رئيس المجالس المحلية في الغوطة الشرقية لـ"اقتصاد": مليون مدني حُكم عليهم بالإعدام الجماعي

تعد المجالس المحلية في الغوطة الشرقية أنموذجاً مميزاً للعمل المؤسساتي المنظم، الذي يستقطب جميع الفعاليات الثورية في هذه المنطقة التي تعيش حصاراً مطبقاً منذ أكثر من عام ونصف.

وتعمل هذه المجالس بروح الفريق الواحد، وضمن مبدأ التشاركية الذي ميّز عمل هذه المجالس منذ انطلاقها، بهدف سد الفراغ الإداري الحاصل في الغوطة الشرقية، وتقديم الخدمات الضرورية للأهالي الذين يعانون نقصاً حاداً في كل المستلزمات الحياتية وسبل العيش.

وللوقوف على تجربة المجالس وآلية عملها ومشاريعها الخدمية والإنمائية التقت "اقتصاد" بالمهندس "نزار الصمادي" المنسق العام للتجمع الوطني لقوى الثورة بالغوطة الشرقية ورئيس مجلس إدارة المجالس المحلية في الغوطة الشرقية الذي تحدث عن فكرة هذه المجالس والظروف التي رافقت إنشائها قائلاً:

"في السنة الثانية من الثورة بدأ هناك انشقاق نوعي عن النظام اتخذ شكلين: الانشقاق العسكري، وانشقاق بعض الفعاليات المدنية، وتم تشكل بعض اللجان من أجل العمل الإغاثي، وخاصة في مناطق التهجير، وبدأت الفكرة كلجان بسيطة شُكلت في بعض المناطق ولو أن المناطق كانت لا تزال تحت سيطرة النظام".

بعد تحرير المدن كان لابد لأشخاص معينين من أن يتصدوا لإدارة شؤون الناس من الناحية المدنية، وخاصة أن "نظام الأسد" بدأ بتدمير المؤسسات والبنى التحتية، فكان لابد من إجراء صيانة لهذه الخدمات والمرافق العامة بشكل كامل، ويوضح م. الصمادي هذه الفكرة قائلاً: "بدأنا بإنشاء إدارات مدنية تصدت للعمل من خلال فريق عمل معين، حتى تطورت الفكرة إلى تشكيل مجالس محلية، ومن خلال هذه المجالس بدأنا بإنشاء المكاتب الاختصاصية، كمكتب الخدمات، ومكتب البيئة.. الخ".

ويضيف محدثنا: "بدأت هذه المكاتب تعمل على أسس سليمة وصحيحة، وتتصدى لجميع جوانب العمل الخدمي والإداري في المناطق المحررة، ثم تطورت هذه المؤسسات إلى أن تشكلت إدارة المجالس المحلية بالنسبة للغوطة الشرقية تحديداً".

ويشرح المهندس الصمادي دواعي إنشاء هذه المجالس قائلاً: "كان لابد لهذه المجالس المحلية أن تنشأ بسبب وجود وعي عند كثير من الفعاليات بضرورة أن لا يكون هناك فراغ إداري في المناطق التي تم تحريرها، ولإيمانهم بوجوب بناء هذه المؤسسات الإدارية والمدنية لأن"العصابة الأسدية" هي التي دمرّت تلك المؤسسات والبنى التحية وولذلك يجب أن نبنيها، من منطلق أن ثورتنا ثورة بناء، و"نظام الأسد" كان يستخدم دوماً معول الهدم لهذه المؤسسات.

*تنسيق الجهود

وحول طبيعة التنسيق بين المجالس المحلية وآلية عملها المشترك يقول "الصمادي":

"من المعروف أن الغوطة الشرقية هي وحدة جغرافية وسكانية واحدة، بالرغم من تقسيمها إلى بلدات إدارية، وهذا الشيء طبيعي جداً من أجل العمل الإداري، لكنّ هناك تداخلا جغرافيا وسكانيا، وأحياناً يتم نتيجة القصف تهجير السكان من قطاع إلى قطاع آخر، وربما من مدينة إلى مدينة أخرى".

ويتابع الصمادي: "من أجل هذا الوضع، كان لابد فيه من التنسيق بين المجالس من أجل استقبال هؤلاء المهجّرين وتقديم الخدمات والرعاية لهم وإيوائهم، واستثمار الثروات الطبيعية كالأنهار المشتركة والأراضي المتداخلة-على سبيل المثال- وتنسيق الجهود من أجل زراعتها واستثمارها بشكل كامل، وكذلك التنسيق في مجال توزيع المياه".

