حرب على موارد "الدولة الإسلامية"، أم تدمير لبنى سوريا التحتية؟

ينظر الكثير من السوريين بعين الريبة للسياسات الأمريكية عموماً. وقد تفاقمت ريبتهم حيالها في السنوات الأخيرة، بعد اندلاع الثورة وحجم الخذلان الذي نالته من جانب الأمريكيين.

ومع ضربات التحالف الدولي بزعامة واشنطن ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" و"جبهة النُصرة" في سوريا. تفاقمت ريبة الكثيرين، لتصل مستويات عالية مع استهداف الضربات الأمريكية لمصافٍ ومنشآت نفطية، وأخيراً، معمل غاز ضخم، بحجة الحدّ من مصادر تمويل تنظيم "الدولة"، والتي يشكل النفط والغاز في سوريا، أبرزها.

فهل وجّهت أمريكا ضرباتها الأخيرة لمصافي النفط ولمعمل غاز "كونيكو"، بغية تحجيم مصادر تمويل "الدولة"؟، أم بغية تهديم ما بقي من بنى تحتية سورية، خاصة في قطاعي النفط والغاز، وتمهيد الطريق أمام شركات إعادة الإعمار الأمريكية لتحصد النتائج في المستقبل القريب؟

للإجابة على هذا التساؤل الشائك قررت "اقتصاد" طرح ما سبق على خبير في قطاع النفط السوري، وهو المهندس أحمد فايز المصطفى، والذي يحمل ماجستير في هندسة مخزون وإنتاج النفط، وسبق أن عمل في الشركة السورية للنفط وشركة حيان للنفط، قبل أن يغادر سوريا عام 2012، بعد ملاحقة أمنية من جانب أجهزة النظام.

* لا نيّة لتدمير البنية التحتية

بدايةً، أكد لنا الخبير النفطي أنه من السابق لأوانه الحكم على أهداف الحملة العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة في سوريا، لأن هناك الكثير من الأمور الضبابية التي لم تتضح تفاصيلها بعد. لكنه، بعد مراجعة حيثيات الضربات التي استهدفت مصافي نفطية ومعمل للغاز، حسب ما تناقلتها وكالات الإعلام، توصل إلى استنتاج مبدئي بأن لا نيّة لدى قيادة التحالف في تدمير البنية التحتية النفطية "الحقيقية" في سوريا.

وكان متحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، أكد يوم الخميس الماضي حرص الأمريكيين على إلحاق أدنى أذى ممكن بالمصافي والمنشآت النفطية السورية. وأن الغاية من الضربات هي تقليل قدرات تنظيم "الدولة" على استخراج النفط والغاز وبيعهما.
مشيراً إلى رغبة الأمريكيين في المحافظة على هيكل المصافي والمنشآت، لتستفيد منها المعارضة السورية المعتدلة، في حال استلمت الحكم.

ويعتقد أحمد المصطفى أن حيثيات استهداف معمل غاز "كونيكو"، أخيراً، تُدلل على عدم وجود نية لدى التحالف لتدمير المعمل بحدّ ذاته.

وأوضح المصطفى بأن أغلب وكالات الأنباء تناقلت خبر قصف معمل غاز "كونيكو"، مشيرة إلى أن القصف استهدف البوابة والمصلى. وأضاف: "المعمل تم إنشاؤه من قبل شركة كونيكو فيليبس الأمريكية، وفي عهد الأسد الابن. يعني لا يوجد أي بناء في المعمل يُسمى مصلى، ولم يتم تخصيص مكان للصلاة. وهذا يعني أنه تم استهداف البوابة وأحد الأبنية الإدارية التي تم استخدامها لاحقاً كمصلى، وهذا يدل على أن غاية القصف بعث رسالة تهديد لعناصر تنظيم الدولة كي يُخلوا المعمل. وبالتالي، تفقد "الدولة" القدرة على الاستفادة منه".

ونوّه المصطفى إلى أن المصافي التي قصفها التحالف ليست مصافي بالمعنى التقليدي. فسوريا لا تملك إلا مصفاتين، مصفاة حمص ومصفاة بانياس. وكان هناك مشروع لإنشاء مصفاة ثالثة في منطقة الفرقلس، قبل الثورة، لكن تم تأجيله، وإلغاؤه لاحقاً.

واستطرد المصطفى: "ما يتم الحديث عنه اليوم على أنه مصافٍ يتم قصفها، هي في الحقيقة ليست مصافٍ، هي وحدات تكرير صغيرة بدائية تقوم بتكرير النفط بشكل بدائي وفصله، ولو بدرجة غير عالية من الفصل، إلى المكونات الرئيسية المشهورة".

وعقّب المصطفى: "هذه الوحدات في معظمها صناعة شركات خاصة صغيرة تركية. وحتى مشغليها في المرحلة الأولى كانوا من الأتراك، إلى أن تعرّفوا إلى بعض المهندسين والفنيين السوريين الذين قاموا بتشغيل بعضها لاحقاً".

ويرى المصطفى أنه لا يمكن أن نعتبر هذه "المصافي" جزءاً من البنية التحتية للقطاع النفطي السوري لأنها بالأصل مؤقتة وشبه متنقلة، ولم تكن موجودة بالقطاع النفطي قبل الثورة.

وتوقع المصطفى أن يقوم مشغليي وحدات التكرير هذه بخطوات للحفاظ عليها، أو حتى تفكيكها كي لا يتم استهداف ما تبقى منها.

