مؤتمر الدروز...تنمية أم تعمية!

تواجه سورية أكبر كارثة تنموية وإنسانية حدةً في تاريخ البشرية الحديث، حيث دمّر النظام الاقتصاد والهياكل الإدارية للدولة، ورأس المال البشري والثقافي والاجتماعي، وساهم في تمزيق الهوية الوطنية السورية، وأصبحت سوريا في آخر القوائم التي أصدرتها المنظمات الدولية والمؤسسات البحثية في قياس مؤشرات التنمية البشرية والإنسانية، وأكثر المناطق في العالم خطراً على الاستثمار.

لقد خرج أكثر من 70% من رؤوس الأموال الوطنية نحو الخارج باحثة عن بيئة آمنة  للاستثمار، مع ضياع أكثر من أربعة عقود من التنمية، وهجرة قسرية لحوالي (10) ملايين سوري بين الداخل والخارج خلال سنوات الثورة.

مع الإشارة إلى نقطة في غاية الأهمية: وهي  أن الآثار غير المباشرة لهذه الحرب ستكون أشد وطأة من آثارها المباشرة؛ فغالباً ما يتخطى عدد الأفراد الذين يتعرضون للموت والهلاك نتيجة الجوع والمرض على المدى الطويل عدد القتلى في أرض المعركة.

 وهنا يواجه الاقتصاديون السوريون تساؤلاً جوهرياً يدور حول اختيار السياسات الاقتصادية الملائمة لمعالجة المشكلات المترتبة على هذه الحرب التي يشنّها النظام. وتدل التجارب المُشاهدة للعديد من دول العالم الثالث على أن هذه السياسات الاقتصادية المُتبعة في فترات الصراعات والحروب الأهلية لم تكن قابلة للتطبيق في الواقع لصعوبة فهم  طبيعة الاقتصاد السياسي لحالات الصراعات والحروب الأهلية.

 لقد صوبت المعارضة الوطنية في محافظة السويداء في بيان الرفض الذي نشرته في وقت سابق النقد اللاذع لتوجهات المؤتمر الذي دعا إليه عدد من الناشطين "الدروز" والمزمع عقده في اسطنبول، تحت اسم "مؤتمر لطائفة الموحدين الدروز". وأكثر ما تعرض للنقد التوجهات السياسية للمؤتمر والمغلقة على أبناء سوريا من الطائفة الدرزية، وعلى الفور بعد البيان، اتجه مُنظمو المؤتمر إلى الإعلان بأن الهدف منه تنموي اقتصادي وليس سياسي، مستخدمين مصطلحات اقتصادية وتنموية مُشتبكة مع السياسية، ومفردات من علوم الاجتماع تقرؤها ولكنك في النهاية لا تخرج بشيء محدد، وكأننا أمام مشهد استعراضي يستخدم لغة الاقتصاد والتنمية دون أي فهم حقيقي لمستلزمات وشروط وركائز التنمية، إلا إذا كان منظمو المؤتمر قد اشتغلوا على نظريات جديدة في الاقتصاد السياسي والتنمية وغاب عنهم ضرورة نشر هذه النظريات ونيل براءة اختراع عليها.

  إن هكذا دراسات جادة  كما زعم المنظمون، تفترض وجود متخصصين وباحثين قاموا بتوصيف دقيق لهذه البيئة الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والسياسية، التي هي بالأساس شحيحة جداً قبل الثورة وبعدها، وننتظر منهم أن يقوموا بنشرها، لأن عمل كهذا في حال وجوده يعتبر إنجازاً كبيراً بحد ذاته، ستستفيد منه كل الجهات لأخرى المعنية بالعمل داخل المحافظة وقبل توريط المدعوين لهذا المؤتمر.

