هل يسقط النظام إذا انهار الاقتصاد؟!

لا شك أن الاقتصاد السوري الذي اختبأت أدواته تحت شعارات الاشتراكية لتمارس دور التسلط لا الإدارة هو بالحقيقة ليس اقتصاد مؤسسات وقوانين بل بالأساس هو اقتصاد مافيات واحتكار لمجموعة أصحاب المصالح حول النظام.

ومع قيام ثورة الكرامة تحول بسهولة في السنوات الأربع الأخيرة إلى اقتصاد حرب، تعمل فيه بالإضافة إلى مافيات الأسد وجهازه الإداري، مجموعات غير منضبطة وأمراء حروب ضمن بيئة أزمات مرحلية متنقلة بالجغرافيا وأصبح النظام وبعض من معارضته المسلحة المستفيدة من هذه الحالة مشتركين في إنتاج نظام اقتصادي جديد بآليات وفاعلين جدد لهم المصلحة في استمرار الحرب والنزاع.1

استطاع النظام الاستمرار والصمود اقتصاديا في حربه الشعواء على الشعب السوري بالاعتماد على:

1- الدعم الإيراني الذي وصل إلى أكثر من 5 مليارات دولار.

2-- الدعم العراقي غير المحدود.

3-- طباعة وإصدار كميات من العملات الورقية التي لا تحمل رصيدا.

4-- السياسات المالية والموازنة العامة للدولة التي تحول فيها الإنفاق الاستثماري إلى إنفاق جارٍ، وبهذا قد تخلى النظام عن دوره الاقتصادي على مستوى إعادة تشغيل الجهاز الإنتاجي للاقتصاد الوطني، وعلى مستوى الدعم المقدم لبعض الشرائح الذي ربط مصيرها المعاشي بوجوده واستمراره.

5- فرض أنواع جديدة من الضرائب (جباية) مباشرة وغير مباشرة والتي يمكن أن نسميها بعمليات (تشليح) حيث لم يعد يراعي أبسط القواعد المالية والاقتصادية والفنية والأخلاقية الناظمة لهذه الأدوات والمعايير.

6-استخدم الاحتياطي النقدي للعملات الصعبة الموجودة في البنك المركزي والتي كانت حوالي (18) مليار دولار ونعتقد أنها شارفت على النهاية ولم يتبق منها إلا الملايين القليلة.

7-إن التحويلات المالية للمغتربين السوريين في الخارج لذويهم في الداخل بالإضافة للمنح والمساعدات من الجهات والمؤسسات الدولية والعربية قد ساهمت في دعم الليرة السورية وتجنيبها الانهيار.

8-موارد جديدة تصل إلى النظام من التهريب والمتاجرة بالسلاح والبشر وآخرها دفع البدل عن الخدمة العسكرية.

9-موارد النفط التي يتقاسمها مع داعش، والبوابات الحدودية، والهيمنة على الطرق التجارية مع لبنان وعبر البحر. وعلى الأملاك والممتلكات والضرائب العينية على التجارة.

هذه الأسباب وغيرها قد ساهمت في تأجيل الانهيار الاقتصادي للنظام وبقي النظام صامداً أمام الامتحانات الكثيرة والأزمات على اعتبار أساسي أن النظام يدير الموارد الاقتصادية هذه بما يخدم بقاءه وقدرته على تغطية حاجاته والاستمرار في شراء آلة القتل والدمار وسحق المعارضين له، وليس لتغطية العجز والفجوة في الموارد المطلوبة لتشغيل الماكينة الإنتاجية وتحريك الاقتصاد الوطني.

فليس في سوريا من اقتصاد وطني، بل مزارع وعبيد، ومع ذلك تعرض النظام ويتعرض لأزمات دورية تصيب اقتصاده وموارده مع غياب كامل أو شبه كامل لاقتصاد السياحة والترانزيت وتراجع قطاع النفط والغاز وتدهور الإنتاج الزراعي بشقيه الحيواني والنباتي وغياب أي نوع من الاستثمار.

