من عربة قمامة في مصر إلى تيهٍ في إيطاليا: قصّة هجرة غير شرعية لسوريين

تتجاوز لعنة النظام الحدود، وتلاحق السوريين أينما رحلوا، آلاف القصص والحكايات يرويها من عاشوا مغامرة اللجوء والسفر غير الشرعي والمصادفة وحدها أبقتهم على قيد الحياة.

فراس عاش التجربة مع عائلته، ونجى بأعجوبة من موتٍ محقق في عرض البحر حتى وصل أخيراً إلى أوروبا.

يقول فراس: بدأت الرحلة من سوريا عبر مطار دمشق الدولي إلى مصر "الاسكندرية"، وهناك استأجرنا شقة بـ 100 جنيه مصري في كل ليلة تدفع سلفاً، وفي اليوم التالي اجتمعت بشخص فلسطيني من أقاربي، والتقينا المهرب المصري الذي طلب مبلغ 3000 دولار على كل شخص بالغ و1500 دولار على كل طفل وتمت الصفقة، حيث تركت المبلغ مع الكفيل وكان من المفترض أن نركب البحر بعد ثلاثة أيام، من الاسكندرية إلى ايطاليا لكننا بقينا 12 يوما.

ويكمل فراس: عند الساعة التاسعة مساءً حضرت أربع حافلات، نقلت كل واحدة منها 25 إلى 30 شخصا، مع العلم أن الحد الأقصى 14 -16 راكبا، قضينا فيها أكثر من ساعتين ونصف، حيث أضنانا التعب وكانوا يقولون إن حافلة كبيرة ستقلنا إلى الشاطئ، وبعد كل المرار والتعب أخدونا بين البساتين إلى منطقة مقطوعة ونقلونا إلى عربة لنقل القمامة "بيك آب قياس وسط"، لم تكن تتسع لنا جميعاً، كان الانتقال بها مهينا ومزريا، فالناس كانت فوق بعضها البعض، وهنا بدأ الصراخ وهو ما دفع أحد الأشخاص المرافق للسائق بتوقيف السيارة وقام بشتمنا وإهانتنا، وقطعت السيارة مسافة ساعة بين البساتين وتعرضنا لهجومٍ من "بلطجية" لكن عندما نزل السائق والمرافق أخبروهم أن هذه الحمولة تعود لأحد المهربين ذهبوا في حال سبيلهم.

*الانتقال بعربة القمامة

يقول فراس إنهم في منتصف الطريق قاموا بتشدير السيارة للتمويه بأنها سيارة لنقل القمامة، وكنا سنموت اختناقاً بسبب ارتفاع درجات الحرارة، وبعد نصف ساعة طلبوا منا السير على الأقدام في أرضٍ زراعية، مشينا تقريباً ساعة ومعنا الأطفال والحقائب وكان معنا شاب عاجز كنا نتساعد على حمله، والمضحك المبكي أننا علمنا لاحقاً أن هذا العاجز هو فلسطيني سوري، لكنه من سكان الإمارات ووضعه المادي ممتاز وليس بحاجة لهجرة لكن الطمع أعمى قلبه.

وصلنا إلى الشاطئ وعند الساعة حوالي الرابعة فجراً صرخ المهرب بنا لنصعد إلى المركب وهو عبارة عن قارب صيد صغير بالكاد رأيناه في العتمة.

*مغامرة مع العائلة

فراس غامر في هذه الرحلة مع عائلته وهو ما جعله يحمل أحد أبنائه على رقبته وحقيبة على ظهره وفعلت زوجته الحامل الشيء ذاته، ويضيف فراس إن الولدين الكبيرين مشيا معنا للوصول إلى المركب، كانا يغرقان تارة ويظهر رأسهما تارةً أخرى، وصلنا إلى المركب والماء تغمرني حتى منطقة الصدر، لكن ولديّ سبقاني إلى المركب، وقبل أن أصعد مع زوجتي الحامل إلى المركب اشتغل المحرك ولم يمنع السائق صراخ زوجتي ورجاؤها بأن ينتظزنا قالت له "إن أولادنا معك انتظر قليلاً أرجوك"، لم تكن قادرة على الصعود من الماء إلى المركب، وأنا لم أكن قادراً على حملها، لكنه انهال علينا بالشتائم، وأخيراً نزل وساعدني على نقلها إلى المركب.

هناك من قرأ المكتوب من عنونه ورفض الصعود إلى المركب، كحال سيدة عجوز وشاب صغير وابنتها.

ويتابع: كنا 100 شخص بقينا في عرض البحر بحدود النصف ساعة حتى وصلنا إلى القارب الكبير (الببور)، ربطوا القارب بالببور وبدأوا بنقل الناس تماماً كأكياس البطاطا "شي زت وشي شلف والأغراض والحقائب نصها راح بالبحر ونصها زتوا هنن بالبحر من الشلف واللامبالاة".

وكانت المفاجأة حسب فراس أننا وجدنا آخرين على متن (الببور) أخبرونا بأنهم منذ ثلاثة أيام يدخلون المياه الإقليمية ومن ثم يرجعون حتى ينقلونا معهم، لكننا لم نكن قد وصلنا بعد، وجميعهم كانوا سوريين وفلسطينيين وعددهم 25 رجلا وامراة وطفلا، وأصبح العدد 125 شخصا.