 يقول المنظمون، والنقل هنا حرفي، أن الأهداف المتوخاة من المؤتمر هي حل "مشكلة العجز عن العمل الذي يحتاج للبحث عن طرق في التمكين، والعجز عن تغطية مصاريف التعليم المناسب لبعض الشرائح وخصوصاً المتفوقين من أبناء الطبقات الفقيرة. وأيضاً الحلول المستدامة التي تمتد لتطال البنية التحتية لسوق العمل في عموم المحافظة التي أوردناها كمثال، ويشمل ذلك القيام بالمشروعات الإستراتيجية التي أثبتت الأزمة حاجتنا لها في الأزمات، مثل المزارع الريحية لتوليد الكهرباء بكلفة 2 مليون دولار، ومحطات استثمار الطاقة من المخلفات التي لا تقل كلفتها عن 800 ألف دولار، والمشروعات التنموية التي توفر عدداً كبيراً من فرص العمل وتوفر مردوداً كبيراً وتنسجم مع طبيعة المحافظة كحقول إنتاج النباتات العطرية الطبية التي قد تستوعب 300 فرصة عمل بكلفة تقريبية 250 ألف دولار مع معمل التعبئة، وحقول إنتاج الوردة الشامية المنتهية دراسته والذي يوفر أكثر من 300 فرصة عمل لمن لا يحملون الشهادة الثانوية أيضا بكلفة أقل من مليون دولار لمعمل متوسط ومساحة من أملاك الدولة لا تقل عن تسعة آلاف دونم .. إضافة للعديد من المشروعات التي أنجزت دراستها والتي لا تقل منفعة عن ما تم ذكره كأمثلة توضح أن عمل المشروع سيمتد إلى ما بعد الأزمة حكماً.. هل تقتصر أهداف المشروع على مواجهة تبعات الأزمة الراهنة ؟".

من الفقرة أعلاه نجد أن هناك زعمأ بوجود حلول جذرية للمشاكل التنموية التي تعاني منها المحافظة والتي لم يستطع حتى النظام والمؤسسات التنموية الدولية حلها على مدار 43 عاماً، ومن البديهي والمنطق أن نستفسر عن ماهية هذه الموارد ومصادرها والهدف التي تتوخاه هذه المؤسسات أو الأفراد أو الدول، وإذا كانت هذه المبالغ  (ثلاثة ملايين وخمسون ألف) المذكورة بالحد الأدنى هي لرجال أعمال من محافظة السويداء، فلماذا لا يعلنون عن أنفسهم وهم سلفاً يدركون كم ستكون شعبيتهم كبيرة في المحافظة على هذه النخوة أو حتى لو كانت بهدف الاستثمار.

إن غياب المعلومات تحرض الشائعات، وكيف لنا أن نقف على الحياد من هكذا مؤتمر يشملنا بالجملة فقط كوننا دروز بالمذهب! وعلى أرضية انتمائنا (ما قبل الوطني)، وعليه نطرح عليهم الأسئلة التالية:

هل فعلاً الخوف من الكشف عن المعلومات الضرورية قبل انعقاد المؤتمر سيُعرض منظمي ومنسقي المؤتمر للخطر؟، ولكن وللمفارقة تقولون إن مشاريعكم تنموية ومستدامة وإستراتيجية وتنفيذها سيكون في الداخل، فكيف سيكون موقف النظام منها؟، هل تشاورتم معه لضمان أمن المستثمرين والاستثمار؟، وإذا علمنا أن المهدد الحقيقي لأية مشاريع وطنية هو من النظام أولاً وأخيراً، فكيف نفهم هذا الطموح في المشاريع التي ستكون مادية ملموسة ولا يمكن إخفاؤها؟، هل انعقاد المؤتمر هو صمام الأمان لهذه الجهات والأفراد للبدء في تنفيذ مشاريعهم؟، أم أن الخطر الحقيقي هو ما بعد المؤتمر عند التنفيذ؟، وما هي الإجراءات المدروسة لتجنب مخاطر تدخل النظام؟، وما يخص هوية الداعمين: ذكرتم أن المؤتمر سيفصح عنهم، هل يمكن أن نعرف الآن، ما هي مصالحهم في توظيف رؤوس أموال كبيرة  بمقاييس المحافظة في مشاريع لم تقوموا  بدراسة الجوانب الفنية والاقتصادية لها، من حساب  التكلفة والعائد على الاستثمار ومعدل فترة الاسترداد ، ومعدل الربحية وغيرها من المعايير الذي يستند عليها أي مستثمر في العالم لاتخاذ قرار التمويل من عدمه، عدا عن الجوانب الأخرى السياسية والأمنية المتعلقة بالاستثمار؟...وإن كانت هذه الدراسة موجودة، اسمحوا لي بالسؤال: ما هي المشكلة بالاطلاع عليها؟

