وثائق للبيع...تحقيق استقصائي يكشف حالات "تبادل منفعة" لاسترجاع وثائق اللاجئين السوريين في الأردن!

كشف تحقيق استقصائي لوحدة الصحافة الاستقصائية في راديو البلد بعمان أعده الصحفيان "حازم الحموي" و"حنان خندقجي" بإشراف مصعب الشوابكة عن وجود سوق سوداء للإتجار بالأوراق الثبوتية السورية المحجوزة لدى مديرية شؤون اللاجئين السوريين التابعة لوزارة الداخلية والبالغ عددها 219 ألف وثيقة سفر وهوية سورية بين 2011 وحتى أواخر 2013.

ورصد التحقيق الذي أخذ عنوان (وثائق للبيع) حالات كثيرة من "تبادل المنفعة" بين سماسرة أردنيين وسوريين مع رجال أمن وعاملين في مديرية شؤون اللاجئين السوريين، إما لإعادة وثائق محتجزة مقابل 50 –150 دينارا (70- 210 دولار) عن كل منها، أو لاستصدار بطاقات الخدمة الخاصة بالجالية السورية بطريقة غير مشروعة.

وتوصل الفريق الذي أعد التحقيق المكتوب والمصور كفيديو إلى أن سماسرة يتعاونون مع رجال أمن لتأمين سوريين ببطاقة الخدمة الخاصة بالجالية السورية، الصادرة عن مراكز أمنية، بطريقة غير قانونية، مقابل 15-50 ديناراً للبطاقة الواحدة. واعترف ثمانية لاجئين سوريين لمعدي التحقيق أنهم لجؤوا إلى ”رشى” من أجل استرجاع وثائقهم بواسطة سماسرة بسبب تعقيدات استردادها عبر القنوات الرسمية، وعدم وجود تعليمات واضحة بذلك. فيما فشل 83 لاجئاً في مخيم الزعتري في استعادة وثائقهم رغم مراجعتهم لإدارة المخيم لاستردادها، أو دفعوا رشى لوسطاء دون جدوى، حسبما أكدوا في مقابلات فردية وجمعية لمعدي التحقيق قبل شهر من نشره.

ورصد الفريق وجود سماسرة يتعاونون مع رجال أمن لتأمين سوريين ببطاقة الخدمة الخاصة بالجالية السورية، الصادرة عن مراكز أمنية، بطريقة غير قانونية، مقابل 15-50 ديناراً للبطاقة الواحدة.

كل ذلك يحدث وسط ضعف رقابة مديرية شؤون اللاجئين السوريين التابعة لوزارة الداخلية، علاوة على عدم التزام الحكومة الأردنية بمذكرة التفاهم الموقعة مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عام 1998 وتعديلاتها، فيما يخص إعطاء اللاجئ مركزا قانونياً ومعاملته وفق المعايير الدولية؛ التي تمنع حجز وثائقهم، علماً أن أهمية استرجاع الوثائق تكمن في تمكين اللاجئ من مغادرة المخيم، وطلب اللجوء إلى دولة ثالثة، أو العمل، وتوثيق عقود الإيجار، والزواج، وتسجيل المواليد الجدد، وقيادة السيارات.
ويندرج مشروع العودة إلى سوريا ضمن خيارات اللاجئ الساعي لاسترداد وثائقه.

عم يتاجرو فينا!

الصحفي "حازم الحموي" شرح لـ"اقتصاد" فكرة التحقيق"قائلاً: "بدأت الفكرة من زيارة قمت بها إلى مخيم الزعتري للاجئين السوريين، حيث قابلت هناك امرأة ستينية قالت لي (والله يا ابني عم يتاجرو فينا) وعندما سألتها كيف قالت: ( بنتي رجعت على سوريا وما أخدت وثائقها وهلأ بدي طالعهون عن طريق سمسار بـ 100 دينار) ويشرح الحموي الهدف من هذا التحقيق الاستقصائي بمحاولة إيقاف حالات استغلال ظروف السوريين وتصويب الأوضاع الحالية بحيث تلغى هذه السوق،مضيفاً إن قرار احتجاز الوثائق لا يمكن أن يكون صائباً من الناحية الأمنية فما الفائدة من احتجاز وثائق اللاجئين لمدة ثلاث سنوات؟".

