سوريون على حدود الموت.. تفاصيل مرعبة في رحلة انتهت بين تركيا و"الناتو"

"إذا ما متت ما شفت مين مات" عبارة تبدو ملحة تتلازم مع كل روايةٍ نسمعها عن الهاربين من سوريا والتائهين في عرض البحر يحلمون باصطياد فرصتهم بالوصول إلى أوروبا ولا يتوقعون أنهم ربما سيكونون صيداً للبحر.

قصص مريبة تشي في كثيرٍ من الأحيان بتورط دولٍ، إما عبر ارتباطٍ عضويٍ مع المهربين وإما بتجاهل حالات التهريب، لتبدو أقرب إلى الشرعنة، لا سيما وأنها تدر سنوياً ما يقارب سبعة مليارات دولار حسب إحصائيات الأمم المتحدة.

*"رضيت من الغنيمة بالإياب"

"المهرب والسمسار بيعملولنا البحر طحينة" هذا ما قاله "أ.أ" الذي حاول الوصول إلى اليونان وكان المبلغ المطلوب هو 2250 يورو وذلك بعد أن فشل في إيجاد طريقٍ للتهريب عبر الطيران.

ويطلعنا على تفاصيل رحلته الطويلة والمضنية والتي لم تحمله إلى أوروبا إنما عادت به إلى تركيا من حيث انطلق، بعدما انطبق علبه قول امرئ القيس:
"ولقد طوفت في البلاد حتى....................رضيت من الغنيمة بالإياب"

يقول "أ.أ": "السمسار والمهرب أبلغونا أننا سنركب بيخت سياحي من نقطة تبعد عن اسطنبول ساعة ونصف ونسير على الأقدام لاجتياز مسافة ساعة للوصول لنقطة الانطلاق، تفاجأت أن النقطة تقع في ريف أزمير وأخذت وقت أكثر من 10 ساعات بالباص، ومدة السير على الأقدام تجاوزت 8 ساعات، حيث قطعنا غابات شوكية وصخرية ليس فيها أي مظاهر للحياة إلا العقارب والنمل الأسود الكبير، وذباب الفرس "شكله غريب"، وأم أربع وأربعين والذئاب، ووفق ما علمنا لاحقاً من "غوغل"، فإن المسافة كانت حوالي 50 كلم".

ويضيف: "كنا 60 شخصاً نطمح للوصول إلى أوروبا من مختلف الأعمار بيننا 8 أطفال و10 نساء، فضلا عن الشيوخ العجائز، ولكن بعد هذه البداية غير المبشرة قررنا أنا و5 أشخاص آخرين العودة، لا سيما وأن اليخت لم ينطلق وطلب منا المبيت تفاجأنا بكم النمل فاخترنا نقطة مبيت بها حشرات أقل، نمنا حوالي ساعتين حتى بزوغ الفجر، لكن باقي أفراد الرحلة رفضوا الرجوع.
وأمضينا يوماً آخر وليلة، وتلقى المهربون تساؤلاتنا بالتأجيل والتسويف، انقطعنا من الماء والطعام، وبحلول الساعة العاشرة صباحاً ازداد عدد من يريد الرجوع إلى 10، وبعد ساعاتٍ من الجوع والتعب هددنا المهرب بأنه إن لم يحضر الطعام والشرب سوف نقوم بتبليغ "الجندرما" أو إحراق الغابة بأكملها".

ويبدو أن حلم الكثيرين بالوصول إلى أوروبا دفعهم للوقوف إلى جانب المهربين والتبرير لهم، طالبين من باقي المجموعة التريث.

ويكمل "أ.أ" بأن المهربين أحضروا الماء حوالي الساعة الخامسة مساءً وحددوا موعد الانطلاق الساعة السابعة، وهنا تراجع اثنان ممن يريدون الرجوع وعدم الإكمال وبقي عددنا 8 أشخاص فقط.

*وادي الذئاب

ويستطرد: "أنا الوحيد الذي كان معي خط تركي فيه رصيد دولي ومحلي وإنترنت وبطارية شحن احتياطية، وأتحدث التركية بشكل أفضل من الجيد، وبعد الاطلاع على الخرائط في "غوغل" اتضح أننا محاطون بشواطئ نائية تفصل بينها جبال، وطلب منا المبيت لغاية الانطلاق صباحا، انتهزنا الفرصة وطلبنا نقلنا لكوخ قريب، طبعاً الأكواخ غير مؤهلة، لكن كانت الفكرة تأمين الأطفال والكبار والنساء على إسمنت الكوخ بحيث لا تمسهم العقارب والحشرات".

"آخر فرض فجر صليته جالسا بسبب عدم قدرتي على التوازن فطوال الرحلة لم نتناول الطعام لكنني كنت أتزود بحبوب سنتريوم وكوبال، والماء قليل جداً"، حسب "أ.أ".