 من المتعارف عليه أن شركات دراسات الجدوى الاقتصادية والاجتماعية للمشاريع تأخذ بالحد الأدنى من 5 إلى 12% فقط على دراسة المشروع  من حجم رأس المال المستثمر، وهذا ما يعني إن هناك إنفاقا نقدياً يقدر بحوالي 70 ألف دولار (من أصل 3.5 مليون) للدراسة فقط، أو أننا سنعتبر أن أشخاصاً تبرعوا للعمل بمثل هذه القيمة ومن واجبنا عليهم ذكر أسمائهم وأفضالهم؟!...وإن كانت شركات عالمية أو محلية معترف عليها، فإن ذكرها بحد ذاته يعطي لمشروعكم قيمة مضافة...
 
نعلم جميعاً أن رأس المال جبان، فكيف يستوي الاستثمار والتوظيف في بيئة طاردة للاستثمار بالمطلق؟، إذ تؤكد كل المنظمات والمؤسسات الدولية المعنية بشؤون التنمية والاستثمار على أن سوريا في مقدمة البلدان الطاردة للاستثمار، حيث أن الاقتصاد القائم حالياً في سوريا هو اقتصاد حرب وتنحصر حوافز الاستثمار فيه فقط في التهريب والتجارة الغير شرعية والسلاح والعتاد، ويسيطر عليها عصابات ومافيات النظام وأمراء الحروب، ولا مكان فيه لرجال الأعمال الوطنيين وللاستثمار الحر، ولا وجود لمنطقة هادئة في سوريا حتى التي لم تشهد صراعاُ عسكريا مباشراً كما في محافظة السويداء، حيث إن نتائج وتأثير هذا الصراع الدامي الموجود في كل الجغرافيا السورية ينعكس على الجميع وان بدرجات متفاوتة نسبية.

لا نستطيع أن نفهم كيف يمكن القيام بهكذا مشاريع إستراتيجية مع وجود هيمنة أمنية للنظام الذي لم يستطع تَحمل مساعدات إغاثية تقدمها جمعيات خيرية، ولا يستطيع تحمل دخول مُصاب من مواطنيه المعارضين إلى مستوصف طبي، فكيف والحال بمعارضة علنية تُناصب له العداء  كما تدعون!، ويعتزمون الدخول بمشاريعهم الإستراتيجية إلى المحافظة؟!...فكيف ستدخلون بأموالكم وباستثمارات طويلة الأمد؟، لقد جعلتمونا في حيرة من أمرنا بأنكم قد حصلتم على  ضمانات أمنية، مع أن النظام فشل في تطمين أهالي السويداء بتحقيق الحد الأدنى من الأمن والأمان عندما دفع بشكل مباشر أو غير مباشر بمقاتلي داعش وجبهة النصرة  للتواجد على تخوم المحافظة من الجهة الغربية والشرقية، والأزمة الأخيرة التي عصفت بالمحافظة دليل يؤكد لنا على أن النظام غير معني بالهدوء والاستقرار بالمحافظة، بل على العكس من ذلك هو المحرض والفاعل الرئيسي لكل ما حدث وسيحدث.
 
وفي النهاية إذا افترضنا أن ما نُحرض التفكير عليه هو نسج من خيالنا، وكان المطلوب منا انتظار عقد المؤتمر والنتائج المنبثقة عنه كما ادعى المنظمون في أكثر من مرة، نقول لكم سننتظر إذا غيرتم اسم المؤتمر، وذلك من مؤتمر الدروز إلى مؤتمر لتأسيس شركة أو منظمة مجتمع مدني أو مؤسسة خيرية معنية بتقديم الدعم والمساعدة، ولكن بعد تغيير كامل لعقد                                                  التأسيس والأهداف وحصص المساهمين وانتظار الموافقة الأمنية التي لا يمكن بدونها فتح بقالية في سوريا الأسد.