وللجواب على السؤال هل يمكن للاقتصاد أن يُسقط النظام؟ نقول:

العامل الاقتصادي المتدهور لم يكن مقياسا ومعيارا كافيا لسقوط الأنظمة الاستبدادية والشمولية، والتجربة التاريخية العالمية تؤكد هذه الحقيقة، وإن كان العامل الاقتصادي الأساس في عملية التحول لنظام جديد كما حدث للنظام السوفيتي سابقاً، ولكن هذا جرى بفعل التراكم على مدى عقود زمنية طويلة، أي لم تسقط هكذا أنظمة بسبب هزة اقتصادية شديدة، ونموذج الدولة الشرق أوسطية خاصة وفي العالم الإسلامي عامة يؤكد على أن العامل الاقتصادي لم يكن يوما من الأيام السبب في سقوط الأنظمة، بل على العكس كان العامل الاقتصادي المتدهور يعمل على تحلل الدولة والمجتمع وتحويل نظم الحكم فيها إلى عصابات وأمراء حروب تعايشت مع الأوضاع الجديدة، ودخلت على المكشوف وبالعلن في ممارسة الأعمال التي كانت سابقا في الخفاء تمارسها، من سرقة ونهب وتجارة سوداء وممنوعة.

لم يسقط نظام صدام حسين بسبب العامل الاقتصادي ولا النظام الأفغاني والصومالي ..الخ، وبناءً على الاستثمار داخل الأزمة سيبقى النظام السوري قادرا على إيجاد الحلول والمخارج عن طريق الداعمين له والذين لن يتخلوا عنه قبل تحقيق مصالحهم بالكامل.

إن النظام سيجد دوما موارد جديدة بالإضافة إلى موارده الأساسية، وأثبتت التجارب أنه على استعداد لبيع البلد أرضا وشعبا، وقدرته ومرونته للعمل بكل الأشكال والأساليب مستفيدا من تجارب الأنظمة الاستبدادية، والمافيات وكل أشكال الحكم البائدة لأجل بقائه مما يجعل قدرته على الاستمرار في الحرب متوفرة ما لم تنضج شروط وظروف الحل السياسي الذي يرتبط بالمناخ الدولي وانتهاء الغاية من أسباب بقائه.

فإذا توفرت الإرادة والمصلحة الدولية والإقليمية للدول الفاعلة في ساحة الصراع في سوريا، مع توفر عامل ذاتي قادر على إدارة المرحلة ضمن توازن المصالح عندها سيسقط هذا النظام، لكن للأسف، فإن المشهد الآن يشير إلى أن الجميع لهم مصلحة في استمرار الوضع الراهن، ولن يتغير موقفهم قبل استلام المكافأة والجوائز والحصص كل حسب غايته، من المعلوم أن الدول تبني سياساتها على المصالح وليس على الأخلاق، لكن تبقى هناك ظروف ومعطيات سياسية واقتصادية داخلية خاصة بهذه الدول قد تحدث تغييرا من حيث حجم المساعدات ونوعها، وهذا لايعني بداية انفراج بل سيستمر بنفسه بالاعتماد على العقلية المافياوية المتخصص بها بتأمين الموارد الذاتية من خلال تعاونه وتنسيقه المباشر وغير المباشر مع الجماعات المتطرفة وأمراء الحروب، وأصبح واضحا أن هذا الجانب من الموارد تزداد حصته نسبياً بشكل يومي في خوض حرب استمرت على مدار أربعة سنوات قياسا لحصة الموارد الثابتة والمستقرة في الاقتصاد السوري قبل الثورة.

لهذه الأسباب وأخرى، علينا أن لا نراهن بسقوطه على العامل الاقتصادي بل هو أحد العوامل المهمة، ويتشابك مع العوامل الأخرى ولكن الحسم والخلاص منه هو للعامل السياسي الذي لم ينضج بعد.

والرهان على الخلاص من هذا النظام، يجب أن يصب على العامل الذاتي من خلال إنضاجه بعودة الصوت المدني وتوحيد القوى السياسية الديمقراطية، التي ستفرض على العالم ضرورة الوصول إلى حل سياسي.

وبغير ذلك سيبقي النظام قادرا على توظيف مرتزقته من الداخل والخارج، وسيبقي قادرا على توفير الموارد، وهناك بالأصل شريحة كبرى من الموالين له قد تورطوا بالدم السوري، وبالفساد والإفساد وهم مستعدون حاليا للدفاع عنه مجاناُ، لأنهم يدركون تماما أن سقوطه يعني نهايتهم.

د.رفعت عامر، دكتوراه في العلوم الاقتصادية، المدير العام السابق للبرامج والتخطيط في وزارة الثقافة وشؤون الأسرة بسوريا.

الهوامش
1- د.رفعت عامر، الاقتصاد السياسي للحروب والنزاعات، تركيا 2014، مجلة ضوضاء، العدد11

ترك تعليق

التعليق