شابت عملية الانتخابات في المجالس المحلية خلال الفترة الماضية الكثير من الصعوبات والعراقيل، وبعض هذه الانتخابات قوبلت بالمقاطعة والتجاهل أحياناً، وحول أسباب ذلك والآلية المعتمدة في انتخابات المجالس المحلية في الغوطة الشرقية يقول المهندس الصمادي: "إن إيغال "نظام الأسد" في إجرامه وقصفه للحجر والبشر في الغوطة، وعمليات تهجير أهالي المناطق المستهدفة بشكل كامل بعد احتلالها أدى إلى خروج بعض الطاقات، ومن دخلوا إلى تحرير هذه المناطق هم عادة من الثوريين والعسكريين، وغالباً ما يتولون إدارة هذه المناطق المحررة، حتى يعود أهل الخبرة والاختصاص إليها".

ويضيف الصمادي: "هنا لابد من أن يكون الاختيار سليماً وضمن آلية صحيحة، مع العلم أن بعض البلدات في الغوطة الشرقية أجرت انتخابات مباشرة، وبشكل فعلي، وبعضها شُكلّت فيها هيئات انتخابية مؤلفة من كل القوى الفاعلة في الأحياء والمناطق ومن الناشطين، وبعد ترشح هؤلاء الأشخاص يتم اختيار أعضاء لهذا المجلس بشكل كامل، ومن ثم يتم اختيار المكتب التنفيذي الفعال في هذه المنطقة".

وهذه العملية -كما يشير الصمادي- "كانت عملية ممتازة تتم على أسس تشاركية وعلى أسس العمل الجماعي، حسب نظرية الرجل المناسب في المكان المناسب، وفعلاً أصبحت الغوطة الشرقية الآن نموذجاً يحتذى في مجال المجالس المحلية حيث لا تخلو بلدة أو منطقة من مناطقها من مجلس محلي معترف به وفاعل على الأرض يتولى جميع الخدمات فيها.

*تدخّل القوى الثورية

وفيما إذا كان هناك تدخل من القوى الثورية أو بعض المحسوبين على الثورة في عمل هذه المجالس أو توجيهها يؤكد "الصمادي" أن "هذا الأمر كان في الفترات الأولى من إنشاء المجالس المحلية، لأن الثورة أصلاً هي مجموعة فعاليات، وقد يكون هذا التدخل على شكل عزل لبعض الإداريين".

ويبرر الصمادي هذا الأمر قائلاً: "كان من شروط إنشاء هذه المجالس أن يكون الأشخاص الإداريون فيها مع الثورة، لا ضدها وحينما يكون بعض الإداريين غير مؤمنين بأهداف الثورة هنا يكون تدخل الثوريين".

ويردف رئيس المجالس المحلية في الغوطة الشرقية" :"كان للقوى الثورية دور فعال ومؤثر في عمل المجالس المحلية وكانت تسهم في تشكيل الإدارات المدنية إلى جانب المشايخ والقضاة وبعدها بات تشكيل ما يسمى المجلس المحلي وفق آليات انتخابية معينة بشكل ودي وليس فرضاً، وخاصة بعد أن تحولت هذه المجالس إلى مؤسسات لها آلياتها وقواعدها وهياكلها التنظيمية". ويستدرك "الآن لم يعد أحد يتدخل في عمل هذه المجالس بعد أن اشتد عودها وتطور عملها على الوجه الأمثل".

*مشاريع الأمن الغذائي

وفيما يتعلق بأبرز المشاريع الإنمائية والخدمية التي قامت بها المجالس المحلية في مختلف المناطق من الغوطة الشرقية يقول الصمادي:

"انصبّ اهتمامنا في البداية على بعض المشاريع المتعلقة بالأمن الغذائي، وكل ما من شأنه كسر الحصار الذي فرضه "نظام الأسد" بشتى الوسائل، ومن هذه المشاريع الزراعة حيث قمنا بزراعة بعض المواسم بالمشاركة مع بعض الفعاليات الأخرى كـ "المكاتب الزراعية" و"الجمعيات الإغاثية"، فلا يمكن لمؤسسة واحدة أن تتصدى للحصار المطبق ولذلك تولى الكثير من الجهات ومنها المجالس المحلية هذه المهمة، وشاركت في الأمن الغذائي، وزرعت بعض المواسم وخاصة موسم القمح من أجل توزيعها على المجالس المحلية لمستحقيها".

