خبير يفصّل لـ "اقتصاد" مصادر تمويل "داعش" و"النُصرة" وتأثير قرار مجلس الأمن (1- 2)

كيف سيؤثر القرار الدولي رقم 2170 على تمويل كلٍ من تنظيم "الدولة الإسلامية – داعش"، و"جبهة النُصرة"؟

هذا السؤال طرحته "اقتصاد" على الباحث السوري، حمزة المصطفى، الخبير في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، والكاتب في "زمان الوصل" في باب "إسلام وجهاد". وفي سياق إجابته، قدّم المصطفى لـ "اقتصاد" تفصيلاً واسعاً لمصادر تمويل "الحركات الجهادية"، ومآلها بعد التطورات الأخيرة في العراق وسوريا، وتحت تأثير قرار مجلس الأمن الدولي الخاص بملاحقة ممولي "داعش" و"النُصرة".

التمويل: "كلمة سرّ" الجماعات الجهادية

لا يمكن لأي تنظيم سياسيّ عسكريّ أن يستمر بدون مصادر ذاتية وخارجيّة للتمويل والدعم. والمراقب للمشهد السوريّ وتفاصيله على مدار الأعوام السياسيّة يرصد زوال وانفضاض عقد كثير من الكيانات السياسيّة والعسكريّة نتيجة ضعف التمويل وشح الموارد. بل إن الاختلافات بين الممولين والداعمين الخارجيين ألقت بتداعياتها على التأطير التنظيمي للكيانات السياسيّة والعسكريّة السوريّة.

بتلك المقدمة، بدأ الخبير حمزة المصطفى حديثه لـ "اقتصاد"، موضحاً أنه بخلاف جميع الفصائل العسكريّة في سوريّة، فإن الحركات الجهاديّة لم تشتك يومًا من شح الموارد، وانقطاع الدعم، ونفاذ الذخيرة. الأمر الذي أثار كثيرًا من الأسئلة عن مصادر تمويل هذه الحركات، وعن سبب تدفق الأموال عليها وحدها دون الآخريّن. ولم تقدم حتى الآن إجابات وافيّة وكافيّة عن هذا الموضوع.

مصادر تمويل "الحركات الجهادية"

ويفصّل المصطفى مصادر تمويل الحركات الجهادية، موضحاً أنواعها:

أولاً: المصادر التقليديّة

ويُقصد بها، تلك التي تشترك فيها جميع الحركات الجهاديّة بغض النظر عن أماكن وجودها ونشاطها وتقسم كالآتي:

المساعدات من الأصل:

 غالبًا ما تولد الحركات الجهاديّة في بلد معين أو منطقة معينة من رحم حركات أخرى إقليميّة أو بطلب وتنسيق مع التنظيم العالميّ لقاعدة الجهاد. وبناء عليه، تساهم هذه التنظيمات في نشأة الحركة الوليدة وتمدها بمقومات البقاء ماديًا وعسكريًّا. وفي الحالة السوريّة، نشأت جبهة النصرة لأهل الشام من رحم دولة العراق الإسلاميّة. وقد ذكر زعيمها أبو بكر البغدادي ذلك في بيان إعلان الدولة الإسلامية في العراق والشام 9 نيسان/ أبريل 2013. وقد اعترف الجولاني في مناسبات عدة بما سماه "فضل" تنظيم الدولة ومساهمته في نشأة النصرة وتوسع نفوذها. أما دولة العراق الإسلاميّة، فقد نشأت كتطور لتنظيم القاعدة في بلاد الرافدين والذي أنشأ كفرع للتنظيم العالمي في العراق، وتولت قيادة قاعدة الجهاد تمويله والانفاق عليه في سنواته الأول.

التبرعات:

هناك حركات جهاديّة تنشأ بدون روابط إقليمية أو دوليّة، وتتبنى الخط الجهادي وأفكار التيار السلفيّ الجهاديّة وفي مرحلة لاحقة تعلن ولاءها أو بيعتها لأحد التنظيمات الإقليمية أو التنظيم العام. وبمجرد الموافقة على طلبها تزكى من قبل المنظرين الجهاديين، ويجري تدوال أخبارها في المنتديات الجهاديّة. الأمر الذي يؤمن لها مصدر تمويل يأتي من المتبرعين المنتشرين في مختلف الدول الإسلاميّة. وعلى الرغم من التدقيق الكبير في الأعوام الأخيرة من قبل البنوك وشركات التحويل على مصدر ووجهة التحويلات إلا أن التبرعات ما تزال تشكل مصدرًا هامًا للحركات الجهاديّة. وفي الحالة السورية، كانت التبرعات الخليجية، والتي غالبا ما تجمع من قبل رجال دين سلفيين، عاملاً مؤثرا في نشاط التنظيمات الجهادية، فعلى سبيل المثال، كان الشيخ شافي العجمي، وحجاح العجمي أبرز مصادر التمويل بالنسبة لجبهة النصرة، والفصائل الإسلامية الأخرى، وقد كان نشاطهما خلال سنتين علنيا، وكان لديهم ديوان في العاصمة الكويت لاستقبال التبرعات، وقد اعترف حجاج العجمي في مقابلة على قناة روتانا خليجية في شهر رمضان الماضي، أنه ساهم في تمويل النصرة، وافتخر بهذا التمويل.

