مدرسة "البشائر".. أكبر حراك تعليمي لأبناء اللاجئين السوريين في تركيا

من بيت متواضع إلى حديقة عامة، إلى مزرعة، ومن ثم إلى مبنى ضخم يتألف من 5 طوابق في منطقة راقية من "أنطاكيا"، رحلة محفوفة بالمصاعب نقلت مدرسة "البشائر" من بذرة في الحلم إلى أضخم حراك تعليمي لأبناء اللاجئين السوريين في تركيا، ولم يكن الهدف من إنشاء هذه المدرسة التي تضاهي أرقى المدارس التركية، أن تكون مشروعاً استثمارياً يدر الملايين كما هي مشاريع المدارس الخاصة اليوم، بل صرح حضاري تنويري بكل معنى الكلمة.

 وما يميز هذه المدرسة التي تضم 3 آلاف طالب وطالبة أنها شبه مجانية، إذ لا تتلقى أي مقابل من طلابها وطالباتها، باستثناء مبالغ رمزية بدأت بتلقيها مؤخراً لتغطية نفقات توصيل الطلاب من وإلى المدرسة، وهي أنشئت لتكون حاضنة علمية لأبناء سوريا على اختلاف انتماءاتهم الدينية والاجتماعية، وبهدف إعداد جيل واعٍ ومؤهل لقيادة الوطن والأمة بعد الخروج من محرقة الحرب التي يستعر أوارها في سوريا اليوم.

كانت بداية مشروع البشائر -كما يقول مديرها العام مصطفى شاكر– لـ"اقتصاد"-في مطلع الشهر التاسع من العام 2011 ضمن وسائل متواضعة وأعداد بسيطة من التلاميذ "وافقني 6 أشخاص فقط، وعملوا معي يداً بيد لخدمة 16 طفلا وطفلة".

وشرح الأستاذ شاكر أن المكان الذي انطلق منه مشروع "البشائر" كان مركزاً صغيراً مؤلفاً من 3 غرف و"ماهي إلا أيام قليلة حتى غصّت بنا الغرف، فوضعنا الطلاب في كل مكان حتى في المطبخ".

وفي أواخر عام 2011 زارنا الأستاذ "عمر خشرم"، مشكوراً وعرض تقريراً ناجحاً عن المدرسة على قناة "الجزيرة" الأمر الذي أعطى الشهرة للمدرسة، فتدفقت علينا وكالات الإعلام من كلِّ حدب وصوب.

ويضيف مدير البشائر: "أُحرجت الحكومة التركية أمام معارضة بلادها بسبب الإعلام عن مدرسة غير مرخصة مما تسبب بإغلاق مدرسة البشائر عدة مرات وحاولنا الالتفاف على الإغلاق، فمرة كنا ندخل المدرسة ونغلق النوافذ والأبواب حتى لا يرانا أحد، ومرة كنا نأخذ الأطفال إلى الحدائق العامة ومنها حديقة "والي كوباي" في أنطاكيا، ولكن الإعلام كان يلاحقنا، استأجرنا مزرعة خارج أنطاكيا فصارت محط رحال الكثيرين من إعلاميين وغيرهم".

في قسم الشرطة!

ويضيف شاكر: "طلبنا من المجلس الوطني آنذاك مساعدتنا في العمل لكنهم تنصلوا وتهربوا فأُغلقت مدرسة البشائر مرة أخرى، ما اضطرني للسكن في مدينة (قهرمان مرعش)، ولكن اتصالات أهالي الأطفال شجعتني على العودة إلى أنطاكيا، وصار الأمر نوعاً من التحدي لكل العراقيل والصعوبات التي يمكن أن تحول دون استمرارية البشائر".

ويردف صاحب فكرة المدرسة: "بعد ذلك تمّ استدعائي إلى قسم الشرطة -شرطة الأجانب- كنوع من تأكيد منع المدرسة والإغلاق، ففكرت بطريقة يصل بها صوتي إلى الحاكم الصالح (رجب طيب أروغان)، وركزت على الإعلام التركي المعتدل لنقل معاناتنا وصوتنا، بين الخوف والقلة في كل شيء، حتى سمحت لنا الحكومة بالتدريس فانتشر خبر التعليم، مما شجع إخواننا داخل وخارج المخيمات لفتح مدارس تدرس المنهاج السوري، ومع مرور الزمن اتسعت "البشائر" لتضم أعداداً ضخمة من الطلاب والموظفين وانتقلنا تدريجيا من "كتّاب" إلى ابتدائية إلى إعدادية ثم ثانوية ثم لكل المراحل".