ومن المشاريع الخدمية كما يقول م. الصمادي موضوع النظافة فـ"هناك كتلة بشرية هائلة في الغوطة الشرقية (ما يقارب المليون نسمة) تفرز من النفايات البشرية كميات كبيرة، ولذا كان لابد من التصدي لتجميعها وأخذها إلى الأماكن المخصصة، وهذا يتطلب كادراً كبيراً يعمل ضمن آلية صحيحة، فقمنا بصيانة الآليات وتشكيل فريق عمل من أقسام الخدمات وأقسام النظافة وغيرها".

ويشكل موضوع المياه والصرف الصحي –حسب الصمادي- تحدياً آخر نظراً للقصف المستمر الذي عطل شبكة المياه، ما دفع المجالس المحلية للبحث عن بدائل لمشكلة المياه في "الكباسات" الموجودة على الآبار الارتوازية، وتصدت المجالس المحلية في الغوطة الشرقية -كمايقول الصمادي- لموضوع توثيق والترقين كـ"الطابو"وحماية السجلات المدنية، والأملاك الخاصة، ومكاتب السجل المدني وتوثيق أسماء الشهداء والجرحى، إلى جانب الخدمات الإغاثية والطبية لمساعدة العائلات المنكوبة".

وحول موضوع اعتبار الغوطة الشرقية مدينة منكوبة وكيف جرى التعامل مع هذا الوضع أوضح المهندس "نزار الصمادي" أن مجزرة الكيماوي في 21 /8/ 2013 تمثل تاريخاً مفصلياً في الغوطة الشرقية، هذه المجزرة التي حصلت تعامى المجتمع الدولي عنها فتخلى عن إنسانيته، لا بل ساوم حتى على أخلاقه، وقيمه، بشكل كامل مقابل مصالحه".

ويردف الصمادي "لقد ترك المجتمع الدولي هذا المجرم طليقاً ولم يحاسبه، مقابل أن يسلم سلاح الجريمة ولم يتم تسليم المجرم كما يفترض القانون الدولي، بل أُطلقت يده ليرتكب المجزرة تلو المجزرة في الغوطة الشرقية".

ويستطرد م. الصمادي: "هذا التعامي عن جرائم نظام الأسد كان بمثابة الضوء الأخضر الذي شجعه على قصف الغوطة الشرقية بشكل يومي، حتى بلغ معدل الطلعات الجوية وخاصة بسلاح الجو والقذائف 10 طلعات جوية يومية على الغوطة الشرقية وحدها و25 قذيفة يوميا على مختلف المناطق فيها، ما أدى لاستشهاد الكثيرين وخاصة من أطفال ونساء".

ويتابع الصمادي: "نتيجة لكثرة أعداد الجرحى والمعوقين ونقص الأدوية والقتل اليومي و والجوع وشلال الدم النازف كان لابد أن نعلي الصوت بأن الغوطة الشرقية أصبحت منطقة منكوبة.

ويطلق المهندس الصمادي صرخة ألم فأهل الغوطة -كما يقول- "تم الحكم عليهم بالإعدام الجماعي لكن تنفيذ هذا الحكم بالتدريج".

ويضيف بنبرة مؤثرة: "الكل محكوم عليه بالإعدام، لكن لا أحد يدري متى يكون دوره، وهل يستشهد بالقذائف أو الصواريخ أو البراميل المتفجرة أو الموت الصامت "الكيماوي" كل ذلك يجري -كما يقول- "بمشاركة ونفاق وتخلي المجتمع الدولي والإقليمي والعربي، بل ومن الحكومة المؤقتة أيضاً التي لم تأخذ بعين الاعتبار حالة الريف الدمشقي بل صبّت أغلب دعمها على باقي المناطق ولأسباب لا نعلمها لم يقدم للغوطة الشرقية سوى 240 ألف دولار وبالمقابل هناك مئات الآلاف من الدولارات قدمت عبر مشاريع أخرى لمناطق أخرى".

صور لبعض المشاريع الزراعية للمجالس المحلية في الغوطة الشرقية

 

ترك تعليق

التعليق