حكومة العالم الخفية وخراب دمشق....ما بين الأسطورة والحقيقة (2-3)

بدايةً، نُشير إلى أن الجزء الأول من سلسلتنا تلقى تعليقات عديدة، بعضها كان راضياً عن معالجتنا لنظريات حكومة العالم الخفية، فيما وصفها آخرون بـ"الهراء"، مستغرباً أن يتطرق موقعنا لها.

لكن، في خضم بحثنا عن آراء تعتبر طرح نظريات حكومة العالم الخفية إيغالاً في "فكر المؤامرة"، لم نجد أحداً يقبل التصدي لتفنيد هذه النظريات، رغم كثرة الرافضين لها، حتى أن بعض الأسماء اللامعة في أوساط النخبة المثقفة السورية رفضت مجرد الردّ علينا بهذا الخصوص، ولا نعرف إن كان ذلك نتيجة استصغار الموضوع ذاته، أم نتيجة عدم الجرأة على مقارعة واحدٍ من أكثر النظريات شعبيةً في أوساط الكثير من عامةِ السوريين والعرب.

طلبنا من أحد المحسوبين على النخبة المثقفة السورية، ممن اعتبر الحديث عن نظريات حكومة العالم الخفية مجرد "هراء"، أن يفند هذه النظريات في حوار معنا، يطلع عليه الجمهور.

أجابنا بأنه من الصعب إثبات عدم الفعل، وأن المفروض عادةً إثبات حدوث الفعل، وليس العكس، في إشارة إلى صعوبة إثبات وجود "حكومة خفية" للعالم، مع العلم أنها غير موجودة، حسب رأيه.

وأضاف المثقف ذاته أن نظريات حكومة العالم الخفية تُريح العامة من الناس، وتعطيهم تفسيراً لكل ما يحدث في منطقتهم، لذلك تلقى الكتابات المتعلقة بها اهتماماً، رغم أن هذه النظريات، حسبما أوحى حديث هذا المثقف، لا تتمتع بالعقلانية المطلوبة.

وكان المثقف ذاته وعدنا بأن يبحث أكثر في الموضوع ليقدم تفنيداً له، لكن لم يتواصل معنا بعد ذلك.

أسماء أخرى كثيرة تجنبت الحوار معنا بهذا الخصوص، إما بلباقة متعذرةً بظروف خاصة، أو بعدم الرد نهائياً على رسائلنا.

وهنا نتساءل: إن كان بعض المحسوبين على النخبة السورية يعتقدون بأن مقولات "حكومة العالم الخفية" هي من ضرب الإغراق في "نظريات المؤامرة"، وهم يعلمون أن نسبة كبيرة من السوريين والعرب متأثرون بهذه النظريات، وينصتون لها جيداً....أليس على تلك النخبة أن تتصدى لتفنيد هذه النظريات، بدلاً من الاكتفاء بوصمها بصفات تجعلهم معزولين عن غالبية العامة من الناس، من محدودي الاطلاع والمعرفة، أو الاكتفاء بالتعالي على الحديث بهذا الخصوص بغية تصغيره باعتبار أن "مقاماتهم" أعلى من ذلك؟!

بكل الأحوال، سبق أن تعرضت النخب العربية للكثير من النقد من شخصيات تنتمي لأوساطها، من ذلك، تعاليها على ما يشغل أذهان العامة، وانزوائها في أبراج عاجية من عالم الفكر والثقافة بصورة تجعل تأثيرها محدوداً على مجتمعاتها. لا بدّ أن ما حدث معنا في مساعينا لتأسيس بحث متوازن في نظريات "حكومة العالم الخفية"، يُثبت هذه التهمة على جزء كبير من النخب العربية، والسورية تحديداً.

***

جمال قارصلي*، كان أحد الذين قرر مشاركتنا في بحثنا، وأبدى رأيه المُتأتي من تجربته في عالم السياسة والإعلام والاقتصاد في ألمانيا.

وبحكم تجربته كنائب ألماني سابق عن ولاية شمال الراين-فسيفاليا، خبِر جمال قارصلي الكثير من المواقف التي تدفعه لليقين بوجود "حكومة خفية" بالفعل، في العالم.

*اجتماعات سرية مثيرة للجدل

في عام 2002 تحديداً، وحينما كان قارصلي نائباً في البرلمان الألماني، أطلق تصريحات شبهت ممارسات الجيش الإسرائيلي بـ"النازية"، فتعرض على إثرها لحملة إعلامية ممنهجة، استهدفت "اغتياله" سياسياً.

وأخبرنا قارصلي أن صحفيين ألمان لطالما تمتع بعلاقات طيبة معهم أسروا له بأنهم تلقوا تعميمات من مموليهم بعدم الحديث معه نهائياً.