وحول مصادر تمويل المدرسة يقول مدير المدرسة: "زارنا ووعدنا بالدعم الكثيرون وقلّ وندر من وفى بوعده، وصمد معنا في هذه المسيرة إخوة كرام من مجلس ريف دمشق الإغاثي بكفالته المالية لهذا المشروع منذ بدايته، ولكنهم تُركوا وحدهم في هذه المعمعة حتى ثقل عليهم الحمل إلى أن تفضلت علينا جمعية "عطاء" الكويتية مشكورة بتأمين أجار البناء وبعض المساعدة خلال العامين الأخيرين".

منهاج بعيد عن لوثات النظام

ويستعرض الأستاذ مصطفى شاكر لـ"اقتصاد" بعض محطات التكريم التي حظيت بها مدرسته المجانية قائلاً:
"في شهر 12 من العام 2013 تم تكريم مدرسة البشائر من قبل جامعة أوساكا في اليابان من خلال برنامج ضيافة لي هناك وعقدوا لي عدة لقاءات كان أهمها مؤتمر في منظمة AAR في طوكيو واعتبروا البشائر رمزاً تاريخياً في الثورة السورية".

وحول البرامج التي تعمل عليها البشائر يقول مديرها العام: "تقوم مدرسة البشائر بتدريس المنهاج السوري المنقح من لوثات النظام ونسعى لإقامة دورات في تنمية المهارات للكوادر التعليمية ومشاريع تنموية ميدانية للطفل السوري بالإضافة إلى تأسيس معهد الفاتح لتحفيظ القرآن الكريم بالسند المتصل".

وعن المشكلات والصعوبات التي تعترض مسيرة المدرسة يقول شاكر: "من أهم هذه المشكلات والصعوبات الحاجة الدائمة لأبسط أشكال الدعم (قرطاسية)، فضلاً عما هو أكبر من ذلك، إذ لا يمكن أبداً أن يترك هذا العدد الضخم ليرعاه مجلس ريف دمشق وحيداً، إلى جانب غياب المعارضة السياسية والحكومة السورية المؤقتة عن آلام المدارس والاكتفاء من قبلها بالوعود الوهمية غير المتحققة، وعدم تجاوب الكثير من الأهالي معنا وعدم تقديرهم للظروف الراهنة من الصعوبات والتحديات (الفكر الاستهلاكي) وعموماً فالجنوب التركي لا زال منسياً من قبل الكثير من الجهات الراعية والداعمة".

توزيع الثقل يهوّن من حمله

رغم أن مشروع مدرسة البشائر الريادي خدم آلاف الطلاب اللاجئين خلال سنوات بشكل مجاني بدءاً من النقل والقرطاسية والمتطلبات الأخرى، إلا أن المدرسة وللتخفيف من ثقل التمويل الذي تحمّله مجلس ريف دمشق الإغاثي وحيداً ارتأت أن تتقاضى مبالغ رمزية من أهالي الطلاب مقابل تغطية جزء يسير من نفقات المواصلات التي تسهم في جلب الطلاب إلى المدرسة وإيصالهم إلى منازلهم. ولاقت هذه الخطوة عدم تجاوب من أهالي الطلاب الذين نقلوا شكواهم لـ"اقتصاد" التي طرحت المشكلة بدورها على مدير مدرسة البشائر فأوضح قائلاً: "إن البشائر كما هو معروف مؤسسة خيرية، وقد نشرنا ذلك على صفحاتنا، ولكننا اليوم وجدنا أنفسنا أمام عجز في سد أبسط احتياجات المدرسة، وخصوصاً أن عدد طلاب وطالبات المدرسة تجاوز الـ3000، فاتفقنا مع شركائنا في (مجلس ريف دمشق الإغاثي) أن يتحمل الأهالي معنا النقل وثمن القرطاسية مقابل استمرار العملية التعليمية، وإلا فكيف نضمن الاستمرار ونحن نحتاج شهرياً لآلاف الليرات ثمن قرطاسية ونقل فقط، ووجدنا أن "توزيع الثقل يهوّن من حمله" أولاً، ولأن مسألة إنقاذ الجيل هي مسؤولية الجميع بمن فيهم الأهالي الكرام ثانياً".

صور أخرى لمبنى المدرسة وللطلاب داخلها:

ترك تعليق

التعليق