تكاليف النزاع في سوريا حتى نهاية 2013

صدر تقريران في زمنين متقاربين حول تكاليف النزاع في سوريا حتى نهاية 2013، الأول بعنوان "هدر الإنسانية"، وقد صدر في أيار/ مايو/2014 عن المركز السوري لبحوث السياسات، ومقره في دمشق، والثاني بعنوان "تداعيات النزاع على الاقتصاد الكلي" وصدر في حزيران 2104 عن منظمة الاسكوا، وهي اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لدول غرب آسيا التابعة للأمم المتحدة ومقرها بيروت.

ويتناول التقريران موضوعات متقاربة رغم بعض الاختلافات في النظرة والمنهج والقيمة، فيتعرضان للخسائر المادية وللآثار على الاقتصاد الكلي وعلى القطاعات الاقتصادية المختلفة وعلى المركز المالي للدولة وعلى قطاعات التعليم والصحة والفقر والبطالة والتهجير والهجرة.

يقدر التقرير الأول حجم الخسائر الكلية حتى نهاية 2013بـ 143 مليار دولار أمريكي، بينما يقدرها التقرير الثاني بمبلغ قريب هو 140 مليار (95.97 مليار دولار خسائر قطاع خاص و 43.8 مليار دولار خسائر قطاع عام). ويفصل التقرير الأول هذه الخسارة على أنها:

64.8 مليار دولار خسائر في مخزون رأس المال أي تهديم او أضرار في المساكن والمنشآت والمعدات والآليات وغيرها من موجودات ثابتة.

70.9 مليار دولار خسائر الناتج المحلي وتتكون من 25.3 مليار مخزون رأسمال المعطل عن العمل و 18.6 فوات استثمارات و 27 مليار تراجع في قيمة الناتج المحلي.

8.1 مليار دولار زيادة في الانفاق العسكري.

المجموع: 143.8 مليار دولار.

ورغم أن بعض التقديرات تذهب لتقدير الخسائر بأكثر من هذا الرقم بكثير، فإن الخسائر تبدو هائلة سيصعب تحملها مستقبلاً وسترهق سوريا لسنوات عديدة قادمة.

يقدر التقرير الأول بأن الناتج المحلي الإجمالي (GDP) قد تراجع عام 2011 بمعدل سالب 3.9% وعام 2012 بمعدل 30.8%، وعام 2013 بمعدل سالب 35.4% وبالتالي تراجع الناتج من 60 مليار دولار عام 2010 إلى نحو 25 مليار دولار نهاية 2013 بينما يقدر التقرير الثاني ان قيمة الناتج هبطت إلى 33 مليار دولار نهاية 2013.

ويفترض التقريران أن قيمة الناتج كانت ستتجاوز 70 مليار دولار لو لم تحدث الأزمة.

يقدر التقرير الثاني عدد المساكن المتضررة حتى أيار/مايو/ 2014 بنحو 678 الف مسكن مهدم كليا، و509 آلاف مسكن متضرر أو مهدم جزئيا.

كما يضيف التقرير بأن البنى التحتية لمناطق سكنية تضم نحو 862 ألف مسكن قد تضررت (شبكات الطرق والصرف الصحي وشبكات مياه الشرب والكهرباء). ويذكر أنه في حلب مثلاً دمر أكثر من 720 منشأة صناعية خاصة وتعطلت مثات الكيلو مترات من الطرق عبر سوريا، ودمرت عشرات آلاف السيارات والحافلات، توقفت شبكة سكك الحديد بالكامل. وانخفض توليد الكهرباء في سوريا عام 2013 بنسبة 30% منذ عام .2010.

بينما يمر التقرير الثاني على موضوع المهجرين مرورا عاجلاً ويقدر عدد المهجرين الى خارج سوريا بنحو مليون شخص، فإن التقرير الأول يقدم تقديرات مختلفة ومعلومات أوفر. ويذكر أن نحو 45% من سكان سوريا قد تركوا منازلهم إلى مكان آخر، ويقدر عدد السكان المهجرين إلى دول الجوار بنحو 2.6 مليون نسمة، وأن نحو ثلث السكان قد نزحوا من منازلهم داخل سوريا، وأن نحو 1.56 مليون قد هاجروا الى بلدان أخرى وهم المقتدرون (مهاجر غير نازح).