وفيما إذا كان هناك مسوغ قانوني للاحتفاظ بالوثائق أم أن ذلك يجري بشكل كيفي يقول الصحفي الحموي: "قانونياً لا يوجد مسوغ لاحتجاز الوثائق ولكن السلطات تبرر العملية بالحفاظ على أمن المملكة".

وحول التجاوزات التي تجري في الخفاء من قبل السماسرة بغرض بيع الوثائق أو استرجاعها والأطراف المتورطة فيها عادة يقول معد التقرير: "طبعا تم توثيق وجود سماسرة يمارسون مهنة استرجاع الوثائق المحتجزة لدى السلطات الأردنية وسماسرة من نوع آخر يعملون على استخراج البطاقة الخاصة بالجالية السورية أو ما يسمى الهوية الأمنية".

 وتم استصدار هوية أمنية للصحفي مصعب الشوابكة الأردني الذي أشرف على التقرير على أنه سوري الجنسية بدون أن يذهب إلى مركز الشرطة وتم استصدارها شخصياً له مقابل 16 دينارا، وحول قصة استصدار هذه البطاقة يروي الصحفي حازم الحموي أن فريق التحقيق التقى سمساراً يدعى "أنس" يقطن بالقرب من البنك الأردني الكويتي في شارع الجامعة بمدينة إربد أواخر نوفمبر/تشرين الثاني 2013 وطلبوا منه إصدار بطاقة أمنية لمشرف التحقيق الزميل مصعب الشوابكة: فقال لهم: (بدي صورة شخصية، مكتوب على ظهرها اسمه الثلاثي، واسم والدته، وتاريخ ميلاده). وعندما سألناه هل الهوية أصلية أم مزورة قال بحدة: "صرت مطلع أكثر من 1000 هوية، كل السوريين في إربد بيعرفوني وطلعتلهم هويات"، وأضاف بثقة: "أكيد مش مزورة".

ويردف الحموي: "بعد قرابة أسبوعين عدنا إلى أنس، وطلب منا القدوم إلى بيته للحصول على البطاقة. سلمنا بطاقة خدمة خاصة بالجالية السورية، تحمل اسم زميلنا مصعب وصورته، ورقمها 8001449111 ومختومة من الخلف “مديرية شرطة محافظة إربد/مركز أمن إربد الشرقي” وصادرة بتاريخ 30/12/2013. ومن خلال مصادرنا في مديرية الأمن العام تأكدنا من أن البطاقة غير مزورة ومدرجة على نظام البطاقات الخاصة بالجالية السورية".

نهاية الخيوط .. عقدة النجار!

وحول العراقيل أو المصاعب التي واجهت فريق التحقيق أثناء جمع المعلومات من مصادرها أجاب الحموي: "أولى المصاعب كانت في التوصل إلى نهاية الخيوط أي الوصول إلى عناصر الأمن الشرطة أو عناصر الأمن الذين يسهّلون للسماسرة هذا العمل، ولكننا لم نقم بالسير إلى نهاية الطريق كوننا لا نستطيع انتحال شخصية زبون وتصوير عناصر الأمن المتورطين بالكاميرا السرية كون ذلك مخالفا للقانون، فاكتفينا بتوثيق حالات لمسناها أثناء العمل تتعلق باسترداد الوثائق مقابل المال وصورنا بالكاميرا السرية بعض السماسرة ووثقنا عملهم فقط".

وفيما إذا تم التركيز على حالات تزوير الوثائق الخاصة باللاجئين مثل البطاقات الأمنية والكفالات وكروت الخيم يقول قال الحموي: "فرضية التحقيق تبحث في عملية استرجاع الوثائق المحتجزة وتجارة الهويات الأمنية الصحيحة التي يتم استصدارها من مراكز الشرطة عن طريق الرشوة، وإن كنا لا نستطيع من الناحية القانونية توصيف هذا العمل بأنه رشوه لكننا اكتفينا بوصفه خدمة مقابل المال".

 ويشير الحموي إلى أن احتجاز الوثائق الشخصية كان قراراً ظالماً بحق اللاجئين السوريين: "ونحن نتفهم تخوّف المملكة على أمنها، ولكن إذا اقتضى الأمر حجز الوثائق الخاصة باللاجئ فلا يجب أن يكون ذلك لفترات طويلة تتجاوز الشهر على الأكثر للتحقق من شخصية اللاجئ على المستوى الأمني".

 

ترك تعليق

التعليق