أضرار التمويل الخليجي:

ويعتقد الخبير حمزة المصطفى أن التمويل الخليجي أثّر سلبياً بصورة أضرت بالثورة في سوريا، لأنه وإن كان غير مشروط أو خاص بفصائل معينة، فإن الفصائل الثورية والتي كانت عبارة عن كتائب أهلية تتبنى مبادئ الثورة واهدافها، غيرت في خطابها ولغتها وتبنت الخطاب السلفي، أو تسلفنت بمنظور براغماتي رغبة في الحصول على هذا الدعم. ومن النماذج على الكتائب الثورية التي تسلفنت بتأثير المال الخليجي كتائب الفاروق، ولواء التوحيد، وعدد كبير من الفصائل الصغيرة. وجود المال الخليجي، فرض وجود أشخاص تديره، فانتشرت ظاهرة " الشرعيون الأجانب"، كالمحيسني وغيره، والذي يذكي هذا الفصيل من عدمه.

 وبخلاف النصرة، لا يوجد أسماء بارزة في الخليج داعمة لتنظيم داعش، كما أن العجمي والذي كان أكبر مصدر للتمويل عبر التبرعات، اتخذ ومنذ تأسيس الدولة الإسلامية في العراق والشام موقفا واضحا ضد تنظيم الدولة، وانحاز إلى النصرة والجبهة الإسلامية في المواجهة التي نشبت بداية العام الماضي. بالمحصلة، ومع ازدياد التضييق على مصادر التبرعات، وادراج الأشخاص على قوائم العقوبات الأوروبية والأميركية، أصبحت التبرعات تشكل جزءا بسيطا من مصادر تمويل التنظيمات الجهادية، ونتيجة لذلك بدأت الحركات الجهادية تعتمد على مصادر غير تقليدية كما سنوضحها لاحقا.

الغنائم:

يستطرد المصطفى موضحاً بأن الحركات الجهاديّة تؤمن غالبيّة احتياجاتها ومستلزماتها العسكريّة من الغنائم التي تحصل عليها من الطرف الذي تقاتله. وتتعمد الحركات الجهاديّة بشكل دائم اقتحام المراكز العسكريّة التي تحتوي على مخازن أسلحة أو معدات عسكريّة لتأمين هذه الاحتياجات. في الحالة السوريّة، اعتمدت جبهة النصرة على الغنائم كمصدر رئيس في تسليحها وتذخيرها وذلك بسبب افتقادها لمصدر تذخير خارجيّ لاسيما بعد وضعها على قائمة الإرهاب الأميركيّة. فمقاتلو النصرة، كانوا بمنزلة "الكفة الراجحة" في كل معركة يخوضها الثوار ضد قوات الأسد بسبب ضرواتهم وشجاعتهم واستعدادهم للتضحية. وقد استغلت قيادة النصرة رغبة الكتائب في إشراك مقاتليها، فكانت تطلب الحصة الأكبر أو حصة كبيرة في الغنائم أثناء مهاجمة الثكنات العسكرية الكبرى كقاعدة الشيخ سليمان والفوج 46، ومستودعات خان طومان، ومستودعات مهين. والجدير بالذكر أن النصرة حصلت على التمويل الخارجي ولكن بشكل غير مباشر من خلال اشتراكها في الغرف العسكرية المشتركة كما كان الحال في غرفة عمليات "اهل الشام في حلب" مؤخرا.

 أما تنظيم داعش فقد اعتمد وبشكل رئيس أيضًا على الغنائم، ولكن تلك التي تحصل عليها نتيجة استيلائه على مقرات النصرة ومستودعات الأسلحة التابعة لها غداة إعلان الدولة، ولاحقا من الغنائم التي تحصل عليها من كتائب المعارضة اثناء صراعه معها، وجاءت احداث الموصل في العراق 10 حزيران/ يونيو 2014، وانهيار الجيش العراقي بشكل شبه كامل في مدن وسط العراق، تاركا أسلحته ومعداته الخفيفة والثقيلة غنيمة لداعش (عربات، دبابات، ايزمر، هامر، صواريخ، ذخيرة حية خفيفة) لتمنح التنظيم انتعاشة قوية، وتمويل عسكري ومالي (سيطر على بعض البنوك، لكن المبالغ التي ذكرت في الإعلام مبالغ فيها) مكنه من التوسع أكان داخل العراق باتجاه كردستان (قبل الغارات الأميركية) أو في سورية.

 وبناء عليه، فإن الغنائم هي المصدر الأساسي للتنظيمات الجهادية، لاسيما في ظل الحصار المالي الذي تفرضه الجهات الدولية والغربية عليها.

لكن هناك مصادر أخرى غير تقليدية تحظى بها الحركات الجهادية، سنتناولها بالتفصيل في الجزء الثاني من حديثنا مع الباحث السوري، حمزة المصطفى، الخبير في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، والكاتب في "زمان الوصل"، في باب "إسلام وجهاد".

يتبع...

ترك تعليق

التعليق