ولكن لا بد من الإشارة إلى أن أعداد النازحين إلى دول الجوار في لبنان وتركيا والأردن ومصر والعراق قد بلغت اليوم في خريف 2014نحو 4.5 مليون نسمة. إضافة للمهجرين داخل سوريا، ناهيك عن ما يزيد عن هذا الرقم مهجرين أو نازحين من منطقة إلى أخرى داخل سوريا. وإن عدنا لتقدير عدد المنازل المهدمة والمتضررة بناء على أعداد المهجرين إلى الخارج أو داخل سوريا فإننا نقدر أن عدد البيوت المهدمة والمتضررة يزيد عن مليون ونصف المليون مسكن، تشكل نحو ثلث المساكن في سوريا. لأن البيت المهجور،إن كان قد سلم من الهدم، فلن يسلم من السرقة والنهب. وبالتالي فإن حجم الأضرار التي لحقت بالبيوت لوحدها يتجاوز بكثير تقديرات التقريرين.

وبينما يورد التقرير الأول أن عدد القتلى قد بلغ ال 130 ألفا إضافة لنحو 520 ألف جريح حتى نهاية 2013 فإن التقرير الثاني لا يأتي على هذا الجانب. ولكن تقديرات اليوم (ايلول 2014) تذهب لنحو 300 ألف قتيل بين معارضة وموالاة ونحو مليون جريح إضافة لنحو 200 ألف ماتوا بسبب تفشي الأمراض وعدم كفاية العناية الصحية ونقص الدواء والغذاء وغيرها من ظروف غير مواتية لحياة.

يقدر التقرير الثاني أن الاستثمار الخاص انخفض الى نصف ماكان عليه 2011 (من 18% من الناتج الى نحو 7.46% منه). أما الاستثمار الحكومي فيقدر بأنه انخفض الى نحو ربع ماكان عليه قبل الأزمة (من نحو 9.6% من الناتج الى 2.5% منه) ولكننا نقدر أن هذا التقدير مبالغ فيه فاستثمارات القطاع الخاص شبه متوقفة عدا اشادة مساكن جديدة في بعض المناطق مثل الساحل أما الاستثمار في الأعمال فهو شبه متوقف للقطاع الخاص ومتوقف كلياً للقطاع الحكومي بمعنىى استثمار يخلق طاقات جديدة.

كما يقدر التقرير الثاني أن الصادرات انخفضت لعام 2013 الى 487 مليار دولار اي 7% مما كانت 2010 وانخفض انتاج النفط من ( 377 ألف برميل/ يوم) في أذار 2011 إلى ( 28 ألف برميل/ يوم )في أذار 2013 بينما يقدر البعض أن انتاج النفط يتجاوز هذا الرقم لأن حقول محافظة الحسكة مازالت تنتج النفط عبر تفاهم بين النظام وال بي يي دي، وكانت تنتج نحو 150 الف برميل في اليوم. ويورد التقرير الثاني أن انتاج الغاز الطبيعي قد انخفض من نحو( 22 مليون متر مكعب/يوم) عام 2011 الى نحو( 16 مليون متر مكعب/ يوم) عام 2013.

ادى هذا الوضع لعجز في الموازنة العامة. فبلغ نهاية عام 2013، بحسب التقرير الأول، ما يعادل 53.7% من الناتج، أما بحسب التقرير الثاني فبلغ العجز 23.23% من الناتج. ويقدر التقرير الأول أن نسبة الدين الخارجي الى الناتج قد بلغت 53.7% وبلغت نسبة الدين الداخلي 74% وتشكل مع بعضها 126% من الناتج، فإن التقرير الثاني يقدر هذين الرقمين ب 16.6% و 87.8% على التوالي بعد أن تراجع التحصيل الضريبي الى 34.8% مما كان عليه عام 2010 وتراجع انتاج النفط والغاز كما هو مبين أعلاه.

أثرت الصراعات على إنتاج الغذاء، فبحسب التقرير الثاني انخفضت منتجات الألبان بنسبة 76% والبقول بنسبة 68% والخضار بنسبة 67.5% واللحوم بنسبة 67.5%. وكان هذا أحد العوامل المؤدية لارتفاعات الأسعار بين 2011 و2013. وبلغ مستوى التضخم 90%، وارتفع وسطي السلع الغذائية بنسبة 185% والسكر بنسبة 137% و الحبوب بنسبة 179% بينما ارتفعت الملابس بنسبة 143% والنقل بنسبة 173% . ويقدر هذا التقرير أن المستوى العام للأسعار ارتفع بين 2011 و 2013 بنسبة 161%. هذا الارتفاع أدى لأن يصبح 60% من متوسط دخل الاسر السورية يذهب للغذاء.

