ما بين "البورجوازية" و"الشخصية المُستكينة": قراءة في ملف رؤساء وزراء "سوريا الأسد" (2- 2)

الزعبي كان كبش فداء لتدشين مرحلة جديدة من الحكم.

أدار الدردري سياسات سوريا الاقتصادية بما يخدم مصالح التحالف بين البورجوازية التقليدية ونظيرتها الصاعدة.

هل يكرر وائل الحلقي تجربة محمود الزعبي، فيكون الأول، كما كان الثاني، كبش فداء لتدشين مرحلة جديدة؟

السمة الأبرز التي تتشابه في الشخصيتين، الحاجة لشخصية إدارية "مُستكينة" يمكن أن تقبل بتمرير كل ما يُطلب منها دون أي شكل من أشكال الاعتراض.


تختلف الأقاويل والتأويلات حول أسباب "نحر" الزعبي، إلا أن الجميع يتفق بأن الرجل كان كبش فداء لتدشين مرحلة جديدة من الحكم، تلك التي بدأت مع الخطوات الأخيرة لترسيم بشار الاسد، خليفة لوالده، قبل أن يتوفى الأخير بأشهر قليلة.

في أيار من العام 2000 نُحر الزعبي، وبعد شهر تُوفي حافظ الأسد ليتسلم الأسد الابن مكانه، وبعد ثلاث سنوات من إدارة مصطفى ميرو، ابن ريف دمشق المدعوم من أروقة حزبية يقودها عبد الله الأحمر، رجع بشار الاسد إلى استراتيجية سابقة لأبيه، تتمثل في التحالف مع البورجوازية التقليدية وسط مساعٍ لتعزيز الاستثمار في البلاد، بعد تراجع دور النفط كمصدر للدخل القومي السوري.

تجلى هذا التحالف في حكومة ناجي عطري (الحلبي)، والتي كان عبد الله الدردري (الخبير الدمشقي القادم من لندن)، رأس الحربة فيها. وتطور هذا التحالف ليصبح تعاوناً بين البورجوازية التقليدية ونظيرتها الحديثة المُتمثلة في أولاد المسؤولين العسكريين والأمنيين والحزبيين في نظام الأسد. وكان رامي مخلوف، نجل قائد الحرس الجمهوري السابق، وابن خال الأسد الابن، رأس الحربة في تلك البورجوازية الصاعدة.

أدار عبد الله الدردري سياسات سوريا الاقتصادية بما يخدم مصالح ذلك التحالف الساعي إلى تعزيز جذب الاستثمار الخارجي، مع القبض على كل موارد البلاد ومجالات الاستثمار فيها لصالح التحالف البورجوازي الجديد، بالتزامن مع انفتاح اقتصادي، وُصف حينها بالتدريجي، لكن اكُتشف لاحقاً بأنه كان أسرع مما تحتمل البلاد وشرائحها الاجتماعية الأضعف طبقياً.

مع اندلاع الحراك الثوري للسوريين في ربيع العام 2011، كانت حكومة ناجي عطري، ونائبه الدردري، أولى الضحايا. وظهرت تصدعات واضحة في التحالف بين البورجوازية التقليدية ونظيرتها الحديثة الصاعدة، فالأولى استشعرت خطر سقوط النظام وتداعيات تحالفها المُعلن معه، فانتحت جانباً، في معظمها، بينما الثانية استشعرت سلبيات التحالف مع البورجوازية المدينية على حساب الريف، حينما كان بعض المراقبين يعتقدون أن الحراك في أساسه ريفي الطابع، مطلبي الدافع.

كان انشقاق رياض حجاب، رئيس وزراء سوريا المتحدر من الجزيرة، واحداً من أقسى الضربات المعنوية لنظام الأسد، وبعدها بشهرين (فترة تولى خلالها عمر غلاونجي رئاسة الوزراء بصورة مؤقتة)، عاد الأسد الابن، على ما يبدو، إلى استراتيجية سابقة لأبيه أيضاً، وهي تقليص دور البورجوازية في النظام الحاكم، وتسليم موقع رئاسة الوزراء لابن ريف درعا، وزير الصحة، وائل الحلقي.

رغم أن تسلم الحلقي لرئاسة الوزراء لا يشبه الحالة التاريخية السابقة المتمثلة في تسلم سلفه، محمود الزعبي، لرئاسة الوزراء، من حيث الظروف، إلا أن بعض المعالم شبه متواجدة في الحالتين.

ورغم أن محمود الزعبي أصبح رئيساً لوزراء سوريا في فترة "راحة" للأسد الأب، تجاوز خلالها الأخير معظم التحديات الخطيرة لحكمه، على خلاف المرحلة التي تسلم فيها وائل الحلقي موقع رئاسة الوزراء، حيث التهديد بسقوط النظام ما يزال قائماً لم ينجلِ، إلا أن معالم استكانة شخصية وائل الحلقي، وعدم استناده إلى قوة ضغط اجتماعية، قد يكونا مَعلَمي التشابه الأبرز بين الشخصيتين، والحقبتين، الزعبي والحلقي.

ففي الوقت الذي كان فيه أسلاف كل من محمود الزعبي ووائل الحلقي، بالترتيب، عبد الرؤوف الكسم، وناجي عطري ورياض حجاب، يستندون إلى قوى تأثير اجتماعية، إما بورجوازية (كما في حالات الكسم وعطري ونائبه الدردري)، أو عشائرية (كما في حالة رياض حجاب)، لم تظهر أية قوى اجتماعية داعمة للشخصيتين، الزعبي والحلقي، مما يُنبئ بأن الاستكانة الكاملة من جانب الزعبي للمتنفذين في الجيش والأمن، تتكرر اليوم في حالة الحلقي، وهو ما يجعل الفساد يستشري أكثر فأكثر، خاصة أن حقبة الحلقي تترافق مع تغول أكبر لقوى الأمن والجيش والشبيحة، مقابل الاستقرار الأمني الذي كان سائداً في حقبة الزعبي.

إحدى الأسئلة التي تطرح نفسها اليوم، هل يكرر وائل الحلقي تجربة محمود الزعبي، فيكون الأول، كما كان الثاني، كبش فداء لتدشين مرحلة جديدة؟...بكل الأحوال، تختلف الظروف اليوم، عن تلك التي كانت متوافرة في عهد الزعبي، لكن السمة الأبرز التي تتشابه في الشخصيتين، وفي الحقبتين، الحاجة لشخصية إدارية "مُستكينة" يمكن أن تقبل بتمرير كل ما يُطلب منها دون أي شكل من أشكال الاعتراض. هذا ربما ما يُفسر إبقاء هذا الموقع، رئاسة الوزراء، في جُعبة وائل الحلقي، ابن المحافظة التي أشعلت سوريا بأكملها على نظام الأسد الحاكم منذ أكثر من أربعة عقود. وهو ما قد يجعل وائل الحلقي، أيضاً، تكراراً لتجربة محمود الزعبي، في جوانب عدة.

الجزء الأول:

ما بين "البورجوازية" و"الشخصية المُستكينة": قراءة في ملف رؤوساء وزراء "سوريا الأسد" (1- 2)

ترك تعليق

التعليق