هذا الحشد والدعاية لمؤتمر لم يحمل  الحد الأدنى من الوضوح عن المنظمين والممولين والداعمين، بالإضافة للغموض الواضح والمقصود في الأهداف، حيث أن الأهداف الواضحة والمحددة هي التي يمكن قياسها رقمياً ويمكن تحويلها إلى عمل وفعل ضمن جدول زمني محدد، والمشتقة من الرؤية والرسالة الواضحة، لا مجرد عبارات طنانة وسباحة في المفردات والمصطلحات.

هذه الجرأة في الطرح وهذه المشاريع المفترضة على ساحة المحافظة مع معرفتنا سلفاً باستحالة موافقة النظام على أي منها وعلى أي عمل جماعي إلا بما يحقق مصالحه، لا يترك لنا من خيار إلا اعتباره نوعاً من الاستعراض في مضافة الفيس بوك التي معيار القياس لدى أصحابها وزوارها هو الردح والقول وليس الفعل.

أو اعتباره جزءأ من مسلسل التسويات والترتيبات التي يخطط لها لسوريا والمنطقة، مع غياب الدور الفاعل والمؤثر للمعارضة الوطنية الديمقراطية، بما يثبت على الأرض التقسيم على أساس أثني وطائفي ومذهبي، ليس لسوريا عامة ولا للسويداء خاصة من مصلحة فيه.

إن المقدمات الخاطئة ستعطي نتائج خاطئة، والمنهج الصحيح حتى لو كانت نتائجه على المدى القريب سيئة هو أفضل  بكثير من منهج خاطئ حتى لو كانت نتائجه على المدى القريب جيدة.

ضعوا خططكم وبرامجكم ومعايير عملكم ووضحوا  آليات العمل, واكشفوا عن مصادر التمويل والجهات الداعمة لكم، وسموا مؤتمركم عندئذ ما شئتم غير مسمى مؤتمر للدروز أو للتنمية، واسمحوا لي بتسميته مؤتمر للتعمية وليس للتنمية.

د.رفعت عامر
أستاذ جامعي وباحث اقتصادي

ترك تعليق

التعليق

  • أعتمدت في تفنيدي لهذا المؤتمر على ما زعم و طرح المنظمون في وسائل التواصل الاجتماعي وعلى لسان المنظم الرئيسي له ، وأخذت الجملة المكتوبة كما هي حرفياً من المناقشة المكتوبة وقمت بعملية نسخ لصق لها في مقالي بين أشارتي تنصيص "..." وهي موجودة في المقال ، وعليه أستندت في نقاشي للموضوع .أما تسميت المؤتمر " للدروز في البداية ومن ثم للتنمية " فلا يعنيني كثيرا في هذا المقال التسميات التي تبدلت وأن كان هذا دليل على تشوش الرؤية عند المنظمين والممولين له ولآ أفهم من ذلك إلا محاولة التعايش مع عنوان يفضي لانعقاد المؤتمر بصرف النضر عن تبعياته السياسية والاقتصادية وكأن المسالة (جس نبض) وردود الفعل والتأقلم مع المزاج العام بصرف النظر عن المضمون والمخطط له من هذا المؤتمر .ولم أبتعد عن السياق التنموي والاقتصادي المزعوم لهذا المؤتمر إلا في السياق الذي يخدم موضوعنا وهو الكشف عن تناقضات البيان وجهلهم بقضايا التنمية والاستثمار ومستلزماتها وحتى لا يكون المروجون وألمؤيدون له من أبناء المحافظة طُعمأ للصيد في مشاريع الطائفية التي يُخطط لها لسوريا . [email protected]
  • روابط مهمة تشير الى من هو محمد برمو منظم مؤتمرات قرطبة ومنها مؤتمر جبل العرب (الدروز) الذي نسق مع عدد محدد وبأختيار مدروس للمنظمين من شباب المحافظة Radwan Abu Fakhr http://shamlife.com/%D9%85%D8%A4%D8%A7%D9%85%D8%B1%D8%A9.../ Radwan Abu Fakhr http://syria-news.com/readnews.php?sy_seq=136139