*الحظ العاثر

بقينا في (الببور)، لكننا لم نجد لا طعاما ولا دواء ولا حليب أطفال إلا القليل القليل، فأغراضنا سقطت بالمياه، لكن تدبرنا الأمر، وبقي الوضع جيد لمدة يومين وليلة، إلى أن استيقظنا على عاصفة استمرت 72 ساعة، الأمواج كانت تحملنا وتنزل بنا مثل الريشة، ونحن نتشاهد على أرواحنا، وحسب ما أخبرنا السائق كنا في هذه الأثناء قبالة الشواطئ الليبية، وعاد الموج طبيعي.

واستغرقت الرحلة 8 أيام، لم ننم فيها أكثر من 10 ساعات، حتى قاموا بالاتصال بالطليان ليقوموا بإنقاذنا وطلبوا منا أن نضيء أي شيء كالقداحة أو البيل حتى ترانا الطائرة الإيطالية، وفعلاً وصلت الطائرة، ونقلتنا من السفينة عبر سلم مدوه إلينا، ودرج كهربائي معدني للنساء والأطفال، وهذه كانت من أخطر لحظات الرحلة، فلو أن الشخص على الدرج المعدني لم يمسك يد أو رجل الطفل المحمول من قبل شخص على (الببور) كانت ستقع مصيبة.

*مأساة المهاجرين في إيطاليا

وبقيت أغراضنا وأوراقنا  في (الببور). انتقلنا إلى صقيلية، وهناك نقلونا في الحافلات إلى منطقة غير مكشوفة على الشاطئ وأنزلونا على سجن كبير، وكانت المعاملة سيئة من قبل أحد الضباط وبعض العناصر، وأجبرونا على البصمة، ومن يرفض يقومون بضربه، حيث ضربوا شابا على بطنه واستفرغ دماً، وآخر كسر البصامة، فكسر الضابط أصابعه، والكل بصم، إلا من استطاع تهريب جواز سفره من السوريين والفلسطينيين السوريين.

ويكمل فراس: بعد ثلاثة أيام تركونا في الشوارع، لنذهب أينما نشاء، وخاب أملنا جميعاً لا سيما أن نقودنا قد نفذت، وسرنا في شوارع صقلية لا حول لنا ولا قوة كلمة إنكليزي وكلمة عربي وإشارة من هنا وأخرى من هناك، ومن ثم استقلينا قطارا وذهبنا إلى "كاتانيا" أخبرونا أن هناك ناشطة تعمل على مساعدة السوريين والفلسطينيين اسمها "نوال"، تساعد في الحجز إلى روما أو ميلانو كل حسب رغبته وأحياناً تدفع من جيبها الخاص للمقطوع من النقود.

ويقول فراس: فعلاً وصلنا لكاتانيا والتقينا "نوال" هناك وكانت وجهتنا روما لكي نلتقي مع المهرب الفلسطيني السوري (عمر أبو زرد) كان من المفترض أن يساعدنا بالوصول إلى السويد بأقل ما يمكن من مال.

التقيناه بمحطة قطار "سيينا" القريبة من روما، أتت سيارة سائقها إيطالي وأخذنا إلى فندق في روما، وعندما وصلنا استقبلنا رجل سوري اسمه (أحمد الدبش)، قال لنا إنه شريك عمر أبو زرد، نمنا تلك الليلة في الفندق، وفي اليوم التالي أتى أبو زرد واتفقنا على مبلغ 3500 دولار، وقال إنه سيستلم المبلغ عندما تصل الباصات، وفي اليوم الثالث حوالي الساعة 9 مساءً أتى شريكه أحمد الدبش وطلب المبلغ مني ومن كل الناس الموجودة بالفندق، وأحضر حافلتين صعد إليها الناس على أساس أنها ستذهب إلى السويد.

لكن المفاجأة أنه وبعد نصف ساعة تماماً ألقى البوليس القبض علينا، كانت معاملتهم ممتازة جداً وبعد ما أخدوا بصماتنا، تركونا نواجه مصيرا أعمى، وحجزوا على الباص والسائق.

* تائهون في صقلية

وبدأنا بالبحث عن أحمد الدبش لكننا علمنا أنه هرب بالنقود، وعمر أبو زرد مسجون بقضية تهريب بشر ونحن لا حول لنا ولا قوة.

ويستدرك فراس قائلا: كان معي بعض النقود حيث انتقلت إلى ميلانو ووصلت ليلاً وكان المنظر يفطر القلب، فالناس نائمة في المحطة من أسبوع لا تمتلك لقمة خبز والسبب أحمد الدبش وعمر أبو زرد.

وهنا بدأت رحلة القطارات من ميلانو إلى السويد، حيث انتقلت من ميلانو إلى مدينة اسمها "فانتيميلا" على الحدود الإيطالية الفرنسية، وبعدها إلى مدينة "نيس" الفرنسية ثم إلى "باريس"، لكن عند هذا الحد لم تعد النقود التي بحوزتي كافية للانتقال بالقطار والنوم في الفندق، لذلك كنت بين خيارين، إما أجرة طريق ونوم في الشارع أو منامة في الفندق، لكن دون تذاكر للقطار، فاخترت أن أنام مع عائلتي بالشوارع ونقطع تذاكر.

ويختم فراس قصته: وصلنا السويد بعد 4 ليال قضيناها في شوارع ميلانو -باريس -امستردام -كوبنهاغن –السويد.

بقينا في السويد 6 أشهر، حيث تم رفض ملفي لأنني بصمت في إيطاليا، وكانوا سيعيدوني إليها رغم ولادة زوجتي في السويد، ومن ثم هربت على ألمانيا وحصلت منذ 15 يوما على الإقامة.

ترك تعليق

التعليق