصريح، خشيةً من "غضبة" "داعش".

سألنا عبدالله عمير عن رأيه، بناء على متابعته، وحديثه اليومي مع الناشطين في الداخل من أبناء محافظته، عن أسباب نجاح "داعش" في السيطرة السريعة على بلدات ومدن بأكملها في محافظة دير الزور، دون مقاومة ملحوظة تحديداً من جانب الأهالي والعشائر، وفي هذا الجانب يعتقد عمير أن من بايع "داعش" من شخصيات دير الزور هم من "المفسدون المنتسبون زوراً وبهتاناً للجيش الحر". وذكر عبدالله عمير أسماء نتحفظ عن إيرادها توخياً لعدم التشهير دون وثائق وأدلة، لكن نوضح أن الناشط ذكر أن بعض الشخصيات العشائرية و"الفصائلية" التي بايعت "داعش" في محافظة دير الزور كانت من "أكبر المتخاذلين في البوكمال أثناء تحريرها، ومن الأنواع التي تصطف بجانب من يدفع أكثر". وأشار الناشط إلى نوع آخر من الشخصيات هي تلك التي تتمتع بنفوذ عشائري كبير، وفي نفس الوقت، متورطة في سرقات وأعمال نهب، وقد استغلت "داعش" ذلك، وأغرت هكذا شخصيات بالمناصب، خاصة بعد تهميش أمثالهم من جانب الثوار، حسب الناشط.

السبب الثاني الذي ساعد على سيطرة "داعش" السريعة على هذه المنطقة، هو الجهل الذي يسود شريحة واسعة من أبنائها، مما جعل "داعش" تنجح بالترويج لمشروعها، كما سبق ونجح حزب البعث في الترويج للـ"الوطنيات" هناك. وذلك مرة أخرى، حسب الناشط عبدالله عمير.

ويعتقد الناشط أن "داعش" لقيت مقاومة كبيرة في دير الزور، من جانب الفصائل "المجاهدة" والثوار، لكن "التحشيد لاقتحام الدير كان يمر عبر جهة الرقة، بادية حمص، والعراق، وسط خذلان لثوار الدير من الجميع، مع العلم، أن النصرة والجبهة الإسلامية والجيش الحر اتحدوا تحت مسمى "مجلس شورى المجاهدين"، لكن داعش اتخذت خطة عسكرية خبيثة في تطبيق الحصار التام على الدير من كل المحاور وهذا ما جعل الدير تسقط بشكل عجيب".

يضيف عبدالله عمير: "بدأت الأحداث عند سيطرتهم على البوكمال، عندها تم حصار الثوار من جهتين: البوكمال والدير، وحاصروا الثوار في الوسط، فسقطت الشحيل المقر الأساسي للنصرة والجبهة الإسلامية، بعد ذلك توالى سقوط المناطق ومبايعة داعش".

وذهب الناشط إلى أن من أسباب نجاح "داعش" السريع، هو عدم مواجهتها سلفاً، بصورة حاسمة، إلى جانب ما أدخلته "داعش" من أسلحة "لا تتصور حجمها" من الموصل في العراق.

لكن "داعش" لا تثق بأهالي البوكمال، ويضيف عبدالله عمير: "حتى الآن هم حذرون من أهل البوكمال ولا يثقون بهم. حدثني صديقي في البوكمال منذ أيام أنه جلس مع أحد شرعيي داعش بوساطة قريب له من داعش، قال له الشرعي "أنتم أهل البوكمال نخاف من غدركم ولا نثق بكم"، لذلك "داعش" لا تزال حذرة حتى الآن في التعامل مع أهالي البوكمال، لكن تجربة الرقة والريف الحلبي بدأت بنفس الصورة، بالبداية الحذر، ومن ثم تطبيق الصلب وقطع الرؤوس والخ".

لكن في مقابل ما سبق، يعتقد بعض المراقبين أن لخنوع أهالي بعض البلدات حيال "داعش" علاقة باستقرار الأوضاع الأمنية والمعيشية في ظلالها، فهل هذه القراءة صحيحة، أجاب عبدالله عمير: "الوضع المعيشي والأسعار لم تتغير لكن هناك معلومة مهمة أن أسعار المحروقات ارتفع سعرها وذلك بسبب شحن البترول والغاز إلى العراق من قبل داعش وهذا مؤشر خطير".

وحسب معلومات الناشط فقد ارتفعت أسعار بعض المحروقات بنسبة تتراوح بين 80 – 100%، لكنه لم يكن يملك معلومات أدق حين إجراء الحوار.

وختم عبدالله عمير بالإشارة إلى قيام "داعش" بسحب كافة أشكال الأسلحة من جميع التشكيلات، معتبراً أن ذلك كان أحد أسباب رضوخ الأهالي لـ"داعش" وحذرهم حيال التحرك ضدها، معتبراً أن هذا الإجراء خطير للغاية، متسائلاً: "ما سر سحب داعش لسلاح الفصائل وحصر السلاح بيدها فقط؟، ماذا لو انسحبت داعش بأي ظرف من الدير وتركت أهالي الدير فريسة سهلة لقوات النظام من دون سلاح؟، هنا يكمن اللغز".

في نفس السياق، تحدثت "اقتصاد" مع ناشط إعلامي داخل محافظة دير الزور، طلب عدم ذكر اسمه، زودنا ببعض المعطيات عن الأوضاع في بلدة الشحيل تحديداً، وهي مقر جبهة النصرة في محافظة دير الزور سابقاً.

أوضح الناشط أنه بعد أن انسحبت جبهة النصرة من البلدة، سلم "جيش مؤتة وجيش الإسلام" أسلحتهم لـ"داعش"، وأيضاً فعلت "العشائر" من أهالي البلدة.

وعقّب الناشط: "هجّر التنظيم أهالي البلدة لمدة أسبوع خارجها، عقوبة لهم، ومن ثم قام مقاتلو التنظيم بتفتيش بيوت أهالي الشحيل بشكل شبه كامل".

وذكر الناشط أن مقاتلي "داعش" سرقوا الكثير من البيوت، لكن لم يتسنّ لـ"اقتصاد" التأكد من هذه المعلومة من مصدرٍ آخر.

وأضاف الناشط: "رجع قسم كبير من أهالي البلدة إلى الشحيل، لكن قسما منهم غادر إلى خارج سوريا، باتجاه تركيا، ومن ثم دول الخليج". وعقّب الناشط: "يومياً هناك عائلات تسافر من دير الزور باتجاه تركيا ومن ثم السعودية".

يُذكر أن معلومات متداولة تتحدث عن قرار "داعش" ضم مدينة البوكمال إلى محافظة "ولاية" الأنبار العراقية، في تقسيم إداري يزيل الحدود الدولية المُعتمدة بين سوريا والعراق. ويعيد ترتيب "ولايات" "الدولة الإسلامية" بزعامة "الخليفة" أبو بكر البغدادي.

ترك تعليق

التعليق