يعتقد قارصلي أنه بالفعل هناك عائلات تحكم اقتصاد العالم، ومن ورائه سياسات دول العالم. مشيراً إلى أن "آل روتشيلد" مثلاً، تُقدر ثروتهم حول العالم بأكثر من 1.5 تريليون دولار، حسب بعض التسريبات.

وتعتبر عائلة روتشيلد، اليهودية، من أصول ألمانية، واحدة من أبرز العائلات المؤثرة في النظام المصرفي العالمي، وتتمتع بنفوذ مالي عميق في الولايات المتحدة الأمريكية ومعظم الدول الأوروبية.

يضيف قارصلي بأن أصحاب النفوذ في العالم وبشكل دوري يعقدون اجتماعات سرية في أماكن مختلفة من العالم، ولا ترشح أية معلومات عن نتائج تلك الاجتماعات ولا يمكن للإعلام أن يدخل إلى تلك الاجتماعات أو يطلع على تفاصيل ما يدور فيها.

وتحدث قارصلي، كمثال، عن اجتماع عُقد في حزيران قرب برشلونة في عام 2010 ضم 300 شخصية من نخبة العالم الاقتصادية والسياسية والمالية.

وكان الاجتماع سرياً، وتعرض أحد الصحفيين للضرب عندما حاول اقتحام مكان الاجتماع للتصوير، ما حدا ببعض وسائل الإعلام الألمانية للحديث عن فحوى هذه الاجتماعات السرية التي تُعقد، متساءلة عن غايات المجتمعين فيها، ولماذا يُسدل عليها ستار السرية الكثيف بهذا الشكل. هذه الاجتماعات تحصل مرة في السنة وذلك بين شهري أيار-مايو وحزيران-يونيو، وكل مرة في دولة مثل الدانمراك وإنكلترا وألمانيا وسويسرا وأمريكا ودول أخرى.

*"فرسان مالطا" ووشاح الأسد

ويعتقد قارصلي، على خلاف الكثيرين، أن الماسونية هي من أقل تلك المجموعات السرية، خطراً في العالم، لأن جزءاً كبيراً من نشاطاتها بات مكشوفاً ويتم بالعلن في العديد من دول العالم. فالماسونية في ألمانيا مثلاً مسموح بها، ويمارس أعضاؤها اجتماعاتهم علناً، في مقرات لهم.

ونوه قارصلي إلى أنه من المعروف أن في سوريا شخصيات تنتمي لمحافل ماسونية وتعقد اجتماعات من حين لآخر، رغم أن الماسونية محظورة رسمياً في سوريا.

ويستطرد قارصلي بأن هناك مجموعات سرية أخطر بكثير من الماسونية، أبرزها، في رأيه، مجموعة "فرسان مالطا". وهي دولة وعضو في الأمم المتحدة ولكن دون أرض وحدود ولها رئيس منتخب وتتم معاملته كرئيس جمهورية عند قيامه بزيارة لأية دولة كانت.

و"فرسان مالطا"، حسب "ويكبيديا"، هي جماعة تقيم في الفاتيكان -روما، وتحظى باعتراف دولي باعتبارها "كيان ذي سيادة"، وتتمتع بالتالي بحق إصدار "جواز سفر" خاص بها، إضافة إلى طوابع بريدية، وقطع نقدية ذات قيمة معنوية لا تستخدم كعملة.

وترتبط نشأتها بظروف الحروب الصلبية، نشاطها الأساسي المعلن اليوم يقوم على جمع التبرعات وإنفاقها على مساعدة الدول المضيفة لها ببرامج خدماتية خيرية طبية بالإضافة إلى الهدف الأساسي، ألا وهو حماية الحق المسيحي في الحج إلى القدس.

لا تعترف إسرائيل بدولة فرسان مالطا وليس لها تمثيل دبلوماسي في إسرائيل. وتقيم المنظمة علاقات دبلوماسية مع 103 دول منها 8 دول عربية (الأردن، السودان، الصومال، جزر القمر، لبنان، مصر، المغرب وموريتانيا) وما يزيد عن 28 دولة إسلامية.

ويذكر جمال قارصلي بأن بشار الأسد حصل منذ سنوات على وشاح من "فرسان مالطا"، وهذا الوشاح يشير إلى عضويته في المنظمة المذكورة، فيما حصلت نائبته، نجاح العطار، على وسام من المنظمة ذاتها يشير إلى الخدمات الجليلة التي قدمتها لها.

ويحرص الإعلام الرسمي الموالي للنظام على حذف كل ما يشير إلى نيل الأسد وشاح "مالطا" منذ سنوات.