أما التقرير الأول فقد قدر ارتفاعات اسعار المستهلك بين بداية الأزمة ونهاية 2013 بأعلى من تقديرات التقرير الثاني،إذ قدر ارتفاع أسعار السلع الأساسية مثل الألبان والأجبان والبيض بنحو 360% بينما ارتفعت مجمل السلع الغذائية بنسبة 275% وارتفعت أسعار الوقود والتدفية بنسبة 300%

يقدر التقرير الأول أعدادالقادرين على العمل في الأعمار بين 15 و 65 سنة بنحو 14.4مليون نسمة وأن 8.2 مليون هم خارج عملية العمل (نساء البيوت، و رجال لا يرغبون بالعمل) وأن عدد العاطلين عن العمل بلغ نحو 3.4 مليون (50% من قوة العمل) وأن عدد المشتغلين قد هبط الى 2.85 مليون مشتغل. مما يعني أن كل مشتغل عليه أن يعيل ستة أشخاص،بينما كان قبل الأزمة يعيل ثلاثة أشخاص. بينما يقدر التقرر الثاني معدل البطالة نهاية 2013 بنحو 55% وتصل بين الشباب إلى 70% (67% شباب و 82% شابات).، وأن قوة العمل انخفضت خلال الأزمة من نحو 27% من السكان الى نحو 18 % وأن البطالة بلغت عام 2014 نحو 62.5% وسترتفع الى 66% عام 2015.

يقدر التقرير الأول معدل الفقر الاجمالي نهاية عام 2013 بنحو 75.4% من السكان منهم 54.3% يعانون الفقر الشديد. بينما يقدر التقرير الثاني هذين الرقمين ب 69% و 43% على التوالي ويتوقع التقرير الثاني أنه في عام 2015 سيصبح 90% من السوريين فقراء ونحو 60% سيكونون في فقر مدقع. وبحسب مؤشرات التنمية البشرية فإن الصومال فقط تحتل مرتبة أدنى من سوريا. والخط الأعلى للفقر هو دخل يعادل قيمة الانفاق على الغذاء الذي يحتاجة الفرد لتأمين حزمة غذائية توفر 2200 سعرة حرارية يوميا. بينما يعجز من هم تحت خط الفقر الأدنى تأمين احتياجاتهم الغذائية الأساسية.

يبين التقرير الأول أن 61 مشفى عام من أصل 91 قد تضررت جراء الأحداث، وأن نحو 27 من بينها قد خرجت كليا من الخدمة، إضافة لتضرر 53 مشفى خاص. وأن جزءاً من الكادر الطبي قد تعرض للقتل إضافة الى هجرة جزء كبير منه الى الخارج.

يبين التقرير الثاني أن نسبة التلقيح انخفضت الى 50% وارتفعت نسبة وفيات الأمهات أثناء الولادة لتبلغ 73 حالة كل 100 ألف ولادة. وأن عدداً من الأمراض قد عادت الى سوريا مثل شلل الأطفال وارتفعت أعداد المصابين بالحصبة والتوفوئيد والتهاب الكبد الفيروسي وبالغدة النكافية والسل والسحايا والحمى المالطية واللاشمانيا. وزادت وفيات الأطفال كما زاد عدد الأطفال الذين يعانون من نقص في الوزن.

يبين التقرير الأول أن نسبة الالتحاق بالمدارس قدانخفضت الى 51.8% وسطياً، بينما تصل في حلب والرقة و الى 10% والى 32% في ريف دمشق. وأن نحو 4000 مدرسة خرجت من الخدمة إما بسبب دمارها أو استخدمت لإيواء النازحين. بينما يقدر التقرير الثاني أن نسبة الالتحاق بالمدارس بشكل عامانخفضت من 98.4% عام 2010 إلى 70% عام 2013 وأن نسبة الالتحاق بالمدارس للأطفال بعمر 6-11 سنة تدنت الى 50% وتنخفض نسبة من يكمل حتى الصف السادس حتى 30%. مما يعني أن كامل جيل من هم دون سن الـ 15 الآن سيعاني من الأمية.

نظرة للتقريرين:

رغم التباين، فإن كلا التقريرين يقدمان صورة مرعبة عن الكارثة السورية، وأن أرقام نهاية 2013 التي أوردها التقريران، قد تم تجاوزها بكثير خلال الشهور التسعة المنصرمة من عام 2014. والمرعب أكثر أن كرة نار النزاع مازالت تتدحرج.