* ما تأثير ضربات التحالف الدولي على الوارد المالي لـ "تنظيم الدولة الإسلامية" من النفط والغاز؟

يجيب أحمد المصطفى قائلاً: "لاشك أن للضربات تأثيرا على الوارد المالي النفطي لتنظيم الدولة. ولكن حجم هذا التأثير يعتمد على نوع الضربات وتعامل التنظيم معها. بمعنى إذا تم تدمير المنشآت في الحقول الكبيرة كالعُمر والتنك مثلاً، فإن الإنتاج فيهما سيتوقف نهائياً. أما إذا استهدفت الضربات طرق "التصدير"، كالصهاريج وغيرها، فإن الإنتاج سيتوقف مرحلياً".

وأكد المصطفى بأننا نحتاج للمزيد من الوقت لمعرفة توجّه الضربات بشكل عام، ولمعرفة الطريقة التي سيعتمدها تنظيم "الدولة" للتعامل معها، وحلوله للموضوع، وبالتالي من المبكر، حسب رأي المصطفى، الحديث عن التأثير الفعلي للضربات على دور النفط كمصدر رئيس لتمويل التنظيم.

لكن الخبير النفطي عقّب: "أتوقع أنه في حال أراد التحالف الضغط على تنظيم الدولة بالموضوع النفطي فإنه سيلجأ أيضاً لمنع التجار الأتراك من شراء النفط الخام بالصهاريج، وهذا سيترك أثره أيضاً على الإنتاج".

ويعتقد المصطفى أن تركيا قادرة على إيقاف تهريب النفط عبر حدودها، إذا كانت لديها النيّة.

وفنّد المصطفى ما يُشيعه البعض من أن تهريب النفط يتم بواسطة خراطيم ضخمة تُمد عبر الحدود من جانب المهرّبين ودون علم الحكومة التركية، موضحاً أن "الخراطيم الضخمة ولمسافات طويلة بحاجة لأنظمة ضخ. بمعنى مضخات ذات حجم متوسط على الأقل. ويمكن بهذه الحالة للحكومة التركية إيقاف التهريب إذا كان لديهم النيّة لذلك، لأن كشف الصهاريج ليس بالأمر الصعب.

 وكذلك الموضوع بالنسبة لوجود أنانيب ضخمة يرافقها وجود وحدات ضخ (مضخات وخزانات) في الجانب السوري من الحدود.

عملياً ضخ النفط بأنبوب ضخم ولمسافات كبيرة يتطلب وجود خزان للنفط ومضخة ذات استطاعة عالية في الجانب السوري، لذلك من السهل كشفها ومن السهل محاربتها في حال كان هناك نيّة لذلك".

* هل تعتقد أن التحالف الدولي قد يستهدف حقلي العمر والتنك، أم أن الضرر الكبير للبنية التحتية السورية، سيمنعهم من ذلك، خاصة مع تصريحات البنتاغون الأخيرة أنهم حريصون على بقاء منشآت نفطية يمكن للمعارضة المعتدلة أن تستعملها في مرحلة لاحقة بعد السيطرة على الأرض؟

أجاب أحمد المصطفى: "تصريح كهذا يدل على عددم نيّتهم استهداف الحقول الكبيرة ومنشآت التشغيل الكبيرة. مع التأكيد أن التصريح لا يمكن أن يكون ضمانة لذلك، يعني من الممكن استهدافها لاحقاً إذا رأوا في ذلك ضغطاً أكبر على تنظيم الدولة. ولكن في حال توقف التصدير للمنتجات من هذه الحقول تصبح عملية الإنتاج عديمة الفائدة وبالتالي تتوقف الحقول تلقائياً".

وأضاف المصطفى: "لا يمكن التنبؤ بمسار الضربات لاحقاً، لكنه يمكن القول بأن هناك إمكانية لحرمان تنظيم الدولة من الإنتاج، دون تدمير المنشآت. إلى جانب نقطة هامة، وهي أن عناصر التنظيم لن يغامروا بالتواجد في أماكن هي هدف محتمل للضربات، ومنها حقول النفط، لذلك سيعمدون إلى إخلاءها".

واشار المصطفى إلى أن التنظيم، في الفترة السابقة للضربات (قبل حوالي الشهر) قام بإخلاء سكن العاملين في حقل العمر بهدف إحضار عائلات "المهاجرين" في التنظيم للسكن فيه. ومع بدء الضربات طبعاً تم نقل العائلات خارج السكن تلافياً لضربه.

* تعطل معمل "كونيكو" يضر بمناطق المعارضة

وبالعودة إلى حادثة استهداف معمل غاز "كونيكو"، سألنا الخبير النفطي: إن توقف المعمل عن العمل، كيف سيؤثر ذلك على عمل مولدات الكهرباء في المناطق الخاضعة للنظام، حسب معلوماتك؟

أجابنا المصطفى بأن المعمل يغذي محطات توليد الكهرباء بالغاز، ويؤثر بالفعل على التغذية الكهربائية عموماً.

لكنه عقّب: "حسب رأيي التأثير الأكبر سيكون على مناطق المعارضة وليس النظام".

وكان التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية قد قصف أمس الأحد معمل غاز "كونيكو"، في محافظة دير الزور. وذكر نشطاء سوريون بأن الأضرار المادية كانت محدودة. ويُوصف المعمل بأنه أكبر معمل للغاز في سوريا ويغذي عدة محطات لتوليد الكهرباء في البلاد، والتي تنتج الكهرباء لنحو ربع مساحة سوريا.

كما استهدف التحالف الدولي أمس الأحد أيضاً ثلاث مصافي نفط جديدة تقع قرب الحدود مع تركيا وتخضع لسيطرة تنظيم الدولة. لترتفع حصيلة المصافي التي تعرضت للاستهداف من طيران وصواريخ التحالف أكثر من 12 مصفاة حتى الآن.

ترك تعليق

التعليق