*"مجالس فخرية" لسياسيين في إدارة شركات عالمية

ويوضح قارصلي لـ"اقتصاد" جانباً من تعقيدات العلاقة بين السياسة والاقتصاد، مشيراً إلى أن السياسة هي وسيلة الاقتصاد، وأن ما يطلبه المال تنفذه السياسة. ويشرح قارصلي بأن الشركات الكبرى متعددة الجنسيات، وعابرة القارات، عادةً ما تعيّن "مجلساً فخرياً أو استشارياً" في إدارتها، يتضمن هذا المجلس شخصيات سياسية تحصل على مكافآت مالية ضخمة، ولا تقوم هذه الشخصيات بأي عمل، إلا أن تعيينها في "مجالس فخرية" في إدارة هذه الشركات غايته الاستعانة بهم حين الحاجة لتلبية ما يخدم مصالح هذه الشركات في الشق السياسي، في أي بلد.

*لوبي السلاح وإطالة أمد الصراع في سوريا

"لوبيات" السلاح، خاصة السلاح الشخصي، والكحول، والدخان، تحكم أمريكا، وتؤثر على سياساتها العالمية، لذلك يعتقد جمال قارصلي أن إطالة أمد الفوضى في سوريا وتعقيدها، لا يفسره إلا وجود "مؤامرة" تخدم مصالح هذه اللوبيات في بيع أكبر قدر ممكن من السلاح.

ويعتقد قارصلي أن "مؤامرات" هذه "اللوبيات" العالمية، يُخطط لها لعشرات السنين، خاصة لوبي السلاح وشركات النفط، وهي مخططات أكبر حتى من أولويات الشخصيات السياسية النافذة. ويعتقد قارصلي أن باراك أوباما نفسه أضعف من أن يواجه مصالح ومخططات تلك اللوبيات، وأن عليه أن ينصاع لها.

*الإعلام واختراق وسائل الاتصال

ويعقب قارصلي بأن أحد أبرز وسائل تلك اللوبيات في التحكم بالاقتصاد العالمي، ومن ورائه السياسة، هو الإعلام، فمن يملك الإعلام يملك القرار السياسي، والمال هو من يملك الإعلام، وهو ما يتيح لهذه اللوبيات أن تعزز سيطرتها على مراكز صنع القرار في معظم دول العالم.

ولا ينفي قارصلي وجود رؤى دينية مؤثرة في طريقة تفكير بعض تلك اللوبيات والمجموعات الخفية المؤثرة في العالم، مذكراً بـ"فرسان مالطا" التي ترتبط نشأتها بقضية الحج المسيحي إلى القدس.

ويختم قارصلي بأن وسائل الاتصال هي من أبرز طرق السيطرة التي تملكها المجموعات المتحكمة بالاقتصاد العالمي، فوسائل الاتصال، كما يعرف الجميع، مُخترقة، ويمكن مراقبة اتصالات أي شخص ومعرفة توجهاته ونواياه ونقاط ضعفه، وبناء على تلك المعلومات تجرى دراسات إجتماعية لمعرفة ردود فعل المجتمع وبالتالي التأثير عليه، إن استدعت الحاجة، وربما التحكم به في نهاية المطاف.

***

لن تتوقف "اقتصاد" عند ما سبق، بل ستحاول في الجزء الثالث استطلاع وجهة نظر شخصية ثالثة قبلت التعليق لنا على نظريات حكومة العالم الخفية. وتجمع خبرة الشخصية المُزمع استضافتها في الجزء الثالث بين عالمي السياسة والمال، مما يجعل رؤيتها أقرب إلى وقائع الأمور منها إلى عالم الكتب والنظريات.

يتبع...

* ضيف الجزء الثاني من السلسلة: جمال قارصلي:

سياسي سوري معارض، يقيم في ألمانيا، ويحمل جنسيتها، واحتل مقعداً في البرلمان الألماني مطلع العقد الماضي، كما أنه أسس حزباً سياسياً ألمانيا تحت اسم "فاكت" عام 2003. له مقالات كثيرة باللغتين الألمانية والعربية، وله كتاب بالألمانية بعنوان "كمامة لأفواه الألمان" Maulkorb für Deutschland، وآخر باللغة العربية بعنوان "ألمانيا بين عقدة الذنب والخوف".
اتخذ مواقف معارضة للنظام الحاكم في سوريا منذ عهد الأسد الأب، ووقف مع الحراك الثوري السوري منذ بداياته، ودعمه بالنشاط السياسي والمال.

حكومة العالم الخفية وخراب دمشق....ما بين الأسطورة والحقيقة (1-3)

ترك تعليق

التعليق

  • 2015-02-17
    كلام سليم والحقيقة أسوأ من ذلك بكثير لأن الراوي يتجاوز اسرائيل كأنه لا وجوود لها [email protected]
  • 2016-05-17
    الواضح في هذه الابحاث اقل بكثير من الغامض . الا ان الملفت للنظر ان معظم الباحثين ما هم الا اعضاء ايضا طلب منهم الهاء غيرهم عن البحث بتقديم معلومات مغلوطة .