يتسم كلا التقريرين باعتمادهما على الإحصاءات الحكومية والتي تتسم تقليدياً بضعف الكفاءة وبالتحيز والميل لتجميل الصورة واخفاء الحقائق والافتقار الى الدقة بسبب غياب معلومات عن مناطق سيطرة المعارضة، ورغم أن كلا التقريرين قد تم اعدادهما بين جدران المكاتب، فإن خبراء التقرير الأول، تقرير المركز السوري لبحوث السياساتومقره دمشق، هم سوريون يقيمون في دمشق ويعيشون الأحداث حية، ويتلقون معرفة واقعية يفتقدها معدوا التقرير الثاني، وجلهم من غير السوريين، ويقيمون في بيروت، ويتلقون معلوماتهم من وسائل الإعلام. ونعتقد أن تقدير الخسائر الفعلية يفوق ما أورده كلا التقريرين، وخاصة ماأورده التقرير "الثاني "الإسكوا" الذي تجنب الخوض في كل ما يزعج النظام وحرص على تقديم صورة أقل بشاعة من الواقع.

يتسم التقرير الأول، ورغم وقوعه هو وخبراؤه تحت مطرقة أجهزة الأمن، يتسم بنظرة أكثر عمقاً وموضوعية وجرأة والتصاقاً بالواقع من التقرير الثاني (الإسكوا). فهذا التقرير تطرق لموضوعات أكثر حساسية، بل اعتبر أن "الأزمة الحالية في جوهرها نزاع بين قوى التسلط وأولويات المجتمع السوري" ويستخدم كلمة "حراك مجتمعي" تم دفعه ليتحول الى حمل السلاح بدفع من مختلف قوى التسلط (الاستبداد والعصبية والأصولية). ويذكر التقرير الأول بجرأة: "سارعت قوى التسلط المحلية المنخرطة في النزاع، ومن مختلف الأطراف، وبدعم من قوى التسلط الخارجية، لاستعلال الأزمة وقمع تطلعات القوى المدنية الساعية لتحقيق دولة الحريات والعدالة والرفاه، وحرفت المسار باتجاه النزاع المسلح". ويرى التقرير الأول أنه بنتيجة هذا النزاع "تغولت خلال هذه الفترة العديد من المؤسسات الرسمية وغير الرسمية لخدمة أهداف ومصالح قوى التسلط المحلية، وبمساندة قوى التسلط الخارجية، الأمر الذي أدى الى هيمنة المؤسسات المرتبطة بالنزاع على حياة السوريين. وفي هذا السياق تم استخدام العنف والترهيب كوسائل للهيمنة والسيطرة".

وبالمقابل فقد لجأ التقرير الثاني الى المقارنة بين الماضي والحاضرلمؤشرات أهداف الانمائية الألفية وواقع هذه المؤشرات 2013 وكيف سيكون الحال لو لم ينشأ هذا النزاع. وقدم التقرير الثاني صورة وردية عن الفترة السابقة لقيام الحراك المجتمعي. وبالمجمل فإن التقرير الثاني لم يضف قيمة تذكر لما جاء به التقرير الأول رغم الفارق الزمني ورغم فروق الإمكانيات بين مركز صغير بدمشق يعمل تحت رقابة أجهزة الأمن، وبين امكانيات "الإسكوا" وطاقمها الكبير ومكاتبها المترفة في بيروت.

يمكن تفسير الفارق بين التقريرين بأن التقرير الأول أعدته ثلة من الاقتصاديين السوريين المعروفين بموضوعيتهم وخبرتهم الطويلة بقضايا سوريا والمشغولين بالهم الوطني، بينما تولى عبدالله الدردري رئاسة فريق إعداد التقرير الثاني، وأراد الدردري، كعادته، أن يقدم صورة وردية عن وضع الاقتصاد حين كان يشغل منذ أواخر 2003 وحتى 2007 منصب رئيس هيئة تخطيط الدولة، ثم من 2007 وحتى 2011 موقع نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية، وقد حرص أن لا يثير تقريره غضب النظام، لأنه يأمل ويعمل لتسويق نفسه لدور مستقبلي يلعبه في سوريا بالتفاهم مع النظام بدمشق.

سمير سعيفان

خبير اقتصادي سوري

ترك تعليق

التعليق