ويؤكد "كنا محاطين بقطيع من الذئاب ليلاً وكنا نتناوب للحراسة".

وصل عدد الراغبين في إنهاء الرحلة عند هذا الحد إلى 13 شخصا، لكن تفاجأنا عند الصباح بوصول يخت كان طوله حوالي 10 أو 12 مترا وليس بين 16 و20 مترا كما كان مفترضا.

ويتابع "أ.أ": "قررنا أنا ومجموعة من 5 أشخاص أن نكون آخر من يصعد اليخت لكي نكون قرب الباب بحال حدوث طارئ، حد الأمان باليخت نزل إلى تحت مستوى البحر ...فرفضنا الصعود وتحدثنا مع المهرب تارةً بالحسنى وتارةً بالتهديد، تبادلنا الأدوار لكي نستطيع استرجاع أموالنا".

ويضيف: "بالنهاية طُلب من مهربيّ البر أن يوصلانا لقريةٍ قالا إنها تبعد ساعتين سيراً على الأقدام، تفاجأنا أننا سرنا ثلاث ساعات على جروف البحر كنا نتسلق على الجرف بحال السقوط أو الانزلاق نتدحرج على الصخر ثم البحر، الارتفاعات تجاوزت 10 أو 15 مترا أحياناً، اضطررنا للتشبث بجذور النباتات الشوكية لكي نتوازن، أصدقائي لم يستطيعوا النظر إلي توقعوا سقوطي، مشقة دامت ثلاث ساعات وصلنا لشط تحاذيه غابة صغيرة فيها بئر ماء لراعي غنم، كانت مثل طوق نجاة بدأنا بتعبئة السطول والشرب، مع أن المياه ملوثة حيث خرج منها ضفادع وفيها شوائب واضحة لكننا فرحنا بها.
خلال بضعة دقائق كان المهربين قد هربوا وتركونا في هذه المنطقة التي لا يوجد بها تغطية جوال أو نت، واصلنا المسير حوالي ربع ساعة، وصعدنا تلّتين وجدنا تركيين أخدا مني مصباح الضوء الكشاف مقابل إرشادنا إلى الطريق كانت مسافته 13 كلم، صعدنا وهبطنا في هذه المسافة خسمة جبال، بآخر قمة وصلت تغطية الموبايل أرسلت نقطة الجي بي إس لصديق وقلت له خلال ساعتين سأكون ميت لا يوجد ماء ولا أستطيع التنفس ولا الرؤية.
وقام الشباب بفتح الخرائط على الموبايل اتضح أن أقرب قرية تبعد 9 كلم لكن لا يوجد طريق واضح لها فهي محاطة بجبال، لكن أحد الشباب تسلق صخرة مرتفعة وبان معه شاطئ مؤهل، سرنا للشاطئ مسافة 7 كلم تقريباً، ارتفعت معنوياتنا عندما لاحظنا مظاهر التنظيم والحياة التي كانت واضحة، وصلنا للشط ووجدنا كافيتريا وأكلنا وشربنا وغيرنا وأرسلوا إلينا تكسي لتعود بنا إلى "أزمير".

*هجرة إلى "الناتو"

ولم تنتهِ الحكاية هنا فما زال في اليخت من ينتظر الوصول إلى أوروبا وعنهم يقول "أ.أ": "من صعد باليخت اتضح أنه تم إلقاؤهم في شاطئٍ ناءٍ آخر، لم يقترب أحد منهم لا "جندرما" ولا جيش ولا مدنيين، رفضت السلطات التركية إنقاذهم علماً أن أقرباءهم ذهبوا وبلغوا وسلموا مكان تواجدهم (محدد بالجي بي اس) للشرطة التي اتهمت الأقارب بأنهم مهربون ثم تم إطلاق سراحهم.
وليست الشرطة وحدها التي علمت بالأمر، حيث تم إبلاغ جمعيات حقوق الإنسان والهيئات السورية بتركيا والإعلاميين لكن دون فائدة.
وبعد فقدان 3 أشخاص وعيهم والأطفال فقدوا القدرة على النهوض أقدم الشباب على إحراق الغابة، اعتقد البعض أنهم لقوا حتفهم واستمرت مأساتهم ليلتين، وعند إحراق الغابة الشوكية اتضح أنهم بالقرب من قاعدة لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، حيث حضرت "هيليكوبتر" روسية وأخرى يعتقد أنها رومانية للاستطلاع وشاهدتهم مما أجبر السلطات التركية على القدوم وأخذهم".

الوثائق التي تم إيجادها في الشواطئ الليبية

 

ترك تعليق

التعليق